“الأراضي مقابل الاستقلال”.. الكرد مستعدون لترك مناطق سيطروا عليها مقابل حكم ذاتي لهم بالعراق.. هذه خطتهم لو رفضت بغداد

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/26 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/26 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش

يدرس القادة الأكراد عرض الأراضي التي استولت عليها قواتهم خلال الهجوم لاستعادة الموصل من تنظيم "داعش"، كورقةِ مساومةٍ في مسعى جديدٍ للاستقلال عن بغداد.

وفي الوقت الذي تواصل فيه القوات العراقية تقدُّمها تجاه أحياء رئيسية يدافع عنها "داعش" غربي الموصل، يتحوَّل الانتباه إلى الشكل الذي سيكون عليه شمال العراق بمجرد دحر التنظيم المشتدد.

ويعتقد وزراء في حكومة إقليم كردستان أنَّ أحد الخيارات التي قد تُعرَض على بغداد هو تسليم الأرض التي استولت عليها قوات البشمركة التابعة للإقليم من "داعش" مقابل الحكم الذاتي، الذي يُعَد أكبر الطموحات الكردية منذ عقود.

وقال رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، فلاح مصطفى، مُتحدِّثاً من مكتبه في عاصمة كردستان العراق أربيل، إنَّه على الرغم من أنَّ تحالف الموصل بين القوات العراقية والبشمركة كان يسير في مساره الصحيح للقضاء على "داعش" في ثاني أكبر مدن العراق، إلّا أنَّ الوقت حان لإقليم كردستان كي يمضي بنفسه قُدُماً.

وقال: "من المهم وضع الحق في الحكم الذاتي على طاولة التفاوض، نحتاج إلى وضع حدٍّ لهذه العلاقة المضطربة مع بغداد. فلا نحن مندمجون تماماً في إطار العراق، ولا نحن مستقلون ونتمتع بالسيادة بصورةٍ كاملة".

وأضاف: "نحتاج إلى الجلوس لمناقشة مستقبل كلٍ من أربيل وبغداد، بما في ذلك الاستقلال. الآن هو الوقت المناسب لمناقشة الصيغة الجديدة لتلك العلاقة. فقد فشلت الصيغة التي لدينا حالياً".

تفاؤل بترامب

ويأتي الزخم الجديد للحكم الذاتي لدى إقليم كردستان نتيجة وجود قناعة بأنَّ إدارة ترامب قد تكون مستعدة لدعم الأحلام الكردية في الاستقلال. وبالفعل، ناقش رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، قضية الاستقلال "بصورةٍ جدية" مع نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس.

وقال مصطفى: "الاتصالات الأولية التي أجريناها قبل وأثناء الانتخابات الأميركية مُشجِّعة. نعتقد أن لدينا فرصة جيدة لتطوير العلاقات بصورةٍ أكبر. وقريباً سيكون هناك المزيد من التواصل بين قيادتنا والقيادة الأميركية. الأمر برمَّته مُشجِّع. إنَّنا متفائلون".

وتأتي مبادرته وسط دعواتٍ بأن تصبح كلٌ من سنجار، التي يقطنها اليزيديون الناطقون باللغة الكردية، وسهل نينوى، المنطقة التي يشكِّل المسيحيون غالبية سكانها، أخيراً مناطق حكم ذاتي على غِرار حكومة إقليم كردستان.

وبالنسبة لحكومة إقليم كردستان ذاتها، تُمثِّل الرقعة الواسعة من الأرض التي حرَّرتها قوات البشمركة من قبضة "داعش" أحد الرهانات المحتملة في حملتها للتحرُّر من سيطرة بغداد.

وتشمل البلدات التي أعادت قوات البيشمركة السيطرة عليها كلاً من بعشيقة، وعشرات القرى، وآلاف الأميال المربعة من الأراضي التي تضم معظم محافظة كركوك، وشمالي ديالى، وسنجار. وفي المجمل، زاد الأكراد كتلة الأرض الواقعة تحت سيطرتهم بنسبةٍ تصل إلى 40%.

وتشير مصادر عسكرية من البشمركة إلى أنَّه قد جرى التضحية بأرواح كردية للانتصار في تلك الأراضي. وقال أحد الضباط إنَّه خلال هجوم واحد فقط على معقل "داعش" السابق في بعشيقة، قُتِل 31 من مقاتلي البشمركة.

وحتى الأسبوع الماضي، كان 1.682 مقاتلاً من قوات البشمركة قد قُتِلوا، وجُرِح 9.787 آخرين خلال 30 شهراً من الحرب القاسية التي تخوضها البشمركة ضد داعش، وهي الحملة العنيفة التي ألحقت خسائر ضخمة باقتصاد المنطقة الهشّ.

وقال وزير الداخلية، والقائم بأعمال وزير البشمركة في حكومة إقليم كردستان، كريم سنجاري، إنَّ "الحرب تكلِّف الكثير. فيجب رعاية أسر الشهداء، ومعالجة الجرحى".

وستتمثَّل إحدى القضايا الأخرى في المطالبة بغنائم الانتصار في الموصل نفسها. فعلى الرغم من أنَّ البشمركة وافقت على عدم دخول المدينة، إلّا أنَّ القوات الكردية كان لها دورٌ أساسي في التأمين والسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي حول المدينة الشمالية قبل السماح للجيش العراقي بإكمال المهمة.

وعند سؤال مصطفى حول الأوراق القوية التي تجهِّزها أربيل لاستخدامها في محادثات الاستقلال، قال إنَّ الأرض "بالتأكيد" كانت أحد العوامل التي سيُنظَر إليها. وقال: "إنَّها مسألة مهمة. فالمسؤوليات، والأرض، وقضية النفط، والتمويلات، والمجال الجوي، جميعها تحتاج للنقاش. نريد أن نبدأ هذا الحوار مع بغداد سلمياً، مع الاعتراف بأنَّنا سنحظى دوماً بعلاقةٍ استراتيجية".

وبالنسبة لمعظم السكان الأكراد، البالغين 5.5 مليون نسمة في الشمال، فإنَّهم يتوقون إلى قطع الروابط مع بغداد، وذلك في ظل الشعور بأنَّ الحكومة العراقية المركزية لم تعد حتى تتظاهر بالتزامها بحقوق الأكراد. وقال مصطفى: "تريد بغداد منَّا أن نكون تابعين. ونحن نرفض ذلك. لقد فشلت صفقة وضع أساسٍ فيدرالي للعراق".

وأضاف أنَّه إذا رفضت بغداد الاعتراف بحُججهم، فإنَّهم ربما يُنظِّمون استفتاءً لإضفاء الشرعية على حملتهم المطالبة بالحكم الذاتي. وقد وجد استفتاءٌ غير رسمي جرى في 2005 أنَّ 99% ممن شاركوا فيه صوَّتوا لصالح الانفصال عن العراق.

مواجهات مستمرة

ويعقد الوزراء أملهم على أن توفِّر نجاحات البشمركة ضد "داعش" قوةً مناسبة خلال سعيهم لإنشاء دولتهم. وأُعجِب ترامب، الذي تعهَّد بـ"تحطيم داعش"، بانتصارات البشمركة الذين تدعمهم الولايات المتحدة ضد التنظيم؛ إذ كان لهم الفضل في إيقاف تقدُّم المتشدِّدين الإسلاميين في أنحاء البلاد عام 2014. وتشير حكومة إقليم كردستان إلى أنَّ تلك النجاحات تحقَّقت رغماً عن بغداد، وليس نتيجةً لدعمها.

وقال سنجاري: "خلال العامين الذين حاربنا فيهما داعش، كل ما حصلنا عليه من بغداد كان بعض الذخائر. إنَّهم لا يعطون البشمركة شيئاً، لا رواتبهم، ولا نفقاتهم، ولا أي شيء". لكنَّ سنجاري حذَّر أيضاً من أنَّه بمجرد دحر "داعش" في العراق، فإنَّ العوامل التي جعلت الكثير من المسلمين السُنَّة يُرحِّبون بالتنظيم في البداية على أنَّه مُحرِّرٌ لهم من قوات بغداد التي يُهيمن عليها الشيعة ربما لن تختفي بسهولة.

وقال: "داعش لن ينتهي سريعاً. ستُستعاد الأراضي منهم، لكنَّهم سيبقون هنا (مُشيراً إلى رأسه، قاصِداً أفكار التنظيم). علينا أن نُنهي السبب الذي أدّى إلى ظهور داعش. فقد انتهى تنظيم القاعدة، ثُمَّ ظهر داعش. وإذا ما انتهى داعش، فإنَّ تنظيماً آخر سيظهر".

وعلى بُعد 55 ميلاً إلى الغرب من مكتب الوزير سنجاري، أي على خطوط المواجهة في الموصل، تكشف التقارير الأخيرة أنَّ قوات الأمن العراقية تواصل تقدُّمها بعمقٍ إلى داخل المدينة مع تصاعد الهجمات ضد دفاعات الجهاديين على جبهاتٍ عدة. ومع ذلك، حذَّر سنجاري من أنَّ التقدم قد يتباطأ مع تقدُّم القوات العراقية إلى مركز المدينة التاريخي الذي يشبه المتاهة، ودخول المعركة إلى ما يشبه المستنقع.

وقال: "في المدينة القديمة لا يمكنك استخدام الدبابات أو العربات المدرعة، لذا ستكون معركةً تنتقل فيها من منزلٍ إلى منزل. لكنَّ داعش قد خسر الكثير من مقاتليه في الجانب الشرقي، الآلاف منهم. لقد قُتِلَت أقوى قواته، وخصوصاً من المقاتلين الأجانب".

وحذَّر الوزير من الأساليب القذرة، وذلك في ظل استخدام الإسلاميين لجزءٍ من الـ750 ألف مدني المحاصرين في المدينة المُكتظَّة بالسكان كدروعٍ بشرية.

وفي الجانب الشرقي من المدينة، الذي جرى تطهيره الشهر الماضي، يبدأ السكان في العودة مجدداً، على الرغم من أنَّ حكومة إقليم كردستان العراق لا تزال تستضيف 1.8 مليون من اللاجئين العراقيين المُشرَّدين داخلياً، إضافة إلى اللاجئين السوريين، نتيجة الاضطرابات في المنطقة، وتطالب بمساعدة إنسانية عاجلة من المجتمع الدولي.

وقال سنجاري، مُتحدِّثاً عن رحلة قام بها أخيراً إلى أحد المستشفيات المحلية: "في كل سرير، كان لديهم 4 أطفال، و3 أشخاص نازحين من داخل العراق، ومواطن من الإقليم. بإمكانك أن ترى مدى الضغط الذي تُشكِّله القضية على خدماتنا".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد