رغم تعرضه للقصف.. هكذا تحول جسر الموصل إلى شريان حياة للمدنيين

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/12 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/12 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش

أصبحت أنقاض الجسر الذي قصفه تنظيم الدولة (داعش) بالموصل لمنع تقدم القوات العراقية بمثابة شريان حياة للمدنيين، حيث فقد المتشددون بعد قصفه فرص السيطرة على المزيد من أحياء المدينة الشمالية.

ويتدافع الرجال والنساء والأطفال وكبار السن على ضفتي نهر الخوصر، أحد روافد نهر دجلة، الذي يبلغ عرضه نحو 30 متراً وعمقه متراً واحداً والذي عبرته قوات مكافحة الإرهاب الأسبوع الماضي خلال إحدى غاراتها الليلية.

ويزحف المدنيون -بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية- عبر السلالم الخشبية والمواسير نحو الجسر، الذي انهار في المياه الموحلة، مروراً إلى الضفة المقابلة على امتداد مسار محفوف بالقاذورات.

ويحمل هؤلاء الفارون شرقاً إلى حي الزهور حقائب على عربات أطفال ومقاعد متحركة، بينما يحمل العائدون نحو الغرب إلى المثنى أكياس الأرز والبطاطس والبصل وكراتين البيض وعبوات حفاضات الأطفال. وعادة ما تبلغ الرحلة في كلا الاتجاهين عدة كيلومترات.

الجنرال بالجيش العراقي سامي الأريدي، ذكر هذا الأسبوع بعد القيام بجولة سيراً على الأقدام على كلتا ضفتي النهر: "يوجد الآن أناس يدخلون وآخرون يغادرون".

وأضاف: "هؤلاء الذين رحلوا يعودون، وهؤلاء المغادرون يأتون من أحياء يوجد بها مصادمات في الوقت الحالي".

وقال إنه يتوقع أن يعود هؤلاء الذين تم إجلاؤهم خلال يوم أو اثنين؛ حيث إن القوات العراقية قد اقتربت نحو الغرب.

"الله موجود"


كان فواز، المعلم البالغ من العمر 46 عاماً والعائد إلى منزل أسرته بالمثنى يوم الإثنين 9 يناير/ كانون الثاني 2017 عبر الجسر المفتت، يحمل وعاءً مملوءاً بالوقود في إحدى يديه وحقيبة من الطعام الطازج في يده الأخرى.

وقال واصفاً الظروف القاسية التي يواجهها العديد من السكان بعد بدء حملة استعادة الموصل في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول: "قضينا شهرين بلا طعام، باستثناء ما كنا قد قمنا بتخزينه". وقال فواز إنه فقد 30 كغم (66 رطلاً) من وزنه خلال تلك الفترة.

عبر فواز الجسر في وقت سابق من اليوم؛ لشراء المؤن والمرور على محل عمله السابق، ولكنه كان يعود قبل حلول الظلام إلى الحي الذي يقطنه.

تجاهل فواز المخاطر وضحك، معرباً عن الإيمان العميق لدى أهالي الموصل على مدار عامين ونصف العام من الخضوع لسيطرة داعش الوحشية، وقال: "الله موجود".

"البقاء وسط المعارك خير من المخيمات"


وعلى امتداد الطريق المتجه غرباً نحو أطلال المدينة القديمة، تنطلق سيارات الهامفي المدرعة على أحد الجانبين؛ لنقل الجنود من وإلى خطوط المواجهة، حيث يقاتلون انتحاريي تنظيم داعش باستخدام المدافع الرشاشة والصواريخ والضربات الجوية.

ويسير المدنيون، ومن بينهم الأطفال الرضع والمعاقون، على الجانب الآخر من الطريق. ويفر العديد منهم من المصادمات حاملين مقتنياتهم الغالية فقط، بينما يقوم آخرون بمهام معتادة؛ مثل: شراء السلع، أو إعادة توصيل الكابلات الكهربائية.

وتندفع سيارة هامفي على امتداد الطريق لدعم القوات، فيما وراءها يقود رجل دراجة مرتدياً "زنطاً" وسط الغبار الذي تثيره السيارة. وتمر سيارتان هامفي أخريان في الاتجاه المعاكس يحملان مدنيين معاقين على أسرَّتهم المكشوفة.

وقال أحد الجنود الذي يتولى حراسة موقع القيادة: "ترون بأعينكم. إحدى اليدين تقاتل والأخرى تقدم المساعدة".

وهناك متجر مفتوح بالشارع وصبي صغير يبيع علب بذور دوار الشمس للجنود.

ويلعب الأطفال الصغار، وأحدهم يحمل دمية باربي، في الشوارع الجانبية، حيث تتدلى أشجار البرتقال؛ جراء ثقل وزن الثمار الناضجة. ويتولى أحد الجنرالات مرتدياً زياً أسود توزيع الشوكولاتة.

ولا يخشى الأطفال صوت الانفجارات أو إطلاق النيران. وخلال إحدى المصادمات التي وقعت بمنطقة مجاورة، يقف صبيان لا يتجاوزان العاشرة من العمر بالطريق، حيث تتناثر الرصاصات الطائشة.

وذكر أحدهما قائلاً: "ها هي الطائرة الأباتشي. إنها قادمة! سوف تقضي عليهم"، وأضاف: "لقد اعتدنا ذلك".

ويذكر أهالي الموصل أنه رغم المخاطر الواضحة، فهم يفضلون البقاء بمنازلهم على الإقامة بالمعسكرات خارج المدينة، حيث تكون الظروف قاسية للغاية والانتقالات محظورة.

فر نحو 135 ألف مواطن إلى معسكرات خارج الموصل تتولى الحكومة ومنظمات المساعدات الإنسانية إدارتها. وقد أدى التقدم السريع للقوات إلى سرعة نزوح السكان خلال الأسبوعين الماضيين. ومع ذلك، تظل تلك الأعداد تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي عدد السكان.

وقال أبو أحمد الذي يزور أسرته بحي الزهور خلال عطلة نهاية الأسبوع: "لم نمكث بمنازلنا وتحملنا كل هذا القصف وكل شيء؛ كي نعيش داخل مخيمات فقط".

فالحرب التي تدور رحاها على امتداد الطريق لا تشعره بالقلق.

وقال قبل أن يسقط أرضاً ويفر بحثاً عن ملاذ وسط القصف الصاروخي: "إن شاء الله، لن يحدث شيء".

وسرعان ما أصبح الشارع الذي يقف به خالياً من المدنيين والجنود. وبعد 15 ثانية، انفجر صاروخ على بعد نحو كيلومتر واحد وانبعثت سحابة من الدخان الرمادي في السماء.

وحلت أصوات طلقات الرصاص محل البهجة وعمليات لمّ الشمل التي كانت تملأ الشارع منذ لحظات.

وقف أبو أحمد مرة أخرى وهو يكتم ضحكاته وينفض التراب عن ملابسه، ويقول: "صاروخ! الحمد والشكر لله".

مهمة معقدة


وقد حذرت الأمم المتحدة من إمكانية أن تؤدي الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة لطرد تنظيم داعش من الموصل، وهو أكبر معاقل التنظيم في العراق أو سوريا، إلى نزوح 1.5 مليون شخص.

ومع ذلك، بعد خضوع معظم النصف الشرقي للمدينة حالياً لسيطرة القوات الحكومية، يمكث غالبية المواطنين بمنازلهم أو ينتقلون بصفة مؤقتة للسكن مع أقاربهم في أحياء أخرى.

وقد أدى ذلك إلى تعقد مهمة القوات، التي يتعين عليها القتال وسط المدنيين في مناطق سكنية ضد عدو يستهدف المدنيين ويختبئ فيما بينهم.

وتعد الحرب، التي يشنها 100 ألف من القوات البرية العراقية وأفراد قوات الأمن الكردستانية المتمتعة بالحكم الذاتي ورجال الميليشيات الشيعية، بمثابة أكثر المعارك تعقيداً في العراق منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وحينما شنت الحكومة هجومها في أكتوبر 2016، كانت تأمل استعادة المدينة بحلول نهاية العام ذاته. ومع ذلك، ذكر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في ديسمبر/كانون الأول، أن العمليات العسكرية قد تستغرق 3 أشهر أخرى؛ حتى تتمكن من طرد المتمردين من المدينة.

– ­هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد