لطالما كانت سلطنة عمان الواقعة بين جارتين كبيرتين منخرطتين في صراع إقليمي تمثل بالنسبة للشرق الأوسط ما تمثله سويسرا المحايدة بالنسبة للدبلوماسية العالمية. لكن سياسة مصادقة الجميع وعدم معاداة أحد التي تنتهجها السلطنة أصبحت تحت ضغط ثقيل.
لم تجد عمان من السهل مطلقاً موازنة العلاقات مع السعودية الواقعة إلى الغرب منها وإيران في شمالها، لكن التنافس الذي يزداد شدة بين القوتين المهيمنتين في المنطقة يختبر سياستها الراسخة بعدم الانحياز أكثر من أي وقت مضى.
ويتعدى أثر تلك السياسة حدود السلطة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي على مضيق هرمز، الذي يمر به 40% من النفط الخام العالمي المنقول بحراً.
فقد ساعدت عمان في التوسط في المحادثات الأميركية الإيرانية عام 2013 التي أدت إلى اتفاق نووي تاريخي وقع في جنيف بعد عامين. وساعدت أيضاً في تحرير رهائن أميركيين في اليمن.
ويعتقد العمانيون أن دور صانع السلام هذا على النسق السويسري حيوي في المساعدة في منع انزلاق الشرق الأوسط أكثر في الفوضى.
وقال توفيق اللواتي، عضو مجلس الشورى العماني "نأمل أن تلتزم عمان بنفس السياسة. إن صراعاً شاملاً بين إيران والسعودية سيكون كارثياً بالنسبة للجميع".
بيد أن السعودية التي تقود حملة قصف ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن تصرُّ على ضرورة تقارب دول الخليج العربية لمواجهة إيران.
وفي الوقت نفسه تجد عمان صعوبة في احتواء عجز كبير في الميزانية يرجع في جانب كبير منه إلى انخفاض أسعار صادراتها من النفط. وتتطلع مسقط بالتالي إلى زيادة التبادلات التجارية مع إيران في أعقاب تخفيف العقوبات الدولية على طهران بموجب الاتفاق النووي لدعم اقتصادها.
ونتيجة لذلك يتعين على مسقط السير على حبل دبلوماسي مشدود.
وقال اللواتي "تكون لدينا بالفعل خلافات مع السعودية في بعض الأحيان ومع إيران أيضاً. لكن لا يزال ما يجمعنا جميعاً أكثر".
وفاجأت مسقط جيرانها الأسبوع الماضي بالموافقة على الانضمام لتحالف عسكري تقوده السعودية، ليس التحالف الذي يقاتل في اليمن، بل تجمع أكبر منفصل يستهدف رسمياً قتال تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات مسلحة أخرى، لكن يشتبه أيضاً بأن الهدف منه هو مواجهة طهران في أنحاء العالم الإسلامي.
وأشاد مواطنو دول الخليج العربية بالقرار ووصفوه بأنه علامة على أن دولهم رصت الصفوف ضد التهديد الإيراني المفترض. وقال الكاتب الصحفي السعودي تركي الدخيل إن عمان "عادت لحضن الخليج".
وقالت مصادر سعودية وخليجية، إن من المتوقع أن يزور العاهل السعودي الملك سلمان مسقط قريباً، فيما ستكون علامة على تعزيز العلاقات. وقال مسؤول خليجي "المواقف الواضحة لازمة في الأوقات الحرجة. نعرف بالطبع أن عمان ستقف معنا".
لا تزال محايدة
ومع ذلك قد تجد عمان صعوبة في إرضاء جيرانها الخليجيين الأكثر ثراء بشكل مستمر. فهم يفسرون الحياد بأنه تجاهل للأمن الخليجي المشترك خلال حروب في العراق وسوريا واليمن، حيث تدعم الرياض وطهران أطرافاً متصارعة.
ويشير الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية إلى مخاوف عمان من انتشار تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة اللذين تعهدا بشن هجمات على دول الخليج العربية. وتواجه عمان أيضاً قدراً من عدم التيقن في الداخل مع عدم تسمية السلطان قابوس البالغ من العمر 76 عاماً من سيخلفه حتى الآن.
لكن التحول عن مبدأ التوازن في السياسة الخارجية ليس متوقعاً فيما يبدو.
ووصف دبلوماسي عماني سابق -رفض الكشف عن هويته- ذلك التحرك بأنه بادرة "رمزية إلى حد بعيد" لترضية الرياض، وقال إنها "لن تشمل التزاماً مادياً يذكر".
وأشار أحمد المخيني، وهو أمين عام سابق لمجلس الشورى العماني إلى أن هذه الخطوة ربما تعطي عمان تأثيراً أكبر لتهدئة التوتر الإقليمي لكنها "لن تقوض استقلالنا".
وأضاف: "بل ربما تعطي عمان نفوذاً ومساحة أكبر للعب دور أفضل في هذا التحالف والمنطقة. وبالانضمام للتحالف تحمي عمان نفسها من انتقاد السعودية".
سياسات خطوط الأنابيب
وثمة مخاطر اقتصادية للتقارب مع السعودية. ويقول محللون إن أي تصور بأن مسقط تتحالف مع الرياض ربما يثير حفيظة إيران. ولدى إيران احتياطيات أجنبية بمليارات الدولارات في البنوك العمانية، وقد تتراجع عن المشروعات التي تعهدت بتنفيذها في السلطنة.
وأعطى الاتفاق النووي أملاً لقفزة في التجارة بين عمان وجارتها الغنية بالغاز. وتتوقع مسقط أن تُسرع نهاية العقوبات إكمال خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي تأمل أن يغذي صناعاتها الكثيفة الاستهلاك للطاقة.
وقال جورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي لجلف ستيت أناليتيكس "عمان بحاجة للتعاون الاقتصادي الذي تعهدت به إيران… خط الأنابيب الذي يعتزم البلدان مده تحت البحر جزء مهم من خطط السلطة للتنمية الاقتصادية".
وتعتبر عمان الاستثمارات الأجنبية القادمة من إيران -بما في ذلك مصنع سيارات ومجمع مستشفيات ومصنع لتكنولوجيا النانو- عاملاً مساعداً في تنويع موارد الاقتصاد بدلاً من الاعتماد على النفط.