مشاورات تشكيل الحكومة المغربية التي بلغت أزيد من 3 أشهر، يدور فلكها حول رجل واحد، أحزاب تربط مشاركتها به، وأخرى تنتظر الضوء الأخضر منه، ورئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران يحاول استمالته؛ لتخطي عقبة التشكيل.
إنه الملياردير عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار (يمين/رابع قوة بالبرلمان المغربي)، رجل الأعمال والسياسة الذي يملك مفاتيح تشكيل الحكومة المغربية.
له موطئ قدم في مختلف المجالات، بدءاً بعالم السياسة، ومروراً بالمال والأعمال والصحافة، بالإضافة إلى الطاقة والزراعة والاتصالات.
ويتساءل المتتبعون: كيف لحزب فاز بـ37 مقعداً بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) أن يحدد مصير ومستقبل حكومة بأكملها؟! هل لقربه من الباطرونا (رجال الأعمال الكبار) ومن دوائر القرار؟ أم أن هناك أسراراً أخرى تحملها شخصية أخنوش؟
النشأة
ولد أخنوش، بمدينة "تافراوت" (وسط) عام 1961، وهو متزوج وله 3 أطفال، وينتمي إلى منطقة يطلق عليها "سوس"، تعرف بكونها مصدراً لأبرز تجار البلاد.
بعدما تابع أخنوش دراسته بالمغرب، حصل على شهادة في الإدارة بجامعة "شيبروك" الكندية عام 1986، ليعود إلى البلاد ويدبر شركات والده، ويطورها ليؤسس مجموعة "أكوا" القابضة، المالكة لإحدى كبرى محطات توزيع المحروقات وبيعها، بالإضافة إلى العديد من الشركات بمختلف القطاعات.
تجربته الكبيرة في الإدارة صقلت شخصيته، وجعلته أحد الأرقام الصعبة بالمشهد السياسي بالبلاد.
من بين المناصب التي شغلها، عضو في بلدية مدينة "تافراوت"، ورئيس جهة "سوس ماسة درعة" (بالمغرب 12 جهة، كل واحدة منها تضم عدداً من المدن والأرياف).
المال والسلطة
بعدما كان وزيراً للفلاحة في عهد حكومة الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، (2007 ، 2011)، استطاع أن يحتفظ بهذا المنصب خلال حكومة بنكيران في أول تجربة لحكومة إسلامية بالبلاد (2011- 2016)، وهو ما جعله يجمد عضويته في حزب التجمع الوطني للأحرار؛ لأن هذا الأخير لم يكن مشاركاً في الحكومة.
وساعدته تجربته الكبيرة في عالم المال والأعمال في أن يقود مخطط تنمية الزراعة بالمغرب.
وتصنف مجلة "فوربس"، المتخصصة في تصنيف الأثرياء بالعالم، أخنوش بالمراتب الأولى للأثرياء في البلاد، خلال السنوات الماضية.
في يونيو/ حزيران الماضي، قال أخنوش إنه لن يترشح في الانتخابات ولن يعود مجدداً لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي جمد عضويته به بعدما شارك في الحكومة.
إلا أنه بعد الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول، عاد وترأس هذا الحزب، ليتحول إلى رقم صعب بالمشهد السياسي، رغم أن محللين ينتقدون طريقة تعامله مع مفاوضات تشكيل الحكومة، حيث يضع الكثير من الشروط، لدرجة جعلت نشطاء مغاربة على شبكات التواصل الاجتماعي يتساءلون: "من رئيس الحكومة المغربي: هل هو بنكيران أم أخنوش؟".
مفتاح الحكومة
ويشكل أخنوش، بحسب مراقبين، أحد مفاتيح تشكيل الحكومة المغربية، خصوصاً أنه يرهن مشاركته بالاستجابة بشرطين: الأول عدم إشراك حزب الاستقلال (محافظ)، والثاني يقضي بإدخال حزبين آخرين للحكومة؛ وهما: الاتحاد الدستوري (يمين)، والاتحاد الاشتراكي (يسار).
ما سبق جعل الانتقادات تُوجه لأخنوش من قِبل أعضاء بحزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات والمكلف تشكيل الحكومة؛ لكون حزبه لم يحصل إلا على 37 مقعداً، ويتصرف كأنه الفائز بالانتخابات.
وشهدت مشاورات تشكيل الحكومة، "انسداداً"، أو ما يسمى في اللهجة المغربية "البلوكاج"؛ بسبب اعتراض حزب "أخنوش" على المشاركة في حكومة إلى جانب حزب الاستقلال، في الوقت الذي تشبث بنكيران بانضمامه.
ويدافع بنكيران بمشاركة حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال؛ لأنه كان وراء الكشف عما سماه "مؤامرة لإسقاط حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة رغم احتلاله المرتبة الأولى خلال انتخابات 7 من أكتوبر الماضي".
وأعلن بنكيران، الأسبوع الماضي، وقف مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة مع حزبي التجمع الوطني للأحرار (يمين)، وحزب الحركة الشعبية (يمين)، بسبب اشتراطهما ضم حزبي الاتحاد الدستوري (يمين/ معارض) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (أكبر حزب يساري معارض)، إلى أحزاب التحالف الحكومي.
رفض بنكيران جاء لإصراره الاقتصار على أحزاب الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته، لتشكيل الحكومة المقبلة، والذي يضم أحزاب العدالة والتنمية (125 مقعداً)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعداً)، والحركة الشعبية (27 مقعداً)، والتقدم والاشتراكية (12 مقعداً)، إضافة إلى حزب الاستقلال (46 مقعداً).
ويحتاج حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه بنكيران والفائز في الانتخابات البرلمانية، إلى التحالف مع أحزاب حصلت على ما لا يقل عن 73 مقعداً مجتمعة، ليصل إلى العدد الذي يتيح له تشكيل الائتلاف الحكومي وهو 198.
وسبق أن أعلنت أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري رغبتها في تكوين حكومة قوية، والتزامها بالعمل المشترك من أجل تعزيز التحالف الحكومي.
وكان بنكيران وأخنوش قد دخلا في سباق من نوع آخر في أكتوبر من 2015، حينما اندلع خلاف بينهما حول من يكون آمراً بالصرف (هو المسؤول المالي) لصندوق التنمية الفلاحية (حكومي لتنمية الزراعة والأرياف)، وفي الأخير تمكن أخنوش من أن يكون له ذلك.
فهل سيربح أخنوش معركة مشاورات الحكومة، أم أن الأمر سيعمّق أزمة تشكيلها، لتجري مباراة جديدة من الانتخابات؟
لم يجد بنكيران، مؤخراً، غير مثَل شعبي لتصوير طريقة تعامل أخنوش مع مشاورات الحكومة، قائلاً باللهجة المغربية: "شي واحد في دكالة جايب جمل يبيعو وهو يتلقاه واحد في الطريق قاليه برك الجمل بركو.. قاليه وقفو.. وقفو، وهو يقول ليه شحال غادي نطلبو فيه (أراد رجل بيع جمل بالسوق، واستشار أحد الأفراد، هذا الأخير، قال: أجلس الجمل، أوقف الجمل، أجلسه، أوقفه، وفي الأخير قال: ما الثمن الذي سنطلب لدى بيع الجمل)"، أي إنه أصبح شريكاً في البيع ولم يكتفِ بدوره الاستشاري!