فسَّر محللون وكتاب سعوديون الصمتَ السعودي "الرسمي" على حكم القضاء المصري الصادر، أمس الإثنين 16 يناير/ كانون الثاني 2017، بأحقية القاهرة في جزيرتي "تيران" و"صنافير"، الواقعتين بمدخل خليج العقبة في البحر الأحمر، بالتأكيد على أن حكم القضاء هو "شأن داخلي مصري"، مشيرين إلى أن اللجوء للتحكيم الدولي قد يكون حلاً إذا سُدت الطرق.
وبينوا أن هناك ترقباً لموقف الحكومة والبرلمان المصريين من تلك القضية، بعد الحكم الصادر أمس، معربين عن ثقتهم في "سعودية" الجزيرتين.
كما أكدوا أن هناك "تطابقاً" رسمياً بين الرياض والقاهرة في تبعية الجزيرتين للسعودية، معربين عن ثقتهم في أن "الحق سيعود لأصحابه"، مشيرين إلى أن اللجوء للتحكيم الدولي قد يكون حلاً إذا سُدت الطرق.
وقضت المحكمة الإدارية العليا بمصر (أعلى جهة للطعون الإدارية وأحكامها نهائية)، الإثنين، برفض طعن قدمته هيئة قضايا الدولة (ممثلة الحكومة) على حكم أصدره القضاء الإداري، في يونيو/ حزيران الماضي، ببطلان الاتفاقية الموقعة بين القاهرة والرياض، وتؤول بموجبها الجزيرتان للسيادة السعودية.
صمت رسمي
ولم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي سعودي يعلق على الحكم حتى اليوم، كما لم يصدر أي تعليق من السلطات المصرية على الحكم.
وفي تفسيره للصمت الرسمي السعودي على الحكم، قال الكاتب والمحلل السياسي جميل الذيابي رئيس تحرير جريدة "عكاظ" السعودية: "السعودية دائماً ليست دولة متسرعة، ولا تقبل عملية المساجلات والجدل البيزنطي مع الآخرين، طالما هي واثقة بما لديها وواثقة من أنها على حق، وتعرف ما لديها وموثق تاريخياً بملكيتها للجزيرتين".
وتابع: "المملكة سياسياً ليست متسرعة، تفضل أن تناقش الأمور بعيداً عن حالة الغضب، والقضاء المصري عندما يُصدر حكماً فهذا شأن داخلي مصري، ولكن على صعيد الشأن الدولي المملكة لن تفرط فيما هو لها".
وبيَّن أن "الحكومة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي قال علانية بسعودية الجزيرتين".
وتابع: "عندما زار خادم الحرمين الشريفين مصر في أبريل/ نيسان الماضي، كان هناك اتفاق رسمي واضح بملكية تيران وصنافير للسعودية، وأخرج الكثير من العسكريين والمثقفين والمؤرخين وثائقَ تُثبت ذلك، كما أكدت الأمر ذاته صحف وفضائيات مصرية".
وأكد أن "الوثائق كشفت أن تيران وصنافير تعود ملكيتها للسعودية، وأن المملكة جعلت مصر تستفيد منها في الحروب ضد إسرائيل كموقف عروبي من المملكة".
تبعات حكم القضاء
وعن التأثير المتوقع للحكم، قال الذيابي: "أعتقد أن هذا الموضوع لن يغير شيئاً، بقدر ما يحاول أن يسيء للعلاقة بين الدولتين".
واعتبر أن "الحكم القضائي يسهم في توتير العلاقة بين الدولتين، وهذا ليس من مصلحة أحد، فمصر والسعودية بلدان عربيان شقيقان، بينهما روابط كبيرة وقواسم مشتركة، ولا يمكن الضرب في هذه العلاقة مهما حاول البعض".
وحول دعوة البعض للجوء للتحكيم الدولي لحسم الأمر، قال الذيابي: "إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود لا بد من الذهاب لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، أو اللجوء لوسطاء لحلحلة هذا الأمر، والانتهاء من مشكلة حدودية لم تكن مشكلة أصلاً، ولا أحد يود إيصالها لطريق لا تتمناه المملكة، ولا مصر أيضاً ترغب فيه".
واتفق الكاتب السعودي سعود الريس، رئيس تحرير الطبعة السعودية من صحيفة "الحياة"، مع الذيابي في تفسير الصمت الرسمي حول الحكم، في كون أن المملكة تعتبره شأناً مصرياً.
وأردف: "أي مواطن له الحق أن يقاضي حكومته، ولكن أن يكون الحكم ملزماً أو غير ملزم فهذا شأن جهات أخرى تبتُّ فيه، والقضية ما زال يناقشها البرلمان المصري".
وتابع: "الحكم شأن داخلي، والسعودية تعمل وفق أطر رسمية وفق معاهدات واتفاقيات دولية".
وأردف: "السعودية تراقب وتشاهد ماذا يحدث، على اعتبار أن الأمر شبه محسوم على الصعيد الرسمي".
وتابع: "الموقف الرسمي السعودي والمصري متطابقان على قضية سعودية الجزيرتين، ولكن كل ما سيحدث هو تأجيل البت في مستقبل الجزيرتين، وهناك ثقة بأن الحكومة المصرية قادرة على التعامل مع هذا الملف".
وأكد أن "السعودية قدمت الوثائق، ولديها وثائقها التي تؤكد ملكيتها للجزيرتين، ولا أعتقد أن الأمر سيصل بين البلدين لمرحلة تأزيم الموضوع، وفي النهاية الحق لا بد أن يعود لأصحابه".
واتهم الريس "مغرضين" بالسعي لتأزيم القضية عبر "الشحن والتجييش الإعلامي".
قضية محسومة
وأكد أن "التصعيد ليس من مصلحة السعودية ولا مصر، نتحدث عن أمة عربية، ليست بحاجة لمزيد من الفرقة والتشظي، وهذا التصعيد لن يخدم أحداً".
واعتبر أنه ليست هناك حاجة للجوء للتحكيم الدولي، طالما "لا يوجد خلاف على الصعيد الرسمي، وبالتالي لا يوجد داعٍ للتقاضي".
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السعودي الدكتور خالد الدخيل أن "هناك نوعاً من اللعب بالمفاهيم داخل مصر، يعني القضاء المحلي المصري له الأولوية في القضايا التي تخصُّ مصر، ولكن هذه قضية حدود، وتخضع للقانون الدولي".
وتابع: "ثانياً هي قضية ليست محل تنازع بين مصر والسعودية؛ لأن الحكومات المصرية منذ عام 1950 وحتى الآن لا تتعامل معها أنها قضية تنازع حدود، هي قضية محسومة، حتى من قِبَل الحكومات المصرية".
وفي تفسيره للحكم، قال الدخيل: "يبدو لي أن المحكمة المصرية انطلقت من مسألة دستورية، من أنه لا يجوز التنازل عن سيادة مصرية على أرض مصرية، لكن هذا التعريف لا ينطبق على تيران وصنافير لأنهما سعوديتان".
وحول إمكانية اللجوء للتحكيم الدولي لحسم الأمر، قال الدخيل: "هذا سيعتمد على ماذا سيكون موقف الحكومة المصرية بعد قرار المحكمة، الحكومات المصرية جميعها متفقة على أن هاتين الجزيرتين تعودان للسعودية، فبالتالي هناك مشكلة داخل مصر نفسها، بين مؤسسات الحكومة المصرية وبين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية".
وبين أن "السعودية لا تريد أن تعلق على الحكم، لأنها عملية تنازع داخل الحكومة المصرية، وتنتظر ماذا سيكون موقف الحكومة، وماذا سيكون موقف البرلمان".
وتابع: "صدور الحكم سيضع قيوداً على مناقشات البرلمان، فهل ستستمر الحكومة بطلب تصويت البرلمان، وكيف يتم هذا، ولكن الأهم ما هو موقف الحكومة من هذا الحكم، ولكن يبدو لي أنه قد يكون هنا في النهاية لجوء للمحكمة الدولية، وهذه ستكون واقعة غريبة، حيث إن الحكومة السعودية ستأخذ الحكومة المصرية للمحكمة الدولية وليس بينهما خلاف على هذه القضية، بل هما متفقتان على سعودية الجزيرتين".
ودعت قوى سياسية مصرية إلى رحيل الحكومة عقب صدور الحكم، كما تعرضت لهجوم لاذع في حيثيات الحكم.
وأواخر الشهر الماضي، أقرَّ مجلس الوزراء المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وأحالها إلى البرلمان لمناقشتها، لكن الأخير لم يحدد بعدُ موعداً لمناقشتها.
وتدافع الحكومة المصرية عن الاتفاقية بالقول إن "الجزيرتين تتبعان السعودية، وخضعتا للإدارة المصرية عام 1950 بعد اتفاق ثنائي" بين القاهرة والرياض، بغرض حمايتهما لضعف القوات البحرية السعودية، آنذاك، وكذلك لتستخدمهما مصر في حربها ضد إسرائيل آنذاك.