منذ بث التلفزيون المصري، الإثنين الماضي "فيديو" للباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، تتصاعد الشكوك والتكهنات بشأن احتمال قرب معرفة الجاني في قضية اختفاء ريجيني (26 عاماً) داخل القاهرة، يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2016، ثم العثور على جثته خارج العاصمة في فبراير/ شباط من العام نفسه، وبها آثار تعذيب.
واعتبر حقوقيان وخبير إعلامي مصريون أن بث "الفيديو" في مصر "مجتزأ"، بما يوحي بأن ريجيني كان "جاسوساً"، يعني على ما يبدو أن العام الجاري سيشهد نهاية القضية، لاسيما في ظل بث الفيديو "كاملاً" في إيطاليا، التي يتردد في وسائل إعلامها أن أجهزة أمنية مصرية ضالعة في الجريمة، وهو ما تنفيه القاهرة.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2015، تواجد ريجيني، طالب الدكتوراه بجامعة كامبريدج، في مصر، لتحضير أطروحته للدكتوراه حول الاقتصاد المصري، كما كان يجري أحد أبحاثه عن أوضاع الباعة الجائلين في مصر.
وفي الفيديو، الذي جرى تسجيله قبل مقتل الباحث الإيطالي وبثه التلفزيون المصري، يظهر ريجيني وهو يطلب من نقيب للباعة الجائلين (غير حكومي) في القاهرة، يدعى محمد عبدالله طرح أفكار، فيما طلب منه الأخير مالاً لإجراء عملية جراحية لزوجته، فرفض الشاب الإيطالي، مشدداً على أن المال الذي بحوزته يخص المؤسسة البريطانية (لم يسمها)، التي يعمل معها.
وبينما لم يكشف التلفزيون المصري عن مصدر هذا الفيديو، الذي قال إن القاهرة سلمته لروما في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت النيابة العامة الإيطالية، بُعيد بث الفيديو في مصر الإثنين الماضي، أن محققين إيطاليين يعتقدون أن الشرطة المصرية ضالعة في تصويره بمعدات متوفرة لديها؛ ما يدل على وجود اتفاق بين الشرطة والبائع المتجول، الذي أبلغ الأمن عن ريجيني، على حد قولها.
آخر أداة مصرية
المفوضية المصرية للحقوق والحريات (غير حكومية) في القاهرة، التي تعمل مستشارة لأسرة ريجيني، لم تعلق رسمياً على الفيديو.
غير أن المحامي المسؤول عن الاختفاء القسري في المفوضية، حليم حنيش، أعرب عن اعتقاده بأن "هذا الفيديو" يقرب من مشهد النهاية في قضية ريجيني. هذا الفيديو هو آخر أدوات السلطة المصرية للدفاع عن نفسها في مواجهة اتهامات الإعلام الإيطالي.
حنيش، المتابع لتطورات قضية ريجيني، قارن بين بث التلفزيون المصري الفيديو "مجتزأً وخاضعاً للمونتاج"، وبين بثه في وسائل الإعلام الإيطالية "كاملاً"، على حد قوله.
المحامي المصري اعتبر أن "هذا التدخل بالمونتاج في فيديو التلفزيون المصري يفيد بأن مصر تريد أن تؤيد وجهة نظرها بهذا المقطع (الذي جرى بثه)، لتشويه الباحث الإيطالي. فهو يلمح إلى كونه جاسوساً، حيث إن تصريحات (سابقة) لمحمد عبدالله (نقيب الباعة الجائلين) حملت الاتهام ذاته".
وحول ردِّ الفعل الإيطالي المتوقع بشأن ما بثَّه التلفزيون المصري، قال حنيش إن "الفيديو سيكون ضمن تركيز الجانب الإيطالي الأيام المقبلة، ولاسيما في أوساط الرأي العام، وربما نراهم يقدمون أدلة غير مباشرة تكشف عن قَتَلة ريجيني".
حقائق جديدة
متفقاً مع المحامي الحقوقي المصري، قال الباحث المصري الحقوقي، أحمد مفرح، إن هذا الفيديو "سيثير حقائق جديدة حول نهاية ريجيني".
مفرح تابع أن "الفيديو سيدفع فيما يبدو سلطات التحقيق الإيطالية إلى البحث بشكل أكبر عن القاتل، أو الجهة القاتلة وعلاقتها بالأجهزة الأمنية المصرية التي تواجه من آن إلى آخر اتهامات بقتل الشاب الإيطالي".
وبالنسبة له فإن "الجانب المصري بنشره لفيديو خاضع للمونتاج كان يريد توصيل رسالة، مفادها أن ريجيني كان جاسوساً، لكن الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام الإيطالية كشف عكس ذلك، وهذا يعطي دلالة واضحة عن تشكك جهات التحقيق الإيطالية من الرواية المصرية حول الجريمة".
تساؤلات كثيرة
بث هذا الفيديو في الإعلام المصري بعد عام من مقتل ريجيني يُثير -وفق صفوت العالم أستاذ الإعلام المصري- تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، فـ"التدخل الانتقائي في مادة الفيديو يثير شكوكاً ستُعجل أكثر بمعرفة الحقيقة".
العالم، أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بجامعة القاهرة، تساءل: "لماذا ظهر هذا الفيديو في هذا التوقيت؟ وهل بث الفيديو في الإعلام يسبق الإعلان عن دليل دامغ في القضية أم أن له دلالات أخرى؟".
وحول محاولات إعلامية في البلدين لفرض وجهة نظر إما مصرية بأن ريجيني كان جاسوساً، أو إيطالية بأن الشرطة المصرية قتلته، رأى الأكاديمي المصري أن "أي محاولة للحصول على دلائل بالنشر الإعلامي من السهل دحضها؛ لأن الدليل المرئي هذا ليس دليلاً جنائياً مرتبطاً بجريمة القتل، ولا بد من شفافية أكثر".
"تعنُّت" إيطالي
مقابل تصاعد الشكوك في إيطاليا، ذهب طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، إلى أن الفيديو "يمثل الخطوة الأخيرة، وعلى الجانب الإيطالي أن يقتنع بها، لكن يبدو أنه لا يزال بصورة أو بأخرى يبدي تحفظات على ما تقدمه مصر".
فهمى تابع بقوله، إن "مصر قدَّمت كل ما لديها من معلومات في التعامل مع المطالب الإيطالية، لكن هناك تعنت وتربص بمصر، رغم كل الاتصالات واللقاءات التي تمت في القاهرة وروما".
وفي أكثر من مناسبة، اتهمت السلطات الإيطالية نظيرتها المصرية بعدم التعاون، ورغم نفي مصر، فقد استدعت روما سفيرها من القاهرة، في أبريل/ نيسان الماضي، للتشاور معه حول القضية، ولم ترسل سفيراً جديداً حتى الآن.
وبشأن التداعيات المحتملة لبث التلفزيون المصري للفيديو على العلاقات بين البلدين، قال الأكاديمي المصري: "القاهرة في تقديري ليس لديها ما تخفيه في هذا الملف. مصر طرحت كل السيناريوهات، لكن الجانب الإيطالي غير مقتنع. من مصلحة البلدين تحسين العلاقات، وهذا يحتاج وقتاً لإعادة بناء الثقة".