تظهر الروايات التسع الأبرز، التي استلهمت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في مصر خلال الأعوام الستة المنقضية، تمسكها بالأمل وإيمانها بالنصر الحتمي رغم الأزمات.
وبين أهم الروايات وأشهرها وهي: "باب الخروج" الصادرة عام 2011 للروائي والدبلوماسي المصري عز الدين شكري فشير، إلى الأحدث وهي "حافة الكوثر" للشاعر والصحفي علي عطا الصادرة الشهر الجاري، تتفاوت النظرة بين عالمين.
من الأولى المتضمنة نبوءات لأحداث مستقبلية تحقق قسم كبير منها، المرتدية ثوب الجدية والواقعية القاسية، إلى الثانية المعتمدة على قصِّ تاريخ يشبه السيرة الذاتية لصحفي مختص بالشأن الثقافي عايش الثورة وأحداثها، حتى قادته للحلول نزيلاً في مصحة "الكوثر" للمرضى النفسيين ومدمني المخدرات من الرجال والنساء.
وفيما يلي نستعرض كيف حكت أبرز هذه الروايات التسع عن الثورة، وتنبأت بمآلاتها بطريقتها الخاصة.
باب الخروج
الروائي عز الدين شكري فشير، الذي اعتبرته نسبة كبيرة من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي "نوستراداموس الثورة" (في إشارة إلى المنجم الفرنسي الشهير ميشيل دي نوسترادام 1503 – 1566)، تتلخص روايته "باب الخروج" فى رسالة يكتبها أب لابنه المقيم فى إنكلترا، بعد أن هرب مع والدته أثناء أحداث الثورة المصرية الثانية، غير السلمية هذه المرة، ورفض الأب الهرب معهما لأنه كان يعمل بمؤسسة الرئاسة كسكرتير للمعلومات، أي أن وضعه كان يجعله يعلم كل صغيرة، وأغلب ما يتاح من المعلومات الكبيرة.
يرسل الأب رسالته ليعطي ابنه خلفية خبرية عما يحدث فى كواليس الحياة المصرية، فيخلص إلى سيناريو بسيط قد يكون في أغلبه قريباً من الواقع المصري اليوم، وهو أنه "احتلت إسرائيل شرق سيناء بعد أن ضاقت ذرعاً بفشل الجيش المصري في التعامل مع من يصفهم بـ"الجهاديين، الذين تعاونهم فصائل فلسطينية تهرب إليهم السلاح لتوجيهه ضد الجيش المصري وقوات الحدود الإسرائيلية".
ليس هذا فحسب، فقد "ضاق الشعب بالحكومات المتتالية التي لم تنهض بالبلد، بل وسمحت بعودة رموز النظام القديم لمراكز السلطة، وسادت الفوضى وتشكلت قوات شرطة شعبية من الأولتراس والإخوان والسلفيين، وقامت ثورة ثانية بعد ثورة يناير 2011، وتم التخلص من المؤسسة الرئاسية المنتخبة بعد فشلها في كافة مهامها، وزاد الاستقطاب السياسي والشعب هو الذي يدفع ثمن عدم تعاون الفصائل السياسية، واهتمام كل منهم فقط بإفشال الحكومة التي لا يشارك في تشكيلها، وحتى يتم التعتيم على تدني الوضع الداخلي، تم دفع مصر، بمعرفة ساستها المتواطئين إلى شنِّ حرب ضد إسرائيل حتى لا يعلو صوت على صوت المعركة".
حافة الكوثر
أما "حافة الكوثر" لعلي عطا فتستخدم لغة شعرية، والراوي الرئيسي فيها الصحفي الثقافي حسين عبدالحميد، يخاطب صديقه المغترب في منفاه الاضطراري، الطاهر يعقوب، حاكياً جزءاً من سيرته وما شهدته من هموم وآمال وآلام وشخوص وذكريات.
تدور الرواية زمنياً في ماضي الراوي وطفولته وحتى قيام ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 وما تلاها من أحداث حتى العام 2015 تقريباً، ومكانياً بين مهد الطفولة في المنصورة، بدلتا النيل شمالاً، حتى الحاضر في العاصمة المصرية وحيّها الواقع في الجنوب، المعادي، الذي يضم مصحة "الكوثر"، البعيد واقعُها تماماً عن معنى اسمها المشير إلى النعيم.
دخل البطل المصحة المخصصة للمرضى النفسيين ومدمني المخدرات 3 مرات في 4 سنوات لمدة 31 يوماً من شتاء 2012 إلى ربيع وبداية صيف 2015.
وتبرز الرواية أحداث الثورة وما تلاها والانتخابات الرئاسية في 2012 بين أحمد شفيق، آخر رئيس حكومة في عهد مبارك، ومحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب. وتوضح انحياز الراوي لمرسي، وندمه على المشاركة في كل الانتخابات التي أدت إلى وأد الثورة.
قطط العام الفائت
وتتميز أيضاً في سلسلة روايات الثورة "قطط العام الفائت" للقاصّ المصري الشهير إبراهيم عبد المجيد، الذي تؤكد روايته على تحيُّن الفرصة لتحقيق النصر للثورة والثوار.
ويحمل لجوء عبد المجيد إلى الفانتازيا دلالة خاصة؛ إذ لم يكن في رواياته السبع السابقة ما ينمّ عن ميل إلى هذا النوع من الكتابة، التي تلجأ للهروب من التشابه الحرفي مع الواقع تجنباً للصدام.
ويحكي عبد المجيد في روايته عن "بلد يسمى لاوند قامت به ثورة في اليوم نفسه الذي حدثت فيه الثورة في مصر. قائلاً: هذا ما جرى في لاوند، وأي تشابه مع الواقع غير مقصود"، وبعد التنويه الذي يضعه الراوي في البداية، يبدأ في طرح أحداثه الفانتازية من خلال شخصية الحاكم أمير باشا أبو العساكر، الذي يتمتع بقدرات سحرية خارقة.
ويُفاجأ الحاكم بثورة الشباب ضده، وتجمعهم في الميدان، وبعد انهيار وزارة الأمن والأمان، يتدخل السر عسكر ناظر الحربية، ومساعده مدير المحن والأزمات "مُز"، الذي يتمتع هو الآخر بقدرات خارقة، حيث تخرج من أصابعه الثعابين الفتاكة، ويتفتق ذهنه عن إلقاء غاز من السماء على الثوار الموجودين في الميدان.
ثم يواجه الحاكم قائلاً "ستترك البلاد سيدي الحاكم وسنديرها نحن. هذا هو الضمان الوحيد لحياتك. ما دمنا معك لن يطولك أذى. إذا لم توافقنا ستكون أغضبت الله الذي سخر الثوار وسيعيدهم"، وبعد أن يوافق على ترك الحكم، يتذكر فجأة قدراته الخارقة، ويبدأ بإلقاء السر عسكر شخصيّاً إلى الماضي.
وينجح الحاكم في إلقاء آلاف الثوار في الميدان إلى العام الفائت، حيث الأجواء الغامضة، فالأمطار تهطل، والثعالب تتربص بالشباب المخدرين، لكنها لا تجرؤ على الاقتراب منهم، حتى تتدخل سعاد حسني -فنانة مصرية محبوبة راحلة- لتبدأ في إيقاظ الشباب، وتنجح في إنقاذهم جميعاً، وتكثر التساؤلات بين الشباب والفتيات بعد أن يفيقوا من غفوتهم. قالت فتاة "كما أتوا بنا هنا سنعود. ليس مهمّاً أن نعرف كيف أتوا بنا هنا، المهم أننا صحونا من النوم، وحتى يعود الثوار إلى بيوتهم في أمان"، لتقوم شبيهة سعاد حسني التي تتمتع بقدرات سحرية بتحويلهم إلى قطط، وكذلك تحول الشباب المعتقلين والمتظاهرين.
ويرتبك النظام الحاكم الذي لا يعرف كيف يطارد الشباب الذين يتحولون فجأة إلى قطط، وتستمر اللعبة الفانتازية بين الحاكم المستبد الذي يسخر كل إمكاناته وقدراته من أجل محاربة الشباب وعدم إتاحة الفرصة لهم ليكرروا الثورة حين يحل موعدها بعد مرور العام، وبين الشباب الذين يخططون لإعادة الثورة مرة أخرى بمجرد الوصول إلى العام الذي أصبح فائتاً، وينتظرون لحظة الوصول إليه للقيام بالثورة مرة أخرى.
هل "سقط الصمت" في "ليلة التحرير"؟
وبخلاف روايات فشير وعطا وعبد المجيد صدرت عدة روايات تستلهم الحدث الأهم في تاريخ مصر الحديث، وتعد واحدة من أهم آثار الثورة، التي لم يستطع أعداؤها محوها أو وأدها وهي "شمس منتصف الليل"، وتعد أول رواية عن ثورة 25 يناير -صدرت في 23 مارس/ آذار 2011- للكاتبة أسماء الطناني، وحصلت على عدة جوائز وتكريمات، ورواية "فستان فرح" 2012 للكاتبة رباب كساب. وتنقل واقع المجتمع المصري من خلال قصص لعدد من الشخصيات، يتم ربطها بالثورة.
ورواية "ليلة التحرير" 2012 للكاتب محمد العون، الذي يرصد الانتهاكات التي حدثت من قبل قوات الشرطة ضد المعتصمين بالميدان.
أما رواية "أجندة سيد الأهل" الصادرة عام 2011 للأديب أحمد صبري، فتبدأ بشكل مثير، حيث تدور أحداثها حول مجموعة من البلطجية في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة، يسعون للهرب من السجن، وتتاح لهم الفرصة يوم 27 يناير/ كانون الثاني 2011.
وتغوص رواية "منتصر" الصادرة عام 2015 للكاتب محمد زهران، حول عامل النظافة بمحطة مترو السادات "منتصر". ويوثق الكاتب من خلاله أحداث الثورة. فيما تسرد رواية "سقوط الصمت" -التي صدرت عام 2014 للباحث المصري عمار علي حسن- بشكل ملحمي التفاصيل الإنسانية فى ثورة 25 يناير بلغة شاعرية وتجعل البطولة فيها "جماعية" مثلما كانت فى الواقع، وتخوض رحلة زمنية تسبق انطلاق الثورة وتتجاوز ما يجري حالياً إلى توقع ما سيحدث ربما في المستقبل.