يقول مسؤولون أميركيون، إن الخطة السرية لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أجل الهجوم المُقبِل على الرقة، عاصمة تنظيم "داعش" في سوريا، تتطلب زيادة كبيرة في المشاركة العسكرية الأميركية، بما في ذلك زيادة قوات العمليات الخاصة، وطائرات الهليكوبتر الهجومية، والمدفعية، وإمدادات الأسلحة إلى القوات المقاتِلة الرئيسية على الأرض من الكرد والعرب السوريين.
ويُمثِّل الخيار الذي فضَّله الجيش واحداً من خيارات عديدة يستعرضها البيت الأبيض حالياً، ومن شأن هذا المُقترَح أن يُخفِّف عدداً من القيود التي فُرِضت على أنشطة الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما.
واقترح مسؤولون شاركوا في عملية التخطيط رفع سقف حجم القوات العسكرية الأميركية الموجودة في سوريا، والتي يبلغ عددها حالياً نحو 500 من مُدرِّبي القوات الخاصة ومستشاري تحالف قوات "سوريا الديمقراطية". وفي حين أنَّ الأميركيين لن ينخرطوا بصورةٍ مباشرة في المعركة على الأرض، فإنَّ المُقترَح يسمح لهم بالعمل بصورةٍ أقرب من جبهات القتال، وسيفوِّض المزيد من سلطة صنع القرار التي يضطلع بها العسكريون في واشنطن إلى القوات في سوريا.
تحالفات جديدة
وتلقَّى الرئيس ترامب، الذي أسَّس حملته على تعهُّدٍ بتوسيع المعركة ضد المتشدِّدين في سوريا، والعراق، وغيرهما، الخطة، الإثنين 27 فبراير/شباط، بعدما منح البنتاغون مهلةَ 30 يوماً لإعدادها.
لكن في صراعٍ لم يكن فيه شيءٌ أسهل من الإعراب عن التوقعات، أنشأ هجوم الرقة بالفعل تحالفاتٍ جديدة. فخلال اليومين الماضيين فقط، اضطَّرت القوات الأميركية الجاهزة لمعركة الرقة إلى الالتفاف حول بلدةٍ في شمالي سوريا للحيلولة دون وقوع مواجهةٍ بين قوتين حليفتين للولايات المتحدة: الأتراك والمقاتلين الأكراد السوريين. وهناك، وجدت القوات نفسها عملياً جنباً إلى جنب مع الروس وقوات الحكومة السورية، يتشاركون نفس الهدف الواضح.
ومن شأن الموافقة على خطة الرقة أن تُغلِق الباب عملياً في وجه المطالب التركية بعدم تسليح الولايات المتحدة للكرد السوريين، الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، وإبقائهم بعيداً عن المشاركة في هجوم الرقة المُقبِل. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنَّ تسليح وإشراك وحدات "حماية الشعب الكردية" في العملية أمرٌ غير مقبول، وتعهَّد بتحريك قواته وقوات المعارضة السورية الحليفة لتركيا باتجاه الرقة.
وأخبر القائد العام الأميركي لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم"داعش"، الجنرال ستيفن تاونسند، الذي يتَّخذ من بغداد مقراً له، الصحفيين، الأربعاء 1 مارس/آذار، أنَّه ليس هناك "أي دليل" على أنَّ قوات "حماية الشعب الكردية" تُمثِّل تهديداً لتركيا. على حد تعبيره. ودعا تاونسند، مُبدياً بعض السخط الواضح، جميع القوات المعادية لـ "داعش" في شمالي سوريا إلى وقف الاقتتال فيما بينها والتركيز على أفضل السبل لهزيمة المُتشدِّدين.
وتتواصل محادثات الولايات المتحدة مع تركيا، الدولة الحليفة في حلف الناتو والعضوة في التحالف الدولي ضد "داعش". لكنَّ الأحداث على مدار الأيام القليلة الماضية داخل وحول مدينة منبج تسبَّبت في إضافة عنصر جديد إلى الصراع؛ إمَّا أن يساعد الأميركيون على تفادي صدامٍ مباشر مع أنقرة، أو يضع القوات العديدة التي تتلاقى عند المدينة الآن على طريق مواجهةٍ جديدة.
تركيا والقوات الكردية
وسيطر داعش على منبج، الواقعة بالقرب من الحدود التركية على بعد نحو 85 ميلاً (136.8 كم) شمال غربي الرقة، قبل 3 سنوات، واستعادتها قوات "حماية الشعب الكردية" مدعومةً بالغارات الجوية والمستشارين الأميركيين في أغسطس/آب الماضي. وتُشكِّل المدينة الآن الحافة الغربية لقطاعٍ حدودي جرى تطهيره من المُتشدِّدين، ويمتد حتى الجارة العراق.
ووعدت الولايات المتحدة الأتراك بأنَّ نطاق سيطرة الكرد لن يمتد إلى الغرب فيما وراء نهر الفرات، وسُلِّمت منبج إلى سيطرة المجلس العسكري لمنبج، وهم مقاتلون عرب يعملون في إطار قوات "سورية الديمقراطية". وتتولَّى الشرطة الكردية مسؤولية الأمن المحلي، لكنَّ الأميركيين أصرّوا على أنَّ قوات "حماية الشعب الكردية" ابتعدت عن المشهد بصورةٍ كبيرة.
ولا توافق تركيا على ذلك، وهدَّدت طويلاً باستخدام القوة لإخراج الكرد، الذين تقول عنهم إنَّهم تابعون لـ"حزب العمال الكردستاني"، وهو حزبٌ مُصنَّفٌ تنظيماً إرهابياً في كلٍ من تركيا والولايات المتحدة، ويشن تمرُّداً داخل تركيا من أجل حكمٍ ذاتي.
وبعد سيطرة القوات التركية وحلفائها من المعارضة السورية على مدينة الباب السورية القريبة من داعش في 23 فبراير/شباط، بدأت القوات التي تقودها تركيا التقدُّم باتجاه منبج، وسيطرت على قريتين فيها على الأقل.
ويوم الخميس، 2 مارس/آذار، ومع وصول القذائف التركية إلى ضواحي المدينة، أعلن المجلس العسكري لمنبج أنَّه قد دعا حكومة بشار الأسد لتسلُّم العديد من القرى المجاورة كجزءٍ من صفقة توسَّطت فيها روسيا لتجنُّب الصراع مع الأتراك.
وفي يوم الجمعة، 3 مارس/آذار، أعلنت موسكو أنَّ القوافل "الإنسانية" الروسية والسورية كانت في طريقها باتجاه منبج. وقال المتحدِّث باسم البنتاغون، النقيب جيف ديفيس، للصحفيين في واشنطن إنَّ القوافل تضمَّنت أيضاً "بعض المعدات المُدرَّعة".
قوات أميركية في منبج
وقال ديفيس إنَّ الولايات المتحدة قد "أُبلِغَت" بالتحرُّكات من قِبَل روسيا، وأضاف: "لكنَّنا لسنا طرفاً في ذلك".
وفي غضون ذلك، أظهرت صور نُشِرَت على الشبكات الاجتماعية عرباتٍ عسكرية أميركية مُتَّجهةً إلى داخل منبج من الشرق.
وفي يوم السبت، 4 مارس/آذار، أكَّدت الولايات المتحدة أنَّها قد "زادت تواجد القوات داخل وحول منبج لمنع الأعمال العدائية، وضمان عدم وجود حضور مستمر لقوات حماية الشعب الكردية"، وإدخال قواتٍ أميركية على نحوٍ فعَّال لمنع عضوين في التحالف، تركيا والكرد السوريين، من التقاتل.
وقال المتحدِّث باسم التحالف، العقيد جون دوريان، في منشورين على حسابه بموقع تويتر، إنَّ التحالف "قام بذلك التحرُّك المتعمَّد لطمأنة أعضاء التحالف والقوات الشريكة، ومنع الأعمال العدائية، وإبقاء التركيز على هزيمة داعش".
وتمكَّنت الولايات المتحدة وروسيا من تجنُّب المواجهة في سوريا التي قسَّمتها الحرب الأهلية، حيث يقفان على طرفي نقيض. وقال ترامب مِراراً إنَّ الدولتين الكبريين يجب أن تتعاونا ضد "داعش"، وأشار إلى أنَّ مستقبل الأسد المدعوم من روسيا يُعَد أمراً أقل أهمية بالنسبة له.
ويرفض البنتاغون التعاون المحتمل مع روسيا، على الرغم من أنَّ المسؤولين الأميركيين ليسوا سعداء بالمنطقة العازلة التي يبدو أنَّ روسيا وسوريا تقيمانها الآن بين تركيا والكرد، ولا كذلك من احتمال تحرُّك نظام الأسد إلى داخل منبج. لكنَّ النتيجة الإيجابية، كما قال مسؤولون، قد تتمثَّل فقط في منع القوات التركية وقوات "درع الفرات" التابعة للمعارضة السورية وتدعمها أنقرة، من التحرُّك إلى داخل المدينة، لكن من المحتمل أيضاً أنه سيدفع أي قواتٍ متبقية لقوات "حماية الشعب الكردية" إلى شرقي نهر الفرات.
وبينما دعمت تركيا قوات المعارضة التي تقاتل ضد الأسد، فإنَّها لم تدخل أبداً في صراعٍ مباشر مع الجيش السوري، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنَّها "ستُفضِّل بصورةٍ أكبر أن تسيطر الحكومة السورية على منبج بدلاً من الكرد". وهناك آمالٌ بأن تستطيع موسكو، التي كانت تعمل في الوقت ذاته على تحسين علاقاتها مع تركيا، المساعدة في إقناع أردوغان بالتراجع.
خطة أوباما السابقة
ويُعَد الأمر الذي لا يرغب الأميركيون في رؤيته يحدث هو فتح جبهةٍ عسكرية جديدة واندلاع صراعٍ محتمل حول منبج يكون من شأنه أن يجذب كلاً من الانتباه والموارد بعيداً عن خطط استعادة الرقة. ويُنظَر إلى الهجوم على الرقة، في ظل الاعتقاد بأنَّ المدينة تُمثِّل مركزاً لـ"داعش" من أجل تخطيط عملياته التي يشنها في الخارج، باعتباره أمراً مُلِحَّاً جرى تأجيله بالفعل من الخطط الأصلية التي كان من المقرر أن يبدأ وفقاً لها في فبراير/شباط الماضي.
ووافق الرئيس السابق باراك أوباما، خلال أيام حكمه الأخيرة، على خططٍ لإرسال اثنتين أو ثلاث من مروحيات الأباتشي الهجومية إلى مسرح العمليات السوري، لكنَّه أجَّل الموافقة على تسليح الأكراد كجزءٍ من قوات "سورية الديمقراطية". وبدلاً من العمل مباشرةً على الخطة الموضوعة بالفعل، وجَّه ترامب في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي الأوامر للبنتاغون لإعداد خياراتٍ جديدة بحلول نهاية فبراير/شباط.
وقال مسؤولون إنَّه في ظل كوْن البديل الوحيد الحقيقي للخطة التي أُعِدَّت في ظل حكم أوباما هو استخدام قواتٍ أميركية برية في الرقة، فإنَّ وزير الدفاع، جيم ماتيس، قد تمسَّك بالخطوط الأساسية لتلك الخطة. وتقدَّمت قوات "سورية الديمقراطية"، والتي يبلغ عددها الآن أكثر من 50 ألفاً، بثباتٍ تجاه الرقة في مرحلةٍ منفصلة من معركة المدينة يُتوقَّع لها أن تكتمل خلال الأسابيع المقبلة.
وحتى إذا ما وجَّهت تركيا قواتها جنوباً باتجاه الرقة، فإنَّ الأمل ينعقد على أنَّ التضاريس الصعبة التي سيتوجب عليهم السفر خلالها من شأنها أن تمنعهم من الوصول إلى هناك حتى تكون المعركة قد بدأت وتجري على قدمٍ وساق.
وبدلاً من إجراء مراجعةٍ شاملة، يطالب المقترح الجديد بزيادة المشاركة الأميركية، من خلال المزيد من الأفراد والعتاد، وفي ظل قواعد أقل تقييداً. وستشارك حاملة طائراتٍ أميركية ومروحياتٌ هجومية، بعد أن شاركت في دعم القوات العراقية في الموصل، بنشاطٍ في دعم القوات البرية. وستتَّجه مدفعية تديرها الولايات المتحدة صوب سوريا لقصف المُتشدِّدين عن بُعد، بينما ستقترب قوات عمليات خاصة بصورة أكبر من خطوط المواجهة الأمامية، الأمر الذي يتطلَّب المزيد من القواعد العسكرية الأميركية لحمايتهم.
وستُزوَّد قوات "سوريا الديمقراطية"، بمقاتليها العرب والأكراد، بالأسلحة إلى جانب المركبات والمعدات لاستخدامها في التنقُّل ونزع ما يُتوقَّع أن تكون حقول ألغام واسعة وغيرها من العبوات الناسفة على طول الطريق.
ووجَّه قرار ترامب التنفيذي الأوامر للبنتاغون كذلك باقتراح تعديلاتٍ على القيود التي فرضتها إدارة أوباما على قواعد الاشتباك العسكرية والتي تتجاوز تلك التي يتطلَّبها القانون الدولي. وتتمثَّل أهم تلك القواعد في قرار أوباما التنفيذي، الذي وقَّعه الصيف الماضي، ويفرض قواعد صارمة لتجنُّب سقوط ضحايا بين المدنيين. ومن غير المعروف ما إذا كان المُقترَح العسكري الجديد سيرفع تلك القيود أم لا.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.