يتأهب مسلمو الولايات المتحدة الأميركية مع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي سيجري تنصيبه في وقت لاحقٍ من الجمعة 20 يناير/كانون الثاني 2017، لكن السياسي والكوميدي الأميركي المسلم "دين عُبيد الله" يرى أن المسلمين لن يختبئوا هذه المرة أمام ترامب كما فعلوا خلال موجة الكراهية التي حلت بأميركا بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ويرى الكاتب الذي شارك في إخراج فيلم وثائقي كوميدي بعنوان "المسلمون قادمون"، أن المسلمين باتوا متأهبين للنضال، ليس فقط من أجل مجتمعهم؛ بل من أجل جميع الجماعات المهمشة الأخرى، شارحاً الأسباب التي تمكّنهم من ذلك، وفقاً لمقال نشره في موقع "ديلي بيست" الأميركي الجمعة.
نص المقال:
في الأشهر التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، عَمَدَ عددٌ كبيرٌ من الأميركيين المسلمين إلى الاختباء؛ إذ قاموا بتغيير أسمائهم لتشبِه الأسماء الأميركية، وامتنعوا عن الحديث علناً عن هويتهم الإسلامية، وتجنبوا حتى حضور فعاليات الجالية الإسلامية.
كان ذلك مفهوماً إلى حدٍ ما. فقد تزايدت جرائم الكراهية ضد الأميركيين المسلمين خلال الفوضى التي تلت الحادي عشر من سبتمبر، وكان هناك الكثير من الشك والخوف.
أما اليوم 20 يناير 2017، حين يتلو دونالد ترامب القَسَم، ليصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية، يجد مجتمع الأميركيين المسلمين نفسه أمام مشهدٍ مشابهٍ لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. لكن هذه المرة، لن يتراجع المسلمون ويختبئوا في الظلال. فقد صرنا متأهبين للنضال، ليس فقط من أجل مجتمعنا الإسلامي؛ بل أيضاً من أجل كل الجماعات المُهمَّشة الأخرى.
لم يعد مجتمع الأميركيين المسلمين اليوم مثلما كان عليه الحال في الحادي عشر من سبتمبر، حينما كان المسلمون أقل عدداً وأضعف تنظيماً. كان انخراطنا في العمل السياسي أو الإعلامي محدوداً، وكان نشاطنا في مجال الحوار بين الأديان متقطِّعاً.
لكن اليوم، يشارك عددٌ أكبر من المسلمين في أنشطةٍ تتعلق بالإعلام الإخباري والترفيهي، وفي العمل السياسي، بدءاً من تولي مناصبٍ رسميةٍ محلية، وحتى وصول نائبين مسلمين إلى الكونغرس، فضلاً عن التفاعل النشط داخل المجموعات القاعدية المهتمة بالعديد من القضايا، بدءاً من حملة "حياة السود مهمة-Black Lives Matter"، وصولاً إلى حقوق المهاجرين.
ولا يعني كل هذا أننا لا نشعر بقلقٍ بالغٍ أو أننا لسنا خائفين من رئاسة ترامب للبلاد. فقد تاجر الرجل بالكراهية للفوز بأعلى منصبٍ بالبلاد، ويُعتَبَر مجتمع المسلمين أكثر المجتمعات المعرضة للاستهداف من جانبه.
على سبيل المثال، أدلى ترامب بتصريحاتٍ غير مسؤولةٍ عن المسلمين مثل قوله إن "الإسلام يكرهنا"، فضلاً عن دعوته إلى حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وأشعل الرئيس القادم مشاعر الكراهية تجاه مجتمع المسلمين بترويجه كذبة تفيد بأن "آلاف" المسلمين في ولاية نيوجيرسي هلَّلو واحتفلوا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ألهمت عبارات الكراهية، التي أطلقها ترامب، أنصاره المزعومين لارتكاب جرائم كراهيةٍ بحق مجتمعنا. أحد هؤلاء كان وليام سيلي، الرجل الذي حُكِمَ عليه في مارس/آذار الماضي بالسجن لمدة 90 يوماً؛ لتهديده بقتل المسلمين في ولاية كاليفورنيا.
وفي سبتمبر الماضي، أُلقِيَ القبض على أحد مؤيدي ترامب ووُجِّهَت له اتهاماتٍ بارتكاب جريمة كراهيةٍ بعد حرقه مسجداً في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا. وتعج القائمة بالعديد من الأحداث المشابهة.
لكن لا تسيء فهمي. فلم يكن الطريق أمامنا مفروشاً بالورود خلال وجود الرئيس أوباما في البيت الأبيض رغم دعمه لمجتمعنا خلال السنوات القليلة الماضية. ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ارتفعت نسبة جرائم الكراهية ضد المسلمين بنحو 67% خلال عام 2015. وقد شهدنا ارتفاعاً في عدد حالات الاستقواء ضد الطلاب المسلمين بالمدارس، والتي يقوم بها المدرسون أنفسهم أحياناً.
لكن، من المُتوقَّع أن تؤول الأمور إلى ما هو أسوأ من ذلك في ظل حكم ترامب. ويخطئ البعض حين يعتقد أن فوز ترامب سيُشبع نَهم أنصاره المتعصبين. إن ارتفاع عدد جرائم الكراهية التي ارتكبها مناصرو ترامب بعد الانتخابات، والدروس التي تقدمها لنا حركات الحقوق المدنية تثبت لنا عكس هذا الاعتقاد. فقد أصبح المتعصبون أكثر جرأةً بعد أن صار لديهم شخصٌ في السلطة يقف إلى جانبهم ودعمهم.
ازدادت حدة تلك المخاوف حتى نظمت الأمم المتحدة مؤتمراً يوم الثلاثاء الماضي 17 يناير، برعاية حكومة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا؛ لبحث "التحديات المتزايدة التي تمثلها التفرقة العنصرية ضد المسلمين والكراهية في السياقات المختلفة، وللتركيز على الأساليب الجوهرية في التعامل معها" (أُقيم منتدى مشابه في مقر الأمم المتحدة؛ للتصدي لمعاداة السامية في سبتمبر الماضي).
وكان بين المتحدثين بالمؤتمر مجموعةٌ متنوعةٌ من النشطاء -بعضهم من المسلمين، والكثير من غير المسلمين- الذين حضروا لتقديم نصائح عملية عن أفضل الطرق لمحاربة الكراهية ضد المسلمين (كُنت من أعضاء اللجنة المعنية بتقديم صورةٍ إيجابيةٍ من خلال الفنون ووسائل الإعلام). علمت أن توقيت المؤتمر المُقام، قبل يومين فقط من تلاوة ترامب للقسم، لم يكن مصادفة. فقد تقدّم موعد المؤتمر؛ لأن المسؤولين الأميركيين اعتقدوا أن حكومة ترامب لن توافق على رعاية منتدى لمواجهة الكراهية ضد المسلمين.
وبعيداً عن المجهودات المدعومة من الحكومة، كان الحراك المسلم-الأميركي، على مستوى القاعدة الشعبية، مذهلاً منذ فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية. كانت تذاكر فعاليات المسلمين التي حضرتها منذ يوم الانتخابات، تُباع جميعها ولا يتبقى منها شيء. وكما علّقت المديرة التنفيذية لفرع دالاس/فورت وورث التابع لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (CAIR)، عاليا سالم: "يحدث كل هذا كرد فعل على فوز ترامب؛ إذ لم نكن لنرى هذا القدر من التفاعل في حال فوز هيلاري".
وقال عمر سليمان، وهو إمام شاب يحظى باحترام واسع، إنَّه يتوقع أن يقوم المسلمون بأكثر من مجرد الوقوف للدفاع عن مجتمعهم خلال فترة حكم ترامب. وعلّق سليمان قائلاً: "سندعم أيضاً الأميركيين ذوي الآراء المشابهة ممن يشعرون بأن ترامب لا يمثلهم، وسنسعى معاً من أجل أميركا أكثر تسامحاً تحمي المستضعفين في المجتمع".
نحن ممتنون لأن نرى مساندة مجتمعات أخرى لنا بالفعل. فعلى سبيل المثال، تشرح رئيسة منظمة "مسلم أدفوكيتس"، فرحانة خيرا، أن منظمتها تعمل مع "ائتلافٍ من أكثر من 20 منظّمة ضغطت على شركاتٍ تقنيةٍ، مثل فيسبوك وتويتر وجوجل؛ لإعلان عدم مساعدتها ترامب في إعداد سجل للمسلمين إذا طُلِبَ منها ذلك".
ويضع المسلمون الأميركيون أموالهم أيضاً في مواجهة مخاوفهم. وقال المدير التنفيذي لفرع مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بولاية فلوريدا، حسن شبلي: "بلغت التبرعات التي جمعناها لتغطية نفقات تشغيل المنظمة في عام 2014 نحو 800 ألف دولار فقط". وفي المقابل، يوضّح شبلي: "في عام 2016 وبسبب المخاوف السائدة حيال ترامب، جمعنا 1.4 مليون دولار ستُستخدم في الدفاع عن الحقوق المدنية للأمريكيين جميعاً أياً كان معتقدهم".
في النهاية، نحن المسلمين الأميركيين مستعدون لمواجهة ترامب. لسنا مستعدين فقط لمحاربة الكراهية التي قد يوجِّهها إلى مجتمعنا؛ بل لمحاربته هو ذاته إذا حاول تحويل قصصه التي تنضح بالكراهية إلى سياسةٍ ضد أيٍّ من مجتمعات الأقليات. وإن شاء الله، ستنتصر المقاومة على ترامب.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.