العالم مقبلٌ على دخول "عصر ما بعد الغرب"، مع ضمور تأثير أوروبا واضمحلال نفوذ الولايات المتحدة، ما سيمكن دولاً أخرى منها روسيا، من تشكيل نظام عالمي جديد، حسب تقرير أمني رفيع رصدته الإندبندنت البريطانية.
فقد قال فولفغانغ إيشينغر، رئيس مؤتمر ميونيخ الأمني، إن استفتاء بريكسيت وانتخاب دونالد ترامب أدَّيا إلى زعزعة دعائم مؤسسات دولية كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف الناتو، ما أصاب هذه المؤسسات بهشاشة وضعف.
أقوال إيشينغر هذه المنشورة في تقرير سنوي تأتي بعد 12 شهراً عاصفة شهدت صعود الشعوبية في أوروبا والولايات المتحدة، وزيادة تأييدها لغلق الحدود والتعصب الوطني.
وقال الدبلوماسي السابق "لقد سمح النظام الدولي الليبرالي -بالنظر إلى الإطار الأكبر للأمور- بإحلالِ عصرٍ مميز من السلام والتطور الاقتصادي".
عالم ما بعد النظام
بيد أنه أضاف أن المرجح للولايات المتحدة تحولُها "من مزودة للبضائع العامة والأمن الدولي إلى السعي وراء سياسة خارجية أحادية، بل وربما وطنية".
وأكمل قائلاً إن بيئة الأمن الدولي "بات يمكن القول إنها صارت اليوم أكثر هشاشة من أي زمن مضى منذ الحرب العالمية الثانية"، محذراً من أن إدارة البيت الأبيض الجديدة قد يكون لها دور محفز "لعالم ما بعد النظام".
وقال "لعلنا إذاً نوشك أن ندخل عصر ما بعد الغرب، وهو عصر يأخذ فيه لاعبون غير غربيين في تشكيل الشؤون الدولية، إما على التوازي مع أطر العمل متعددة الأطراف نفسها التي كانت حجر أساس النظام العالمي الليبرالي منذ 1945، وإما بشكل يتهدد هذه الأطر نفسها".
تأتي هذه التصريحات في تقرير نشر قبل أيام فقط من انعقاد مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي، الذي يجمع خبراء أمنيين ورائدين في الدفاع من مختلف بقاع العالم.
والعامَ سيَحضُرُ المؤتمرَ كلٌّ من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس مع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، كذلك من بين الحضور سيكون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، والأمين العام لحلف الناتو يانس ستولتنبيرغ، ناهيك عن أكثر من 30 رئيس دولة.
وقال السفير المتقاعد إيشينغر "إن بعض أهم أعمدة الغرب والنظام العالمي الليبرالي تضعف، وأعداء المجتمعات المنفتحة اتخذوا وضعية الهجوم. لقد أثبتت الديمقراطيات الليبرالية أنها عرضة سهلة لحملات المعلومات الزائفة في سياسات "ما بعد الحقيقة" الدولية".
وقال أيضاً "بات إيمان مواطني الديمقراطيات أضعف وأضعف، بقدرة أنظمتهم على تحقيق نتائج إيجابية لهم، كما باتوا أيضاً يفضلون الحلول الوطنية وإغلاق الحدود على العولمة والانفتاح".
ويضيف "أما الأنظمة غير الليبرالية من الجهة الأخرى فتبدو ثابتة الأقدام واثقة الخطى، فيما إرادة وقدرة الديمقراطيات الغربية على صياغة الشؤون الدولية وعلى الدفاع عن النظام الليبرالي القائم على القانون في تراجع".
ضعف النظام الليبرالي
كما أضاف أيضاً أن فشل قادة الغرب في الاستجابة للقتال الدائر في سوريا وأوكرانيا كشف الضعف في مقدرة النظام العالمي الليبرالي التقليدي على مجابهة وحل الأزمات العالمية.
التراخي والكُمون الذي أصاب الغرب خلق فراغاً سارعت دول أخرى إلى ملئه منها روسيا وإيران.
ويذكر التقرير "في حين أكْثَرَ المسؤولون الغربيون من تكرار القول إنه "لا حل عسكرياً" للحرب في سوريا، اندفعت روسيا وحلفاؤها في ذاك الاتجاه ويبدو أنها نجحت".
ويقول التقرير أيضاً إن الحركات الشعوبية تتغذى على الفراغ في القيادة السياسية، حيث باتت المجموعات تتبادل التكتيكات وتتعاون بشكل متزايد عبر الحدود لتحقيق أقصى نفوذ لها.
ويلمح التقرير إلى أن الدول الغربية نفسها هي الملومة بشكل جزئي، لأنها نفَّذت تغييرات اقتصادية ومجتمعية جذرية شاملة في وقت قصير أسرع من اللازم.
ويتساءل إيشينغر في الختام "هل ستكون سمة هذا العصر الجديد توترات أكبر مرة أخرى، وربما يحدث صراعات مباشر بين قوى العالم الكبرى، التي ليس أقلها بين الصين والولايات المتحدة؟ هل نحن أمام عالم "ما بعد النظام" الذي فيه تضمحل عناصر النظام الدولي الليبرالي بسبب غياب من يحميها؟ هذا ما سيكتشفه العالم قريباً".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.