كشفت مصادر في المعارضة السورية، عن أن المساعدات العسكرية التي تُنسِّقها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للمعارضة في شمال غربي سوريا قد جُمِّدت بعد تعرُّض قوات المعارضة لهجومٍ كبير من "إسلاميين متشددين"، في يناير/كانون الثاني 2017.
وتلقى هذه الخطوة شكوكاً حول استمرار الدعم للمعارضة السورية من قبل الداعمين التقليديين، حسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
وقال مسؤولون في المعارضة السورية، إنَّهم لم يتلقّوا أي تفسيرٍ رسمي بشأن تلك الخطوة هذا الشهر، فبراير/شباط 2017، في أعقاب الهجوم الجهادي الذي نفذته جماعة فتح الشام التي كانت تسمى جبهة النصرة قبل أن تفك ارتباطها بالقاعدة.
وعلى الرغم من أنَّ العديدين قالوا إنَّهم يعتقدون أنَّ الهدف الرئيسي من وراء الخطوة هو منع وقوع الأسلحة والأموال في أيدي المُسلَّحين الإسلاميين، لكنَّهم قالوا إنَّهم يتوقعون أن يكون تجميد المساعدات أمراً مؤقتاً.
هل ترامب هو السبب؟
وقال مسؤولان أميركيان على اطِّلاعٍ على البرنامج الذي تقوده وكالة الاستخبارات المركزية إنَّ وقف المساعدات، التي تشمل رواتب، وتدريبات، وذخائر، وفي بعض الحالات صواريخ مُوجَّهة مضادة للدبابات، يأتي ردّاً على الهجمات الجهادية وليس مُتعلِّقاً بخلافة الرئيس ترامب لباراك أوباما، في يناير/كانون الثاني 2017.
ويعكس هذا التجميد المشكلات التي تواجه الجيش السوري الحر في الانتفاضة المستمرة منذ حوالي 6 سنوات ضد الأسد، الذي يبدو الآن حصيناً من الناحية العسكرية في معاقله الأساسية، ويعود الفضل في ذلك بالأساس إلى التدخُّل المباشر إلى جانبه من قِبَل كلٍّ من روسيا وإيران.
وقال مسؤولٌ في أحد فصائل الجيش السوري الحر المُتأثِّرة بالقرار: "الحقيقة هي أنَّ لديك تغيُّراتٍ في المنطقة، وهذه التغيُّرات لها حتماً تداعيات". وقال إنَّ أية مساعداتٍ عسكرية لا يمكنها "الدخول في الوقت الحاضر إلى أن يتم تنظيم الأمور. هنالك ترتيبٌ جديد، لكنَّ شيئاً لم يتبلور بعد".
ويقُدِّم هذا الدعم لفصائل ضمن الجيش السوري الحر، اختيرَت بعد التدقيق في ملفاتها من قبل البلدان المناهضة للأسد بينها دول إسلامية.
ويُعَد هذا الدعم واحداً ضمن قنوات مساعدات أجنبية عديدة للمعارضة. ولا تزال القنوات الأخرى مُستمرة في العمل.
ورفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على التقارير التي أفادت بتجميد الدعم، فيما قال مسؤولٌ من دولة عربية مناهضة للأسد إنَّ حكومة بلاده لم يكن لديها تعليقٌ على المسألة. وقال مسؤولون أتراك فقط إنَّهم ليس بإمكانهم مناقشة "تفاصيل عملياتية".
وأكَّدت وكالة رويترز للأنباء التجميد من خلال خمسة مسؤولين من فصائل الجيش السوري الحر، كانوا يتلقّون دعماً مالياً وعسكرياً مما يُسمَّى "غرفة عمليات MOM". وأُكِّد كذلك من جانب شخصيتين بارزتين آخريين في الجيش السوري الحر مُطَّلعيْن على المسألة.
وقد تحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هُويتهما بالنظر إلى الطبيعة السرية للبرنامج المدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وحساسية الموضوع.
واعتقد معارضون عديدون أنَّ وقف المساعدات كان مؤقتاً، وذلك في ظل وجود ترتيباتٍ جديدة مُتوقَّعة، لكن ليس هناك أي وضوحٍ حتى الآن.
وتأكيداً للتجميد، قال مصدران بارزان بالجيش السوري الحر، إنَّ الدول المانحة كانت ترمي إلى إرسال المساعدات إلى قوةٍ مقاتلةٍ واحدة ومُوحَّدة، ولكن هذه الوحدة المنشودة استعصى على المعارضة تحقيقها على مدار الحرب الأهلية السورية.
وقال أحد المسؤوليْن بالجيش السوري الحر، إنَّه لم يتوقَّع أن يتم التخلّي عن المعارضة باعتبارها تُمثِّل الأمل الأفضل لمنع مزيدٍ من التمدُّد للنفوذ الجهادي في سوريا، ولمواجهة الدور الإيراني المتزايد هناك.
المعارضة تتراجع
وتُعَد إدلب والمناطق المحيطة بمحافظات حلب، وحماة، واللاذقية من بين آخر مناطق الانتفاضة ضد الأسد غربي سوريا، وهي المنطقة التي دعَّم فيها الأخير حكمه من خلال الحفاظ على سيطرته على المدن الرئيسية والساحل فيها.
واعتُبِرَ الإسلاميون طويلاً هم الأقوى ضمن قوات المعارضة في منطقة إدلب شمال غربي البلاد، وذلك على الرغم من أنَّ دزينة أو أكثر من فصائل الجيش الحر التي دقَّقت الولايات المتحدة في ملفاتها قد عملت هي الأخرى فيها بجوار الإسلاميين.
وشنَّ متشددون هجوماً، في شهر يناير/كانون الثاني 2017، على فصائل الجيش الحر، نفذته مجموعة كانت تُعرَف سابقاً باسم "جبهة النُصرة"، وهي الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في الحرب السورية حتى عام 2016، والتي قطعت ارتباطاتها رسمياً بالقاعدة وأعادت تسمية نفسها بـ"جبهة فتح الشام".
ودفع الهجوم الجهادي عدداً من فصائل الجيش الحر للاندماج مع الفصيل الإسلامي القوي "أحرار الشام"، الذي يُعتقَد على نطاق واسع أنَّه مدعومٌ من جانب الدول المناهضة للأسد، الأجانب في المنطقة.
وسيدفع ذلك على الأرجح المانحين الأجانب إلى التوقُّف والتفكير؛ فأحرار الشام تتباعد عن فصائل الجيش الحر مدفوعةً بأيديولجيا إسلامية سُنّية قوية، وحاربت في السابق إلى جانب جبهة النصرة.
وقال مسؤولون أميركيون إنَّ المساعدات العسكرية لمجموعات المعارضة تأرجحت وتيرتها بين التراجع والتزايد على مدار عُمر البرنامج، إذ بقيت واشنطن وحلفاؤها يرقُبون عن كثب أي تسرُّب للمساعدات إلى فصائل أكثر تشدُّداً، وهو الأمر الذي وصفه أحد المسؤولين بأنَّه "مشكلةٌ دائمة".
سياسة ترامب ليست واضحة بعد
قبل تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنصبه، أشار إلى أنَّه قد يُنهي الدعم للجيش السوري الحر، ويمنح الأولوية للمعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يسيطر مُسلَّحوه بصورةٍ جيدة على مساحاتٍ واسعة من شرقي ووسط سوريا.
لكنَّ إدارة ترامب لم تُعلِن سياسةً واضحة تجاه سوريا والعراق بعد توليها السلطة، وذلك على الرغم من وعوده المُتكرِّرة بالقضاء على داعش، ولذا، كما يقول أحد المسؤولين الأميركيين، سار الأمر "على حاله" بالنسبة لبرامج الدعم العسكري والتدريبي السرية والعلنية.
ومع ذلك، تأمل بعض فصائل الجيش الحر أنَّ يؤدي عداء ترامب تجاه إيران إلى تعزيز الدعم الأميركي.
وقامت قوات فتح الشام بهذا الهجوم أثناء حضور مُمثِّلي الجيش السوري الحر بمحادثات السلام السورية، المدعومة من روسيا في كازاخستان، مُتَّهِمةً المعارضة بالتآمر مع موسكو وواشنطن ضدها.
وشنَّت الولايات المتحدة سلسلةً مُدمِّرة من الغارات الجوية ضد جبهة فتح الشام في إدلب هذا العام، 2017.
وتعرَّض المُعارِضون المدعومون من غرفة عمليات الموم لضربةٍ قوية، في ديسمبر/كانون الأول 1016، حينما طردتهم القوات الحكومية السورية من حلب الشرقية بمساعدةٍ حاسمة من سلاح الجو الروسي والميليشيات المدعومة من إيران. إذ كان يُنظَر إلى حلب الشرقية كمعقلٍ للجيش السوري الحر.
15 ألفاً من الجيش الحر
وقال مسؤولٌ بأحد فصائل الجيش الحر تلقَّى مساعداتٍ من غرفة عمليات الموم، إنَّ أيَّاً من المساعدات لم تصل هذا الشهر، فبراير/شباط 2017، "ولا توجد إشارات على أنَّها ستصل".
وأضاف آخر أنَّ اجتماعاً دورياً لغرفة عمليات الموم قد أُلغي هذا الشهر، فبراير/شباط 2017.
وقال: "أتوقع إجراء عملية إعادة تنظيم"، مُضيفاً أنَّه لا يزال هناك 15 ألف مقاتل تابع لفصائل الجيش السوري الحر في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد.
وقد نظَّم برنامجٌ مدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية المساعدات إلى المعارضة، بعد أن ساعدت فترةٌ من الدعم غير القائم على تدقيقٍ في ملفات الفصائل المختلفة خلال بدايات الحرب، وخصوصاً من دول الخليج، على بروز مجموعةٍ من جماعات المعارضة التي يتَّبع العديد منها أيديولوجية إسلامية قوية.
ويتواصل العمل ببرنامجٍ مماثل جنوبي سوريا بدعمٍ أردني. وتواصل بعض فصائل الجيش الحر، المدعومة من غرفة عمليات الموم في الشمال تلقّي دعم تركي لمشاركتها في عملية "درع الفرات"، التي تقودها تركيا ضد داعش والتنظيمات الكردية إلى الشمال الشرقي من حلب.
واشتكت فصائل بالجيش السوري الحر طويلاً من أنَّ المساعدات المُقدَّمة لا تُغطِّي كافة احتياجاتها لمواجهة الجيش السوري الأفضل تسليحاً. وقُوبِلت مطالبهم بالحصول على صواريخ مضادة للطائرات بالرفض دوماً.
وقال مسؤولون بالاستخبارات والجيش الأميركي، إنَّ تسريب، وبيع، والاستيلاء على المساعدات الأميركية وأسلحة الجيش الحر الأخرى لمصلحة داعش، وجبهة النُّصرة، وغيرها من الجماعات المُتشدِّدة المُنشقَّة مثَّلت مبعث قلقٍ منذ بدأت وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي تسليح وتدريب عددٍ محدود من مقاتلي المعارضة.
فمنذ البداية، كما قال أحد المسؤولين، غادر بعض مقاتلي المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة مجموعاتهم التي سحقتها القوات الحكومية السورية إلى مجموعاتٍ أخرى، مثل داعش الذي كان يُحاصر ويسيطر على مناطق في ذلك الوقت.
وتباطأت المساعدات أو توقَّفت في إدلب والمناطق المجاورة لها، وسط مخاوف من استمرار ذلك النهج (أي مغادرة المقاتلين للجماعات المدعومة من الولايات المتحدة إلى الجماعات المتطرفة الأخرى)، بعد تراجع قوة وتقدُّم المعارضة هناك، كما قال مسؤولون أميركيون.
غير أن مسؤولاً أميركياً آخر قال إنَّ فصائل الجيش الحر تواصل تشكيلها لتهديداتٍ كبيرة للأسد، فرغم الانتكاسات وعدم الحصول على مساعدة في مقاومة الهجمة الروسية الوحشية، الحقيقة هي أنَّهم لا يزالون قوةً قتالية حيوية.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.