المغرب يعود رسمياً إلى أحضان الاتحاد الإفريقي.. هكذا انتصرت دبلوماسية محمد السادس على الأوراق الأخيرة لمعارضيه

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/30 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/30 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش

تمكن المغرب الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2017 من العودة إلى شغل مقعده داخل الاتحاد الإفريقي بعد عقود من تركه، احتجاجا على قبول عضوية البوليساريو داخلها سنة 1984.

وكانت العبض من الدول الأعضاء في الإتحاد الإفريقي قد وقّعت رسالة طالبت من خلالها الجهات المسؤولة بأن تكون عودة المغرب إلى رحاب الاتحاد الإفريقي مرفقة "باستشارة قانونية" مسبقة. وأمام هذا المطلب، كثف ملك المغرب من لقاءاته في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا.

ويبقى السؤال المطروح كيف عاد المغرب من جديد إلى الاتحاد الإفريقي، ما هي المراحل والعراقل التي مر منها، وكيف واجهها؟

جزء من الجواب على هذا السؤال تتضمنه سنوات حكم الملك محمد السادس، والذي تولى العرش بعد وفاة والده الحسن الثاني عام 1999، حيث اعتمد دبلوماسية هادئة سماها "جنوب- جنوب"، قام من خلالها بالتوجه أكثر نحو إفريقيا، اقتصادياً وروحياً واجتماعياً.

وتمكن المغرب، بذلك، من كسب أصدقاء وحلفاء جدد يساعدونه الآن على العودة إلى المنظمة التي تركها أبوه احتجاحاً على قبولها عضوية "الجمهورية الصحراوية" قبل عقود.

قمة الاتحاد الإفريقي


وعلى غير المتوقع، بدا أن الوضع لا يجري على ما يرام خلال ظهر اليوم الأول من القمة الإفريقية الثامنة والعشرين الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2017.

وفي مطلع نهاية الأسبوع الماضي، وصل الكثير من القادة الأفارقة إلى العاصمة الإثيوبية؛ للمشاركة في القمة التي تنعقد تحت شعار "تسخير العائد الديموغرافي من خلال الاستثمار في الشباب".

المغرب: السؤال الملح


وفي انتظار انطلاق فعاليات القمة، عُقدت دورة أولى يوم الأحد 29 يناير في مقر المنظمة؛ لمناقشة تقرير الرئيس الرواندي، بول كاغامي، المتعلق بمشروع إصلاح منظمة الاتحاد الإفريقي.

وحسبما ورد في الوثيقة، التي تمكنت صحيفة لوموند من الاطلاع عليها، فقد تبين أن الإصلاحات المقترحة على دول وحكومات الاتحاد الإفريقي تتمحور بالأساس حول الهيكلة الجديدة للهيئة واختصاصاتها.

وخلال هذه الجلسة، كانت القضية الأكثر إثارة للجدل تتمحور حول طلب عودة المملكة المغربية إلى رحاب الاتحاد الإفريقي التي يتم تدارسها الآن. في المقابل، ووراء الكواليس استمرت المواجهة بين مؤيدي عودة المغرب، وبصفة فورية، إلى صلب الإتحاد ومعارضي هذا الإجراء.

وفي هذا الصدد، تقدمت في يوليو/تموز الماضي، المملكة المغربية بطلب العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي التي غادرتها خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1984.

وفي ذلك الوقت، كان هذا التنظيم الإفريقي يحمل اسم منظمة الوحدة الإفريقية، وقد انسحب المغرب منه؛ إثر احتجاج ملكه على الاعتراف بما يُسمى "الجمهورية العربية الصحراوية"، الاسم الذي تطلقه جبهة البوليساريو المسلحة المطالبة باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، من قِبل منظمة الوحدة الإفريقية.

استمرار المقاومة


في يوليو 2016، وافقت نحو 28 دولة على عودة المغرب إلى المنظمة الإفريقية. وفي يوم الأحد 29 يناير 2017، أكد مسؤول مغربي، حسبما ورد عن وكالة فرانس برس، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أنه إلى حد الآن وافقت 42 دولة على القرار نفسه.

خلافاً لذلك، وخلف الكواليس، استمرت محاولات التصدي لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي مستمرة، خاصة بقيادة الجزائر، الجار المنافس الذي يتمتع بمكانة مرموقة داخل منظمة الاتحاد الإفريقي.

وفي هذا السياق، أفاد أحد المراقبين غير الحكوميين حينها بأنه "مجرد تصويت، وفي اليوم الموالي، سيجدّ نقاش بين رؤساء الدول حول هذا الموضوع. ومن الواضح أن بعض الجوانب التي تستحق الإيضاح تختفي وراء طلب المناقشة".

ويذكر أنه منذ أشهر، أدانت المملكة المغربية محاولات تأخير إجراءات قبولها وعودتها إلى الاتحاد الإفريقي، مخاطبة بشكل خاص رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي المنتهية ولايتها، دلاميني زوما، والجزائر.

وعموماً، يعتبر هذان الطرفان أول معارضي المملكة المغربية بخصوص سياستها المتعلقة بالصحراء الغربية.

وفي مقابلة له مع المجلة الأسبوعية المغربية "تيل كيل" يوم الأحد، أكد جاكوب اينوه ايبين، المتحدث باسم رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، دلاميني زوما، أنه "بالتأكيد، سيكون هناك أغلبية تؤيد عودة المغرب، إلى جانب أقلية ستطالب بأن تحل مشكلة (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية) وستصر على ذلك. ويمكن أن تعلن هذه المجموعة الأخيرة أيضاً تشكيل لجنة لدعم القرارات الرامية إلى فض هذه المسألة".

اللعب على عامل الوقت


وحسب مصادر أخرى، وقعت نحو 10 دول أعضاء رسالة تطلب فيها أن يكون قرار عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي مبنياً على "استشارة قانونية" مسبقة.

وحسب مراقب مستقل، فإن "مؤيدي قرار عودة المغرب كانوا مدركين جيداً لاستغلال معارضي هذا القرار ومراهنتهم على عامل الوقت؛ لتأخير انضمام المغرب إلى الاتحاد. لنضع مسألة التنافس بين الدول جانباً، إن إعادة دمج المغرب في الاتحاد الإفريقي تطرح العديد من الأسئلة في صلب المنظمة".

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يرفض الاعتراف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، معتبراً أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أراضيه.

ومن جهة أخرى، يؤكد قادة البوليساريو أهمية وجود "دولتهم"، باعتبارها "آخر المستعمرات في القارة الإفريقية، في صلب مؤسسة إفريقية، هدفها الأساسي تحرير القارة".

وأمام هذه المقاومة، يتحرك المغرب بخطى ناشطة، حيث اتجه الملك محمد السادس، رفقة وفد قوي، إلى العاصمة الإثيوبية الجمعة 27 يناير.

ومنذ هذا التاريخ، كثف الملك المغربي اللقاءات الفردية مع رؤساء الدول الإفريقية، كما نظم مأدبة عشاء مساء يوم الأحد؛ تكريماً لجميع الوفود الحاضرة في القمة.

غير أن تحركات محمد السادس لم تكن في هذا التاريخ فقط؛ بل اعتمد منذ سنوات دبلوماسية هادئة للانغماس في إفريقيا بدأت تعطي فعلاً ثمارها، حيث أعربت 42 دولة من أصل 55، دعمها لطلب المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي.

دبلوماسية جديدة متعددة الأوجه


عندما تولى محمد السادس السلطة سنة 1999، أدرك بسرعة طبيعة المأزق الذي وقعت فيه المملكة المغربية، حيث إن الخطة التي اقترحها وزير الخارجية الأميركية السابق، جيمس بيكر، لتسوية النزاع في الصحراء الغربية رمت بالمغرب عرض الحائط، فضلاً عن كل الدولة التي تربطها علاقات سرية بالرباط.

وحسب ما نشره موقع "موند أفريك" الفرنسي المتخصص في الشأن الإفريقي، فإن محمد السادس أدرك، بسرعة، ضرورة الأخذ بزمام المبادرة لإرجاع المياه إلى مجاريها، حيث سعى إلى تكثيف رحلاته إلى جنوب الصحراء الكبرى، كما بادر بزيارة أكثر من 24 بلداً، خلال 50 رحلة نظّمها إلى هذه المنطقة؛ من أجل الكشف عن مدى تأثير الدبلوماسية الجزائرية عليهم.

من جهة أخرى، سعى العاهل المغربي، خلال هذه الرحلات، إلى توسيع قُطر الاقتصاد المغربي، ونشر قيمه الروحية والدينية، وتبادل الخبرات الأمنية.

فمن الناحية الاقتصادية، اتبع المغرب سياسة استشرافية لها أبعاد طويلة المدى، من خلال تركيز العديد من البنوك، وشركات التأمين والعقارات المغربية في إفريقيا.

ومن الناحية الروحية، سعى العاهل المغربي إلى تدريب الوعاظ والدعاة الأفارقة؛ من أجل الترويج لقيم الإسلام المتسامحة.

أما على الصعيد الإنساني، فقد نقلت العديد من الطائرات المغربية مئات الأطنان من المساعدات، كما حرص العاهل المغربي على إنشاء العديد من المستشفيات الميدانية. وفي هذا السياق، يمكن أن نستخلص الدبلوماسية الجديدة المتعددة الأوجه التي تبناها الملك محمد السادس والتي تتسم بطابع انفتاحي وهجومي في الوقت نفسه.

التحديات


لن تكون عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سهلة، فعلى الرغم من أن المملكة لن ترضى بالاعتراف بوجود جمهورية صحراوية، فإنها مجبَرة على التعامل معها. وفي الوقت الراهن، ستبقى القضية التي ما زالت تثير قلق الدبلوماسية المغربية، في كنف الصمت.

وبما أن المغرب سيجلس في المحافل الإفريقية جنباً إلى جنب مع البوليساريو، فلا أحد سوف يمنع هذه الأخيرة من الحصول على مقعد بمنظمة الأمم المتحدة وفي العديد من المنظمات الدولية الأخرى، كدولة مستقلة.
وقد رفضت الرباط دائماً، بشكل قاطع، الجلوس جنباً إلى جنب مع ما تعتبره "الدولة الشبح، التي ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع". فضلاً عن ذلك، اعتبر المجتمع المغربي، على غرار الحسن الثاني، أن قرار ،1984 القاضي بإعلان دولة مستقلة في الصحراء، يعدّ أمراً مهيناً وغير مقبول.

لكن مع ذلك، فإنه يبدو أن محمد السادس قد طوى فعلاً على مدرج مطار الدار البيضاء 27 يناير 33 صفحة من التاريخ المعاصر للمملكة المغربية، حينما استقل الطائرة إلى أديس بابا للمشاركة في القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي.

وتجدر الإشارة إلى أن ذلك يمثل تحدياً بالنسبة للمملكة المغربية، التي ينبغي أن تزيد من جهودها لمواصلة مسيرتها التي بدأتها، خاصة أن ما يحدث هو مجرد بداية لحربها الدبلوماسية مع الجزائر، الراعية الأساسية للبوليساريو.

تحميل المزيد