أدت التقارير التي تؤكد أنّ عُمان قد انضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الجماعات الإرهابية، ومن بينها "تنظيم الدولة"، إلى خلق حالة من الذهول لدى الكثير من المطّلعين على قضايا الشرق الأوسط. وقد تصاعدت التوترات كثيراً بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، لتلقي بظلالها على منطقة الخليج العربي؛ بسبب العلاقة التي ما زالت تجمع إيران وعُمان، حتى بعد انضمام الأخيرة إلى التحالف السعودي. وزادت حدّة هذه التوترات إثر رفض عُمان الترتيبات والجهود الأمنية التي تقدمت بها دول الخليج.
تعتقد المملكة العربية السعودية أن توقيع عُمان على اتفاقية التحالف العسكري لمحاربة الإرهاب يعني استعدادها لتغيير استراتيجيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية نحو المحور السعودي، وأن ذلك سيحقق حلم المملكة السعودية في أن تكون أكبر قوة مسيطرة في المنطقة. لكن الأمور سارت في اتجاه عكسي؛ لأن عُمان لم تكن تهدف من خلال هذه الخطوة إلى إحداث تغيير في سياستها الخارجية؛ بل اتبعت هذا التوجه أساساً بهدف دعم استمرارية الاستراتيجية التي كرّستها منذ عقود في الدولة؛ لأجل تحقيق التوازن في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران، وفق ما ذكرت صحيفة foreignaffairs.
قادت المملكة العربية السعودية عملية تشكيل التحالف العسكري لمحاربة الجماعات الإرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2015. وضمّ هذا التحالف 40 دولة مسلمة، بينما استثنت المملكة السعودية منه دولتين؛ لأنهما تضمّان أغلبية شيعية؛ وهما العراق وإيران، فهي ترى أن هذه الأخيرة تحديداً لا يحق لها التدخل في الشؤون العربية. عندما قدّمت المملكة السعودية عرضها لأول مرة، رفضت عمان الانضمام؛ لكي تتمكن من المحافظة على سياستها الخارجية المستقلة، وعلاقاتها القائمة مع إيران.
هل أصبحت مستاءة من إيران
جاء قرار عُمان في وقت تزايد فيه استياؤها من إيران. وكانت عُمان تتوقع مشاركة المكاسب الاقتصادية التي حققتها إيران بعد إعادة إدماجها دولياً، منذ إبرام الاتفاق النووي الذي وقّعته في سنة 2015. لكن العلاقات بينهما كانت تتطور بنسق بطيء، وهو ما جعل إيران تستأنف مشاريعها ذات الأولوية مع شركاء أكثر ربحاً، من بينهم الاتحاد الأوروبي.
أدركت عُمان أن إيران توظف معها سياسة المماطلة فيما يتعلق بعدد كبير من المشاريع المشتركة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز الذي يربط بين الدولتين. وفي سنة 2013، وقّع الطرفان مذكرة تفاهم مشتركة تسمح لعُمان بتوريد 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران بحلول سنة 2015. لكن في سنة 2016، تم تعديل مسار خط الأنابيب، بعد تأخر موعد دخوله حيّز الاستغلال إلى سنة 2017.
رغم كل هذه الأحداث، ظلت العلاقة بين عمان وإيران متماسكة فترة طويلة. واستفادت سلطنة عُمان من المساعدة التي قدمتها لها إيران لدحر حركة تمردية خلال السبعينات. أما اليوم، فتمثّل السلطنة أكبر شريك لإيران من الناحية الاقتصادية والسياسية. وقد حققت الشراكة التجارية التي جمعت هاتين الدولتين بين سنة 2012 و2013 نمواً تجاوز نسبة 70%، بقيمة 873 مليون دولار. وفي نهاية 2015، تجاوز هذا الرقم المليار الدولار. إضافة إلى ذلك، رحّبت عُمان كثيراً بالاستثمار الإيراني المباشر في مجمع استشفائي، ومصنع متخصص في تكنولوجيا الناتو؛ بهدف إضفاء تنويع على الموارد الاقتصادية للدولة، بعيداً عن النفط.
عمان تحرص على العلاقات
ظلت العلاقات بين طهران ومسقط مميزة إلى درجة أن القادة العُمانيين لم ينساقوا وراء قرار المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي قضى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران على خلفية الهجوم الذي تعرضت له السفارة السعودية في يناير من سنة 2016.
في المقابل، أدى وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، في شهر فبراير/شباط الماضي، زيارة إلى طهران لمناقشة الملفات المشتركة؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين، وأعلنت شركة "إيران خودرو" لصناعة السيارات، في مارس/آذار 2016 الماضي، إطلاق مشروع مشترك مع عمان لإنتاج سيارات محلية، بتكلفة بلغت 200 مليون دولار.
في الواقع، تفضل عُمان دائماً معالجة الخلافات مع إيران من خلال تجنب كل سياسة من شأنها تهديد العلاقة الثنائية بينهما، وهو ما تختلف حوله معها المملكة العربية السعودية.
خلافات عُمان مع إيران
تجمع عُمان وطهران بعض الخلافات حول مواضيع شائكة، من بينها ما يتعلق بدور القوى الخارجية في المنطقة. وفي الوقت الذي تعارض فيه إيران التدخل الغربي في المنطقة، لا تمانع عُمان، شأنها شأن حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي، في الاعتماد على القوى الخارجية كلما كانت في حاجة إلى المساعدة الأمنية.
رغم الشائعات التي تحدثت عن استقالة عضو عماني من مجلس التعاون الخليجي، لم تكن عُمان على استعداد لإثارة غضب حلفائها. ويمثل مجلس التعاون الخليجي السوق الرئيسية للبضائع العُمانية. وقد بلغت حصة مجلس التعاون الخليجي ما يقارب 25%، من جملة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عمان بحلول سنة 2010، وتصل هذه النسبة إلى 50% عند إضافة النفط والغاز.
تُعتبر عُمان دولة صغيرة وهامشية داخل الكتلة القوية التي تحيط بها. وتتمتع عُمان بموارد محدودة مقارنة بدول الجوار، وهذا ما يدفعها لتأسيس المزيد من العلاقات الودية في المنطقة. لذلك، قاد السلطان قابوس بن سعيد، في سنة 1976، محادثات أمنية على مستوى إقليمي شملت كل دول الخليج العربي، بما في ذلك إيران والعراق. لا ترغب عُمان في قطع علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي؛ لأنها ببساطة لا تستطيع فعل ذلك.
نجحت عُمان في لعب دور الوسيط، بفضل سياستها الخارجية التي تتميز بالحيادية والاستقلالية. وخلال الحرب التي اندلعت بين العراق وإيران، كانت عُمان الدولة الوحيدة التي حافظت على علاقاتها مع إيران، دون أن يؤثر ذلك على دور الوساطة في عملية وقف إطلاق النار. وبين سنتي 2010 و2011، نجحت عُمان، من خلال مشاركتها في المفاوضات، في تسهيل عملية إطلاق سراح 3 أميركيين كانوا محتجزين في إيران. وفي سنة 2012، استضافت مسقط المحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، والتي أدت في النهاية إلى بداية مسار المفاوضات النووية، ثم إبرام اتفاق سنة 2015.
سعت عُمان إلى المحافظة على العلاقات الرسمية التي تجمعها بكل الأطراف المتداخلة في الصراع السوري، إلى جانب أنها استضافت، وفقاً لصحيفة Foreign Affair، المحادثات اليمنية بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة من قِبل السعودية، والمتمردين الحوثيين، المدعومين من قِبل إيران.
خطوة مريحة ومطمئنة للسعودية
رغم سياستها التي تعمل على معالجة الخلافات الإقليمية، لم تكن جهود عُمان في دورها كوسيط للسلام مكلّلة بالنجاح، وهو ما كان يطمح إليه حلفاؤها في الخليج العربي. وكانت عُمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي رفض تعزيز المؤسسات القائمة للمجلس، وفضّلت البقاء بعيدة عن مواقف التحالف الجديد، الذي تقوده المملكة السعودية في اليمن والتحالف العسكري لمحاربة الإرهاب، رغم أن موقفها عرّضها للكثير من الانتقادات، خاصةً من قِبل المملكة العربية السعودية.
في هذا السياق، تعتبر المملكة العربية السعودية انضمام عُمان إلى التحالف العسكري لمحاربة الجماعات الإرهابية خطوة مريحة ومطمئنة قد تدعم موقفها الإقليمي على حساب إيران. ورغم تخاذل إيران فيما يتعلق بالقرارات التجارية التي تلت الاتفاق النووي، فقد تحسن الوضع بشكل عام رغم بطء سير عملية تخفيف العقوبات وتدهور العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي.
في بداية 2016، عمدت إيران إلى وضع عُمان ضمن أولوياتها مرة أخرى، وأعادت تركيز جهودها لاستكمال تفاصيل مشروع خط الأنابيب وصناعة السيارات. أما اليوم، فتُعتبر عُمان وأرمينيا من أكبر شركاء إيران في المنطقة.
على الصعيد السياسي، حافظت إيران على استراتيجيتها العمليّة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2014 ، اعترف علوي بأن إيران أخذت على عاتقها مهمة مشروعة تخول لها التدخل في شؤون المنطقة. وأضاف أنه "ليس من مصلحة مجلس التعاون الخليجي، التكتل ضد دولة مثل إيران".
بالإضافة إلى ذلك، يعترف المسؤولون العُمانيون بأن الصراع الطائفي في الخليج العربي ليس في مصلحة عُمان. ويرى البعض الآخر أن قرار عزل إيران يُعتبر خياراً غير عملي. بالنسبة لعُمان، ليست إيران مجرد دولة؛ بل إنها قوة لا يمكن الاستهانة بها من ناحية الموارد والأراضي.
ما زالت إيران قادرة على تأكيد نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مضيق هرمز، الذي تتقاسمه مع عُمان. لذلك، تواصل هذه الأخيرة دعوة إيران والمملكة العربية السعودية إلى الحوار؛ بهدف تخفيف حدة التوتر.
وفي الوقت نفسه، لا تستطيع عُمان إهمال علاقاتها مع حلفائها الخليجيين، فهي ما زالت تدفع ثمن رفضها خيار التحالف مع المملكة السعودية، التي أصبحت تنظر إليها على أنها عنصر خارجي، و"عميل لإيران" داخل مجلس التعاون الخليجي.
يجب على عُمان أن تكون حريصة على عدم إثارة جدل جديد. وفي الحقيقة، قد لا نستغرب إعلان عُمان انضمامها إلى التحالف العسكري لمحاربة الجماعات الإرهابية بعد شهرين فقط من اتهامها علناً بالسماح لإيران بتهريب الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين، ما جعلها عرضة لانتقادات لاذعة من حلفاء مجلس التعاون الخليجي.
حافظ سلطان عُمان، على مدى عقود من الزمن، على الحياد والتوازن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لدولته، فهو يتمتع بالدعم العسكري والأمني من قِبل المملكة السعودية، ويستفيد من طبيعة العلاقات الاقتصادية المتينة التي تجمع بينهما.
تعتبر عُمان قرار الانضمام إلى التحالف العسكري لمحاربة الإرهاب خطوة جيّدة قد تخدم سياستها الخارجية. لكن هذا القرار قد يؤدي بإيران أو المملكة العربية السعودية إلى تصعيد المنافسة بينهما لتعويض آثاره في المنطقة؛ نظراً لحالة التوتر الشديد التي تسيطر عليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر ما زال يحدث حتى الآن، وهو دليل على نجاح سياسة التوازن الإقليمي التي تعتمدها عُمان.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Foreign Affair الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.