"1"
"اكتشف" الجميع مرة أخرى مدى هشاشة بنانا التحتية، بعد يوم ماطر بمدينتي الرباط وسلا فاقت فيه مقاييس التساقطات المطرية مائة ملليمتر، وتحدث الجميع، مرة أخرى، عن "خصوصية قَدَر المغرب" فازدهار اقتصادنا تابع لتساقط الأمطار، و"انكشافُ عيب" بنانا التحتية مرتبط هو الآخر بها.
والمشكل هنا ليس في الأمطار، بل في سياسة رد الفعل والانصياع للقدر بكل تواكل ورضوخ، دون إعداد عُدة واستعداد لإمكانية اختلال اليومي والمُعتاد.
لكن ليس هذا ما أبغي الحديث عنه اليوم، فمشكل البنية التحتية أَعوَصُ وأَعمَقُ من الانتقاد "العابر" دون أدوات تمكن من ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ما أريد الحديث عنه هو ما بدا لي جلياً وأنا متوقف لساعتين بمحطة ترام مدينة العرفان، منذ الواحدة وخمسين دقيقة بعد ظهر يوم الخميس 23 فبراير/شباط، وهو أن تفشّي مشكل عدم الاهتمام وسياسة رد الفعل لم يتوقف عند المغربي في حياته اليومية ومؤسساته الرسمية بل تعداه للشركات الخاصة وشركات التدبير المفوض. فبعد أزيد من ثلاثة أرباع الساعة لم يسمع ركاب الترام إلا تنبيهاً واحداً بالتوقف، مُذَيلاً باعتذار بارد، ولم نعرف، نحن ركاب الترام، ما المشكل إلا بعد ساعة ونصف، صُدفَة بعد حديث جمع أحد مسؤولي المُراقبة براكب من الركاب.
هذا المشكل التواصلي لا تقف أضراره عند تضييع مصالح مُرتادي الترام بل تتعداه لإظهار أن الجانب الربحي هو الطاغي عند الشركة، دون تفكير في الخدمة التي يجب عليها أن تقدمها، فَمُرتادو الترام لمدة ساعتين التي بقيت فيها داخله، علماً أنه بقي متوقفاً لمدة تزيد عن الست ساعات، ظلوا يشترون تذاكر السفر ويُؤشرونها دون تنبيه من الشركة إلى أن هناك توقفاً كلياً لخدمات الترام لمدة غير مُحددة.
هذا المشكل يُظهر غياب سياسة تواصلية للأزمة عند مسؤولي شركة الترامواي، وبالتالي يُظهر غياب استعدادهم لإمكانية اختلال "اليومي"، وبالتالي غياب اهتمام بالإنسان المستفيد من هذه الخدمة، ولو اختلت مصالحه بشكل كبير، خصوصاً أن الأمر يتعلق بوسيلة النقل (الرسمية) بين مدينتي الرباط وسلا.
ولا يقف هذا الغياب في تواصل الأزمة عند شركة الترامواي بل يتعداه، طبعاً للمكتب الوطني للسكك الحديدية.
ففي نفس اليوم، وبعد وصولي لمسكني بمدينة سلا بعد سبع ساعات من التأخر، ذهبت لمحطة قطار (سلا المدينة) في التاسعة وعشرين دقيقة مساء، متوقعاً أن يكون هناك تأخير "خارج عن إرادة" المكتب الوطني للسكك الحديدية، وكذلك كان. وبينما أنا جالس في المقهى الموجود بنفس المحطة حضر القطار المتوجه لمدينة سيدي سليمان، والذي لا يأتي إلا مرة في كل ساعتين، وذهب دون تنبيه صوتي رغم أنه جاء متأخراً عن وقته بثلاث ساعات، أي أنه وصل مع العاشرة والنصف رغم أنه القطار المُبرمج للساعة السابعة وعشرين دقيقة.
الشاهد عندي أن القطار فاتني بسبب غياب تنبيه صوتي، وعدم اشتغال لوحة مواقيت القطارات، وتأخراتها، فإذا لم يكن التواصل حاضراً حتى مع الموجودين داخل مبنى المحطة، فكيف يكون مع من هم خارجها من المُستفسرين عن مواقيت القطارات ونقل الأمتعة والتأخيرات؟
"2"
ذكرني هذا الغياب المؤسف للتواصل في هذين المثالين بحديث مع عم لي عن مدى هشاشة حياتنا المعاصرة، قال فيه إنه كلما تقدم الإنسان وزاد ارتباطه بالتقنية والآلة زادت قابليته للرجوع إلى بدائيته عند فقدانها، فالتقنية الآن عَصَبُ الحياة ويكفي أن تغيب الكهرباء لتتوقف هذه الحياة، على الأقل كما نعرفها الآن.
لكن ورغم كل ما قيل، يبقى لكل لحظة سَيئُهَا وجَمِيلُهَا، وتبقى لكل لحظة سيئة فَلَتَاتها التي نقترب فيها من أنفسنا، وكانت فَلتَة ذلك اليوم المشهود، في جمال منظر اختزنته ذاكرتي اختزاناً للسلاويين وهم يَقطَعُونَ قنطرة أبي رقراق مشياً على أقدامهم جماعات وأفواجاً، يسأل بعضهم البعض عن المشكل، ويتواطؤون جميعاً في تلويحهم برؤوسهم موافقة على أحاديث ضعف البنية التحتية وسوء التدبير المفوض وجبرية القضاء والقدر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.