كان اللقاء الثنائي الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو مرتقباً بمزيد من الإثارة، فالأخير يصف نفسه بأنه من أنصار الحركة النسوية، كما رحب بأكثر من 40 ألف لاجئ سوري في بلاده، أما الأول وعلى الجهة المقابلة فقد تباهى ذات مرة بتحرشه بالنساء، وهو كذلك الذي سعى لحظر تدفق المهاجرين إلى بلاده.
الأنظار كانت مسلطة على ترودو في لقائه بترامب أمس الإثنين 13 فبراير/شباط الجاري، يحدوها الأمل في أن يقف أمامه وقفة مبدأ، بيد أن الآمال خابت في هذا اللقاء الذي جمع الرئيس الجديد الأميركي برئيس الوزراء الكندي، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ففي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقد أمام مجموعة من الصحفيين، وقف ترامب بكل صلابة وصراحة مجدداً دفاعه عن سياسته المثيرة للجدل التي تحظر الهجرة، دون أي تنازل أو لين في موقفه، فيما وقف ترودو إلى جانبه مخاطباً الصحفيين قائلاً "إن آخر ما يتوقعه الكنديون مني هو أن آتي لألقي على مسامع دولة أخرى محاضرات في خياراتها لإدارة وحكم نفسها".
ومضى ترودو يقول "إن دوري ومسؤوليتنا تكمن في الاستمرار بالإدارة بطريقة تعكس أسلوب الكنديين، وتقدم مثالاً إيجابياً للعالم".
الاقتصاد أهم
ومع أن البعض كانوا يتمنون لو يتمسك ترودو بالمبادئ السامية إزاء حظر ترامب للهجرة، أو معاداته غير الرسمية للنساء التي يبديها بين حين وآخر، أو في وجه لهجة خطابه الموجه لدول حليفة مثل المكسيك، إلا أن لقاء الإثنين لم يركز سوى على الواقع الاقتصادي البارد.
منذ تنصيب ترامب والمسؤولون الكنديون دائبون على تحيُّن كل فرصة للإشارة إلى النمو الاقتصادي، وإلى ملايين فرص الوظائف التي تعتمد على التجارة عبر حدود البلدين.
في نطاق الواقع السياسي يبدو أن التكتيك نجح، فقد أثنى ترامب على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وألمح تلميحاً خفيفاً إلى التباين في دفء العلاقات مع كندا مقابل الأزمة الدبلوماسية الملتهبة مع المكسيك. حيث قال ترامب "لدينا علاقة تجارية متميزة جداً مع كندا، سوف نجدد فيها. إنه وضع أخف وطأة بكثير من ذاك الذي يجري على الحدود الجنوبية، فعلى الحدود الجنوبية ظلَّ سير العملية الثنائية لسنوات وسنوات غير عادل مع الولايات المتحدة".
ومنذ المفاجأة التي حققها ترامب بفوزه في الانتخابات الرئاسية، نأى ترودو بنفسه على الدوام عن انتقاد الرئيس بشكل مباشر؛ في الشهر الماضي حينما سأله صحفيون إن كان يرى في ترامب شخصاً معادياً للنساء أجاب "ليست وظيفة رئيس الوزراء الكندي أن يدلي بآراء حول العملية الانتخابية الأميركية".
ويشير الخبراء والمحللون إلى أن الاقتصاد الكندي هو التفسير لعزوف ترودو عن تسديد سهام انتقاده لترامب، فثلاثة أرباع صادرات كندا تذهب إلى الولايات المتحدة، كما أن نحو 2.5 مليون من الوظائف وفرص العمل الكندية تعتمد على التجارة الأميركية.
وسيلة أخرى
بيد أن ترودو بدلاً من ذلك تبنى وسائل أكثر حذقاً وحصافة لإبراز الاختلافات بين واشنطن وأوتاوا، فوسط الفوضى والبلبلة التي خلقها حظر ترامب للهجرة، أطلق ترودو تغريدة على تويتر لبيان موقف كندا الواضح، معبراً عن جاهزية بلاده للترحيب بأولئك "الفارين من الاضطهاد والإرهاب والحرب… بغض النظر عن دينهم".
#BienvenueAuCanada pic.twitter.com/rUhrIXiFcR
— Justin Trudeau (@JustinTrudeau) 28 January 2017
كذلك أظهرت تغريدة أخرى بكل بساطة ترحيب رئيس الوزراء بلاجئة سورية في مطار تورونتو، تضمنت الوسم #BienvenueAuCanada أهلاً وسهلاً بكم في كندا.
كذلك قدمت زيارة أمس الإثنين تناقضاً حينما تحالف ترودو مع ترامب لإطلاق مجلس يُعنى بتحسين فرص النساء في سوق العمل، فالمعروف عن ترودو أن توازن تمثيل الجنسين في حكومته قد تصدر عناوين الأخبار في العالم.
ورغم أن مصدر الفكرة كان منبعه أصلاً من مكتب ترودو، إلا أن المساواة بين الجنسين أُظهِرت لتبدو مساحة اهتمام مشترك بين البلدين، مع أن ترامب لم يرشح سوى 4 نساء لمناصب إدارية رفيعة في حكومته. جدير بالذكر أيضاً أن أحد أول أوامر ترامب التي أصدرها كان منع المؤسسات غير الحكومية من تقديم خدمات الإجهاض، أو من تقديم معلومات حول الإجهاض في حال كانت هذه المؤسسات ممولة من قبل الحكومة الأميركية.
فقد قال ترامب "كل ما أود قوله يا معالي رئيس الوزراء هو أنني أركز وأنكم تركزون على الدور الهام الذي تضطلع به النساء في اقتصادَيْنا،" مع أن ترامب كان عام 2005 قال لصحفي إنه لا يغير حفاضات الأطفال، وتابع "علينا العمل لإيجاد حلول للعقبات التي تواجهها النساء وسيدات الأعمال، ومنها إتاحة رؤوس الأموال والأسواق لهن، والأهم أكثر إتاحة الشبكات لهن".
وقد أشار العديد من المراقبين إلى اختلافات أخرى بدت أثناء زيارة الإثنين بشكل خفي، فقد تحدث الكثيرون عن المصافحة الأولى بين القائدين، التي عمد فيها رئيس الوزراء الكندي إلى الثبات في مكانه، فيما بدا ترامب يحاول سحب رئيس الوزراء نحوه.
كما أشار آخرون إلى استخدام ترودو اللغة الفرنسية في المؤتمر الصحفي، فالمعروف أن ترامب لا يتحدث أي لغة أجنبية.
كما عمد ترودو أثناء المؤتمر الصحفي إلى الإشارة إلى عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين جيء بهم إلى كندا في العام الماضي ونحوه، من دون أي إخلال أو مساس بأمن البلاد.
وقال ترودو في إحدى اللحظات بالمؤتمر "العلاقة بين الجيران تكون معقدة، ولن نتفق دوماً على كل شيء".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.