تشهد العديد من الدول العربية في عام 2017 انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية، ورغم تباين طبيعة الأنظمة بها ودرجة احترامها للمعايير الديمقراطية، إلا أن الاستحقاقات في تلك البلدان اختلفت كثيراً عن سنوات مضت بفعل التغيُّرات الداخلية والخارجية التي حدثت في المنطقة.
وخلال الـ15 سنة الأخيرة وقعت عدة أحداث غيَّرت المشهد السياسي في عدة بلدان عربية، على غرار تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بنيويورك وواشنطن، وما تلاها من غزو أفغانستان (2001) والعراق (2003) وسقوط نظام صدام حسين، وموجة الربيع العربي في 2011، التي أطاحت برؤساء أمثال زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، فضلاً عن الثورة في سوريا على نظام بشار الأسد (2011 – 2017)، والتعديلات الدستورية في المغرب التي أوصلت الإسلاميين لأول مرة إلى رئاسة الحكومة (2011)، وتنظيم أول انتخابات بلدية في دول خليجية، مثل السعودية (2005)، وسلطنة عمان (2012).
وفي هذا العام الجديد، تستعد عدة دول عربية لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية على غرار الجزائر، ولبنان، والصومال، وتونس، والعراق، ومصر.
ويرى الباحث الفلسطيني أحمد يوسف، رئيس معهد بيت الحكمة للدراسات في غزة (غير حكومي)، أن الاستحقاقات في البلدان العربية ابتعدت عن الانتخابات التي كانت تفوز فيها الأحزاب الحاكمة بأكثر من 90%.
وأضاف يوسف، الذي عاش لفترة طويلة في الولايات المتحدة الأميركية، أن طبيعة النظام العربي ستعطي لأحزاب المعارضة مساحة للعمل من أجل استيعابها ضمن المشهد السياسي، حتى تعطيه شرعية للانتخابات، ولتجميل دوره وشركائه.
وأشار إلى أن الدول العربية المركزية التي تحكمها دولة عميقة لن تسمح لأحزاب المعارضة بأن تصل إلى مستوى يصبح في مقدورها منازعتها على الحكم.
وأوضح أن "الأنظمة العربية ستمنح لأحزاب المعارضة مساحة من الحرية والنشاط، وقد تقبل بحصولها على 20 إلى 30% من الأصوات، لكنها لن تسمح لها بلعب دور حقيقي في التغيير والإصلاح".
وفيما يلي عرض للدول العربية التي ستشهد استحقاقات انتخابية مختلفة
الجزائر
تعتزم الجزائر تنظيم انتخابات برلمانية في أبريل/ نيسان المقبل، تأمل أحزاب من المعارضة الإسلامية أن يؤدي تحالفها إلى تحقيق نتائج إيجابية فيها، لكن طموحاتها لا تتجاوز سقف 40% من المقاعد، حسب الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، أحد قيادات حركة التغيير المنشقة عن حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر).
غير أن مراقبين استبعدوا أن تشهد الانتخابات البرلمانية في الجزائر مفاجآت كبيرة، خصوصاً في ظل عزوف قطاع مهم من الناخبين عن التصويت، باعتبارها محسومة مسبقاً، وعدم ثقته في الطبقة السياسية سواء كانت معارضة أو موالية للسلطة، إضافة إلى مقاطعة حزب طلائع الحريات (وسط) للانتخابات، الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي حل ثانياً بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رئاسيات 2004 و2014.
واستبعد المحلل السياسي الفلسطيني أحمد يوسف أن يقع تغيير حقيقي في الجزائر بعد انتخابات الربيع المقبل، مشيراً إلى أن "الدولة العميقة في الجزائر قوية، والدماء التي سالت (في تسعينات القرن الماضي) تجعل الناس لا ترغب في مواجهة جديدة مع السلطة، رغم وجود أحزاب قوية، تعمل على تشكيل تحالفات لعلها تكون قادرة على فعل شيء في البلاد، لكن ليس هذا بالأمر السهل أمام الدولة العميقة القابضة على مؤسسات البلاد".
لبنان
أما في لبنان، فمن المبرمج أن تنظم الانتخابات النيابية في مايو/ أيار المقبل، غير أنه من المستبعد أن يحقق هذا الاستحقاق تغييرات جوهرية في طبيعة النظام الطائفي.
وفي هذا السياق، يرى رئيس معهد "بيت الحكمة" أن لبنان خاضع لهيمنة حزب الله (شيعي)، ولنظام طائفي يقسم المواقع القيادية في البلاد بين المسيحيين الموارنة (رئاسة البلاد)، والسنة (رئاسة الحكومة)، والشيعة (رئاسة البرلمان)، ومساحة المناورة ضعيفة، فلو فاز أي حزب في الانتخابات البرلمانية فلن يشكل الحكومة ولن يختار الرئيس ولن ينتخب رئيس البرلمان خارج التقسيم الطائفي للمناصب القيادية.
وقال يوسف إن الانتخابات اللبنانية لا تخضع للمعايير الديمقراطية المعروفة في الديمقراطيات العريقة، ولا تسمح بتغيير الحكومة خارج الإطار الطائفي المحدد لها.
الصومال
وفي الصومال الذي تأجلت فيه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أكثر من مرة، فمن المنتظر أن تجري الرئاسيات فيه خلال الأسابيع المقبلة، بعدما تم استكمال الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وامتدت لأسابيع، والتي شابتها عدة تجاوزات وتأجيلات ولم ينتخب رئيس البرلمان إلا في وقت سابق من الشهر الجاري، بسبب الطبيعة القبلية للصومال.
وينظر يوسف للانتخابات في الصومال على أنها هامشية، وليس لها تأثير قوي على المنطقة العربية، فضلاً عن أن القبائل الصومالية مهيمنة عليها، كما أن البلاد تدور في فلك دول الجوار.
موريتانيا
وفي موريتانيا، يجري نقاش داخلي حول إجراء استفتاء شعبي حول مقترحات "الحوار السياسي" أو عرض هذه المقترحات على البرلمان للمصادقة عليها، والتي تتضمن إلغاء مجلس الشيوخ، واستحداث مجالس جهوية، وتغيير النشيد الوطني والعلم، دون أن تتضمن تمديد العهدة الرئاسية للرئيس محمد ولد عبد العزيز، لأكثر من ولايتين، وهو ما التزم به شخصياً.
وفي حال تمت المصادقة على هذه التعديلات الدستورية فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى انتخابات برلمانية ومحلية مسبقة، لم يتم تحديد تاريخها بعد، كما سبق وأعلن عن ذلك ولد عبد العزيز في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ولفت المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن الحركة الإسلامية في موريتانيا قوية، لكن الطابع القبلي أقوى. مضيفاً أن الأوضاع في البلاد مشجعة.
تونس والعراق
وعلى الرغم من أنها انتخابات غير حاسمة في توازنات البلاد، إلا أن كلاً من تونس والعراق على موعد مع الانتخابات المحلية في مارس/ آذار، وأبريل/ نيسان المقبلين على التوالي.
وتعتبر تونس من أول البلدان التي انطلق منها الربيع العربي، والوحيدة التي نجت من مستنقع الحرب الأهلية أو الانقلاب العسكري، ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن أهم ما يميز التجربة التونسية قبول الآخر (تحالف أحزاب من مشارب سياسية مختلفة)، وإذا نجحت التجربة التونسية ربما تنعكس على دول عربية أخرى.
أما العراق فوصف الانتخابات التي تجري فيه بـ"الديمقراطية الشكلية"، بسبب الوضع الطائفي الذي يعيشه، موضحاً أن نتائج الانتخابات فيه محسومة مسبقاً بين التكتلات الشيعية والكردية والسنية.
دول أخرى
ولم تحدد مصر بعدُ تاريخاً للانتخابات المحلية التي يُفترض أن تُجرى هذا العام، وكذلك السلطة الفلسطينية التي أجَّلت انتخاباتها البلدية، خاصة بعد حكم المحكمة الدستورية الذي ألغى الانتخابات في قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
في حين ليس واضحاً إن كان باستطاعة رئيس حزب "العدالة والتنمية" المغربي، عبد الإله بنكيران تشكيل الحكومة بعد أكثر من 3 أشهر من فوز حزبه من الانتخابات، خصوصاً بعد بداية الحديث عن إمكانية الذهاب إلى إعادة الانتخابات كما جرى في تركيا في 2015.
كما أن كلاً من سوريا وليبيا واليمن، تعيش وضعاً أمنياً متأزماً، يجعل من تنظيم انتخابات ذات مصداقية في 2017 أمراً مستبعداً، إن لم يكن متعذراً.
وحول مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي خلال العام الجاري، قال المحلل الفلسطيني: "لا أعول كثيراً على انتخابات نزيهة في 2017، لتحقيق تغيير سلمي للسلطة؛ نظراً لعدم قبولنا للآخر، وغياب مفهوم الشراكة السياسية، واستمرار الصراع بين العلمانيين والإسلاميين".