يوم الإثنين الماضي، واجهت السلطات الجزائرية موقفاً محرجاً للغاية. فبعد ساعات من تزيين الشوارع بالأعلام الجزائرية والألمانية على طول الطريق المؤدي إلى المطار، اضطرت الحكومة إلى إلغاء مراسم استقبال الوفد الألماني، بعد أن أعلنت رئاسة الجمهورية تأجيل زيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في آخر لحظة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة قد ألغيت؛ نظراً لتعرض الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لالتهاب رئوي حاد.
في الواقع، تعد هذه الحادثة سابقة من نوعها؛ إذ إنه لم يسبق أن ألغيت زيارة رسمية في الجزائر بهذا الشكل. وإن دل ذلك عن شيء، فهو يؤكد أن الرئيس الجزائري، البالغ من العمر 79 سنة، يمر بحالة صحية حرجة.
منذ سنة 2005، انتشرت العديد من الشائعات حول إصابة بوتفليقة بمرض السرطان، وهو ما يفسر زياراته المتكررة إلى فرنسا قصد العلاج بالمستشفيات الفرنسية.
ومنذ عام 2013، أصبح الرئيس الجزائري يتنقل على كرسي متحرك عقب إصابته بجلطة دماغية، كما أصبح ظهوره للرأي العام نادراً للغاية.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2015، التقى وزير الخارجية الألماني السابق، فرانك فالتر شتاينماير، بوتفليقة، في الجزائر. وإثر اللقاء بين الطرفين، أفاد شتاينماير، متأثراً، "ينتابني إحساس بأن هذا اللقاء سيكون الأخير بيننا".
احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار
في الحقيقة، يشغل بوتفليقة منصب رئاسة الدولة منذ سنة 1999. وقد نجح الرئيس الجزائري في تحقيق الاستقرار وخلق الأمن بالبلاد بعد أن عاشت الجزائر في التسعينات حرباً أهلية، خلفت مئات الآلاف من الضحايا.
في المقابل، تعاني الجزائر مشاكل اقتصادية حادة، حيث أدى الانخفاض المستمر لأسعار النفط إلى تدهور الوضع الاقتصادي، علماً بأنها تعتبر دولة نفطية.
ومن ثم، اضطرت الحكومة الجزائرية إلى خفض الميزانية بشكل كبير، حيث بلغت الميزانية الجزائرية خلال سنة 2015 نحو 100 مليار دولار، لتتراجع في سنة 2017 إلى قرابة 63 مليار دولار. علاوة على ذلك، قامت الحكومة بتخفيض الدعم، في حين ارتفع الأداء على القيمة المضافة بنسبة 2%. وفي الأثناء، كانت الطبقة الفقيرة في الجزائر تعاني ارتفاع أسعار الخضراوات والغلال والأسماك والتبغ والوقود.
وتبعاً لذلك، تظاهر آلاف الجزائريين، مطلع السنة الحالية، في العديد من المدن؛ وذلك للتنديد بارتفاع الأسعار، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين المحتجين والقوات الأمنية.
ومثلما جرت العادة، وصف رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، الاحتجاجات بالمؤامرة الخارجية. وفي هذا الصدد، صرح سلال بأن "المحتجين أقلية تسعى إلى زعزعة استقرار الجزائر".
من الحاكم الفعلي في الجزائر؟
منذ الإعلان عن استقلال الجزائر سنة 1962، تقاسم كل من الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، وضباط سامون بالجيش الوطني، بدعم من رجال الأعمال الموالين للنظام، مقاليد الحكم في البلاد.
خلافاً لذلك، ومنذ الإعلان عن عجز الرئيس الجزائري الحالي عن تسيير دواليب الدولة، اختلفت الآراء حول هوية الحاكم الفعلي الذي يسن القرارات في ظل غياب بوتفليقة. والجدير بالذكر، أن الجزائر تعتبر، في الوقت الراهن، بمثابة الصندوق الأسود؛ نظراً لأن الجميع يجهل هوية من سيخلف الرئيس الحالي، إذا ما وافته المنية.
ومن جهة أخرى، يتمتع رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري، أحمد قايد صالح، بنفوذ واسع، خاصة أنه يعتبر من المقربين من الرئيس الجزائري. فضلاً عن ذلك، تكفل قايد صالح بتمثيل الرئيس العاجز في البعثات الخارجية. ومؤخراً، أدى قايد صالح زيارة رسمية إلى دبي، التقى خلالها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم الإمارة.
ومن المثير للاهتمام، أن قايد صالح، البالغ من العمر 77 سنة، قد التحق بصفوف المناضلين ضد المستعمر الفرنسي عن سن تناهز 17 سنة، ثم انضم إلى الجيش الجزائري وساهم في الحرب ضد الإسلاميين خلال التسعينات. علاوة على ذلك، يعتبر قايد صالح مستقلاً عن كل الانتماءات السياسية.
ونظراً للوضع الهش الذي تعيشه دول الجوار على غرار ليبيا والنيجر ومالي، يعد الاستقرار مطمح الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري. ففي الحقيقة، لا أحد يرغب في أن يتكرر السيناريو الدموي الذي عاشته البلاد خلال التسعينات.
صراع حول السلطة خلف الكواليس
من اللافت للنظر، أن شقيق الرئيس الجزائري، الذي يصغره بنحو عشرين سنة، سعيد بوتفليقة، الشخصية الأكثر غموضاً في الجزائر، كان يخطط منذ سنوات لتنصيب أحد الموالين له لخلافة الرئيس الجزائري الحالي.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي محاولة منه لاستعراض قوته ونفوذه، قام سعيد بمنع كل الراغبين في زيارة أخيه بالمستشفى في باريس، في سنة 2013، من مقابلته إلا بعد الحصول على موافقته، حتى إنه لم يسمح لرئيس الوزراء سلال بمقابلة الرئيس إلا بعد 46 يوماً. ويشاع أن سعيد متورط في قضايا رشوة وسط تكتم من القضاء الجزائري.
وفي الوقت الحالي، يدور صراع خفي، خلف الكواليس، بين شقيق الرئيس الجزائري والفريق قايد صالح حول اعتلاء السلطة. وفي هذا الإطار، روج قايد صالح للعديد من الشائعات حول إصابة شقيق الرئيس الجزائري بمرض خطير، فضلاً عن أنه قد يكون شاذاً جنسياً.
وفي ضوء هذه المعطيات، حذرت المعارضة الجزائرية من إمكانية قيام صالح بانقلاب على السلطة، على غرار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي -الذي قاد انقلاباً عسكرياً ضد محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وبالعودة إلى التاريخ الجزائري، فإن الجيش الجزائري كان دائماً ما يحسم المعركة لصالحه، علماً أن "الجزائر ملك للجيش وليس العكس".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Spiegel الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.