في كل حقبة من حِقَب التاريخ عاشت البشرية في أزمات، وكان للمرأة منها نصيب، سلسلة نتحدث فيها عن أزمات المرأة في بلادنا، وبالتحديد فيما يتعلق بواقعها وما آلت إليه، نضع أيدينا على مواضع الخلل في حياتها.
السلسلة ليست محاكمة واتهاماً لأشخاص أو جهات، ليست مقترحات لحلول، وإنما هي محاولة لرؤية أخطائها وتشخيص أزماتها كمرحلة أولى بديهياً، فأعراض المرض قد تظهر، لكن المشكلة كامنة في عدم رؤية المريض لها، فيمضي الوقت ويشتد المرض بلا معرفة للأسباب، وبالتالي لا سبيل للعلاج، بل ويصعب العلاج في مراحل المرض المتقدمة وتستمر الأزمات، وأعتقد قلة رؤية المرأة لأزماتها أكبر أزمة تمر بها اليوم.
أزمة تحمل المسؤولية
بعيداً عن المحاكمات النسوية للرجل ومظلوميتها التاريخية تحت سطوة المجتمع الأبوي، آن الأوان بعد أن شبعنا لطماً معنوياً وندباً وتذمراً لحياتنا الذي ذقنا فيها هضم حقوقنا، آن الأوان لننظر إلى كل ذلك الإرث التاريخي من زاوية أخرى.
لقد كانت أوضاع المرأة بصورة عامة غير جيدة دوماً، لكن المشكلة التي أبقت أوضاعها تزداد سوءاً هي بقاؤها بنفسية المظلوم والضحية، نفسية من لا إرادة له ولا قوة ولا دور في تغيير الواقع ولو بخطوة واحدة، اقتنعت، وآمنت، ورضخت لهذه الفكرة المريحة لها!
نعم مريحة، فالمظلوم يتحمل المعاملة القاسية، وهي تتطلب سكوتاً وتحملاً، لكن الذي يتحمل مسؤولية رفع الواقع يستلزم قوة نفسية أكبر وصبراً كثيراً وجهداً أعظم، إضافة إلى عدم اقتناعها أصلاً بأنها تستطيع ذلك، وهذا بالتأكيد لا يعني أن تثور ثورة عشواء، أو تصبح المرأة -عفواً- سليطة اللسان، تقوم بتحركات غير مدروسة، لكنَّ أمراً ما، تصرفاً ما، حركة ما كانت لا بد أن تحدث لتصحح المسار.
لا نريد مناقشة التاريخ الطويل هذا، وليس التحليل بهذه البساطة والسهولة، ولا محاولات التصحيح أيضا، ما نريده هو ما يتعلق بواقعنا الذي تتكرر فيه السيناريوهات التاريخية في أحيان كثيرة، أحاول هنا أن أقتطع جزءاً مما حدث بالأمس، بالتحديد أحد أسباب ما كان يحدث، أزمة تحمُّل المسؤولية عند المرأة.
إن تعليق كل ما ينغص حياتها على آخرين، وتخرج هي البريئة، المظلومة، الضحية هي أزمة حقيقية، وأن نعتقد دوماً أن على الآخر أن يقدم ويسهل ويعطي لتنجح، وإذا اقترفت خطأ فالكل متهم وملوم إلا هي.
إذا أخفقت في حياتها الزوجية فالزوج هو السبب الوحيد، وإذا تعثرت في تربيتها لأبنائها، وأنتجت جيلاً لديه من السلبيات التي هي أكثر ما تتحدث عنها، كان الخطأ في (إن جيل الآن مش نافعين)، وكأن نيزكاً صدم الأرض وأثَّر في جينات هذا الجيل؛ ليخرج بالشكل الذي لا يروق للكثيرين، وكذا في ذنب العمة والحموات والأصدقاء والمعلم والمدير والشركة والقوانين والبلد وعادات المجتمع والحكومة والمؤامرات الدولية. فما عساها أن تفعل أمام كل هؤلاء الأعداء الظالمين؟!
تحمُّل المسؤولية لا يعني أن تتحملي النتائج والأرض مفروشة بالورود، بل فيما تفعلين وتتصرفين وتستجيبين عندما تكون هناك عوائق ومصدات ومزالق، إنه يكمن في مواجهة التحديات ومن أكبرها الأخطاء الذاتية، ونقاط الضعف، ويكمن في محاولات التقليل والتخفيف منها، وأحياناً القضاء عليها، ويعني أيضاً تقوية نقاط القوة فيما اكتسبته خلال القرن الأخير، الذي شهد خطاً بيانياً متصاعداً في مسار حياتها.
وكما أسلفنا يجب أن يكون التحرك بنفس سليمة من ردود الفعل اللامدروسة، وحوار هادئ خالٍ من الانتصار للأنا، وبروحية الهادف للإصلاح وتصحيح المسار، وبرؤية الناهض بواقع الإنسانية لا واقع المرأة فحسب.
بالأمس أغفلت المرأة أزمتها في المسؤولية، فحصدت اليوم عاقبة ذلك، ولو استمرت بهذا المسار، فإن مستقبلها سيكون حصاداً كما تقوم به اليوم، ولو توقفت الآن وواجهت أمرها وكفَّت عن إلقاء اللوم على مَن حولها وبادرت في تغيير إيجابي في حياتها وأسرتها ومجتمعها، ستكون بذلك قد امتنعت عن تمثيل دور الضحية في مسلسل الحياة، ولعبت دور البطولة مع غيرها؛ لبناء المستقبل ذلك الذي نريد جميعاً أن ننهض به.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.