الموصل تعود للحياة.. سكانها تفاجأوا بتطور التكنولوجيا بعد انقطاعهم عن العالم جراء احتلال داعش

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/13 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/13 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش

في الحارة السادسة من الطريق السريع المؤدي إلى شرق الموصل، يدفع حسين وأخوه عُمر عربةً محمّلةً بالدجاجِ المُجمَّد صوب صوت المعركة.

تغامر بعض السيارات بالمرور عبر الطريق المُغلَق بواسطة سيارات الهامفي السوداء، التي تستخدمها نخبةٌ من قوات مكافحة الإرهاب العراقية في معركتها الدموية لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدار الشهور الثلاثة الماضية.

خرج سكان الموصل إلى الشارع لإعادة ملء مخزون سلعهم الآخذ في النفاد، بينما يحتدم القتال حولهم، بحسب ما ذكر موقع The Daily Beast الأميركي.

يعيش حسين البالغ من العمر 20 عاماً، وأخوه البالغ من العمر 14 عاماً، في حي القدس، الذي حرَّره الجيش العراقي بالكامل من قبضة تنظيم داعش منذ أسبوعين.

اضطرت عائلته إلى إغلاق مطعمها الصغير منذ 4 أشهر عندما أجبرهم ارتفاع أسعار السلع الغذائية على وقف نشاطهم التجاري. لكنهم أعادوا تشغيله بعد أيام من طرد تنظيم داعش من الحي.

وتعد هذه المرة الثانية التي يذهب فيها الأخوان للحصول على الإمدادات اللازمة لمطعمِ العائلة من سوق كوكجلي المزدهر، وهو أول حي يُحرَّر في مدينة الموصل.

احتمى سكان حي القدس بينما يدنو القتال في الجبهة الأمامية للمعركة منهم كموجاتِ المد. فقد واجهت سيارات الهامفي التابعة للجيش العراقي المقاتلين المتشددين المتحصنين بدفاعاتٍ مُعدةٍ بشكلٍ جيدٍ وبسياراتٍ متفجرةٍ، التي حصدت حياة العديد من الجنود العراقيين والمدنيين.

لكن بمجرد زوال خطر الإرهابيين، عادت الحياة إلى طبيعتها. كل يوم، يتدفق سكان المناطق المُحرَّرة من وإلى حي الكوكجلي، لجلب الغذاء والوقود وغيرهما من الاحتياجات الضرورية. فتحت المحال والمطاعم أبوابها مرة أخرى، لينتهي نقص السلع وارتفاع الأسعار، الذي بات حاداً خلال الأسابيع الأخيرة السابقة لتحرير هذه المناطق.

وفي ظل عجز الحكومة ومنظمات الإغاثة الدولية عن إيصال الإمدادات الضرورية لهذه المناطق، باتت مهمة إحياء المدينة ملقاةً على عاتق الشركات الخاصة.

تعبُر الشاحنات المُحمّلة بالبضائع يومياً نقاط التفتيش إلى الحي الذي لا يزال منطقة عسكرية، لتضخ الدماء في شرايين سوق كوكجلي التجاري.

تراجع الأسعار

ومع زيادة السلع المعروضة تراجعت الأسعار، إذ تُباع عُلبة زيت الطعام، التي تسع 20 لتراً، مقابل 50 ألف دينار عراقي، أو ما يقرب من 40 دولاراً، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في مدينة الموصل، بينما تُباع العُلبة بحوالي 12 ألف دينار فقط في حي الكوكجلي.

ويبلغ سعر كيلو السكر في المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون حوالي 10 آلاف دينار، وهو أكثر من المعدل الطبيعي للأسعار بحوالي 10 مرات.

ورغم تراجع الأسعار لا يزال الكثير من السكان يعانون.

عصف تنظيم داعش بالموصل في يونيو/حزيران عام 2014، ونجح بعض مئات من مقاتلي التنظيم في هزيمة قوات الأمن العراقية والاستيلاء على ثاني أكبر المدن العراقية. منذ ذلك الحين، وجد نحو 1.5 مليون شخص أنفسهم مضطرين للإذعان لقيود الجماعة الإرهابية، وخيّم الركود الاقتصادي على المدينة بعد أن عُزلت الموصل عن العالم الخارجي واقتصرت حركة التجارة على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا.

في بادئ الأمر، استمرت مدينة بغداد في دفع رواتب الموظفين الحكوميين في مدينة الموصل، لكنها توقفت عن ذلك في النهاية بسبب اقتطاع تنظيم داعش لجزء من هذه المستحقات كضرائب.

وفي بلدٍ يوظف فيها القطاع العام نسبةً كبيرةً من قوة العمل، يمثّل غياب الأجور الحكومية كارثةً بالنسبة للكثير من العائلات في الموصل.

يقول رجل عجوز يحمل حقائب التسوق، يُدعى أبي عصام، وهو في طريق عودته على الطريق السريع من كوجلي إلى القدس: "باتت أسعار الغذاء أرخص الآن، لكننا بلا عمل منذ أكثر من عامين، وينفد المال منّا. ننتظر وصول منظمات الإغاثة لكن لم يأت أيٌّ منها حتى الآن".

ونظراً لدنو جبهات القتال من هذه الأحياء لا تصل السلع إلى المناطق الموجودة في عمق المدينة، إذ لا تصل الشاحنات القادمة من المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية على حدود الموصل إلى أبعد من حي الكوكجلي. ويضطر السكان المقيمون في مناطقٍ أخرى بالمدينة إلى السير على أقدامهم لساعات كي يشتروا سلعاً بأسعار معقولة من السوق.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول، شنَّت القوات العراقية حملةً لاستعادة الموصل، وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، دخلت قوات مكافحة الإرهاب حي الكوكجلي. ومنذ ذلك الحين تمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة على حوالي 70% من المناطق الشرقية لمدينة الموصل، التي يتوسطها نهر دجلة.

استُقلبت القوات العراقية بترحيبٍ من قبل المدنيين المُبتهجين بقدومها، لكن الأمور لم تعد إلى طبيعتها بشكلٍ كاملٍ في المناطق المُحرَّرة، إذ تنقطع الخدمات الأساسية بسبب القتال ولم تُستعاد بشكل كامل.

يقول أبوعصام، الذي حفرت عائلته بئراً بعمق 7 أمتار في حديقة المنزل بعد أن دمّرت ضربة جوية لقوات التحالف خط المياه الرئيسي بالحي: "لا توجد كهرباء أو مياه. ومع ذلك، فإن الحياة أفضل الآن".

بينما يتحدث أبوعصام، يمكننا سماع دويّ الانفجارات فوق أسطح المنازل بحي القدس والقادم من المعارك الدائرة بحي السومر، وهو منطقة تبعد بضع كيلومترات من جنوب شرق القدس، حيث تشن الطائرات المروحية والقوات البرية العراقية هجوماً لسحق أحد معاقل تنظيم داعش.

يمتزج صوت طلقات الأسلحة الآلية مع صوت مدافع الطائرات المروحية بينما تصوب قذائفها باتجاه مقاتلي تنظيم داعش. وإلى جنوب الغرب، ترتفع سحابة من الدخان الأبيض إلى السماء، بعد أن قام انتحاري بتفجير سيارته المُحمَّلة بالمتفجرات.

عودة الحرية الشخصية بعد الحرمان

بفضل هزيمة التنظيم في المناطق المُحررة، بدأ الناس يتمتعون بحرياتهم الشخصية التي حُرِموا منها طوال العامين والنصف السابقين. اختفت اللحى التي أجُبر السكان على إطلاقها سابقاً خوفاً من الجهاديين، وظهر الرجال بقصات شعر عصرية وحلاقة نظيفة.

يقول زياد، بينما يجلس في سقيفة من المعدن على أطراف سوق كوكجلي مدخناً الشيشة: "أشعر بأنني حي من جديد". يدير زياد، البالغ من العمر 25 عاماً، هذا المحل المؤقت، الذي يقدم فيه الشيشة والشاي منذ عودة الحياة للسوق خلال الشهرين الماضيين. قبل ذلك، كان يعمل في مصنعٍ لمعالجة المياه، حيث كان يشغل هذه الوظيفة قبل وأثناء احتلال تنظيم داعش للمدينة.

إن المحل غير مجهز إلا بماسورتين مياه وبراد شاي، لكن زيادَ سعيدٌ به، إذ يقول مبتسماً: "وظيفتي هي تدخين الشيشة وشرب الشاي طوال اليوم". وبكمية وافرة من الكريم الذي يحافظ على تسريحة شعره، بالإضافة إلى ملابسه العصرية، يبدو أن زياد يتمتع بالحرية، التي حُرم منها لأكثر من عامين.

يقول زياد: "تحت حكم تنظيم داعش، إذا خرجت مع أصدقائك، يوجه لك أعضاء التنظيم الأسئلة ويأمرونك بأن تذهب إلى المسجد. لم نغادر المنزل مطلقاً. لن تتمكن من التعرف عليّ واللحية تكسو وجهي".

في كل ركن حول زياد، يعجّ السوق بالحياة. وتتزاحم أكشاك الفاكهة والخضراوات للحصول على مساحة بالسوق إلى جانب أكشاك بيع السجائر التي عادت مرة أخرى بنكهات مختلفة.

كانت عبوات سجائر "اكتمار" المحلية تباع بحوالي 2000 دينار عندما كان تنظيم داعش يحكم هذه المنطقة من المدينة، لكنها تباع الآن بـ500 دينار، وفقاً لأشرف شهاب، الذي يبيع حالياً سجائر بالسوق بعد أن كان يدير محل بقالة سابقاً.

وتبيع أكشاك أخرى بالسوق هواتف محمولة، وبطاقات الاتصال الهاتفية، وبطاقات ائتمان لشحن خطوط الهواتف بالرصيد. كان تنظيم داعش يجري تفتيشاً بجميع المنازل لمصادرةِ الهواتف المحمولة الخاصة بالسكان منعاً لتمرير أية معلومات للجيش العراقي. يذهب حالياً هؤلاء، الذين لم يتمكنوا من الاحتفاظ بهواتفهم في مكان آمن، لشراءِ هواتفٍ جديدةٍ من السوق.

يقول جاسم محمد، الذي يمتلك تشكيلة من الهواتف الرخيصة التي يعرضها أمامه على كرسيٍّ للبيع، إن حجم مبيعاته يرتفع كلما تحرر أحد أحياء المدينة لأن السكان يأتون إليه لشراء أجهزة جديدة. يأتي جاسم ببضاعته من أصدقاء له في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، وقد ترك بيع الخضراوات، لينخرط في هذه التجارة المُربحة.

ونظراً لانقطاعهم عن العالم الخارجي طوال فترة احتلال داعش للمدينة، فوجئ الناس بتطورات تكنولوجيا الهواتف المحمولة. يشعر حسن، البالغ من العمر 22 عاماً، بالذهول، لأنه تمكن من شراء هاتف"سامسونغ جلاكسي الذكي طراز جي 3 " مقابل 150 دولاراً فقط.

لكن بعد مرور أكثر من عامين على حكم تنظيم داعش الذي عفا عليه الزمن، يقول حسن: "كل شيء بات مفاجئاً بالنسبة لنا".

– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد