بينما تجلس في شقتهم الجديدة في تركيا، ما زالت فاطمة العبد لا تصدق خروجهم من حلب على قيد الحياة.
خشيت فاطمة أن تصب قوات النظام غضبها عليها وعلى ابنتها، انتقاماً من الطفلة ذات السبعة أعوام، والتي أتاحت تغريداتها على موقع تويتر نافذةً للعالم كي يرى الدمار في وطنها عندما سقطت مدينة حلب في الشهر الماضي.
وفي حديثها مع صحيفة تلغراف البريطانية، روت فاطمة القصة الكاملة لهروبها من المدينة المُحاصَرة ومن بلدها التي تحبها.
رمزاً لأطفال سوريا
وقالت إنها كانت تفكر، خلال الأيام اليائسة الأخيرة، ما إذا كانت ستُجرّب حظها وتتفاوض مع النظام لإطلاق سراحهم أم ستحاول الهروب بعائلتها خارج البلاد.
وفي النهاية، أدركت أن الخيارَ الأولَ محفوفٌ بالمخاطر، خاصةً أن العديد من الأشخاص الذين تعرفهم اختفوا بعد انتقالهم إلى الجانب الآخر من المدينة، الذي تسيطر عليه القوات النظامية.
لكن الخيار الآخر يُعد خطراً هو الآخر، إذ أن مقاطع الفيديو والصور التي التقطتها بانا بينما كانت تُوثِّق الدمار الذي ألحقه نظام بشار الأسد بالمدينة، والتي نشرتها أمها فاطمة على موقع تويتر وشاهدها ملايين الأشخاص، جعلت من السهل التعرف عليهم على الفور.
باتت بانا رمزاً يمثل أطفال سوريا الذين يعيشون كابوس الحصار والقصف. لكن الأسد رفض الاعتراف بحساب بانا على تويتر، الذي تنشر من خلاله تغريداتها، واعتبره مجرد دعاية مضادة للنظام.
وقالت فاطمة، مُتحدثةً من تركيا: "كان خوفنا أكثر من مخاوف الآخرين، إذ كان الجنود سيختطفون بانا حال رؤيتها".
اللحظات الأسوأ
وخلال الأسابيع الأخيرة التي قضوها في حلب الشرقية، اضطرت العائلة لترك منزلها في حي الشعار، بعد قصفه جواً وإصابة زوجها جراء القصف.
وفي الوقت الذي كانت تتمركز فيه القوات النظامية لمحاصرة آخر المعاقل التي تسيطر عليها قوات المعارضة، كانت فاطمة وعائلتها تتنقلان كل بضعة أيام من بيتٍ مهجورٍ إلى آخر.
أتاحت الهدنة واتفاق إخلاء السكان من حلب الشرقية، والذي أُبرم بين النظام والمعارضة السورية في الـ31 من ديسمبر/كانون الأول، الفرصة لفاطمة كي تشعر بالقليل من الراحة.
Last day in #Aleppo. , I will return one day pic.twitter.com/MuL7PBZTly
— Bana Alabed (@AlabedBana) December 29, 2016
تقول فاطمة: "كانت اللحظات الأخيرة في حلب هي الأسوأ". قضت بانا وعائلاتها 3 أيام في الشارع في انتظار حافلات الحكومة، والتي تأخر وصولها بسبب خلافاتٍ بين النظام والمعارضة.
تدثرت بانا وأخويها الصغيران، محمد ونور، بكل ما بحوزتهم من ملابسٍ للتدفئة في ظل درجات حرارة تنخفض دون الصفر. واستخدمت فاطمة وزوجها غسان كل ما تبقى من ممتلكاتهم لإشعال نار.
قالت الأم، التي تبلغ من العمر 26 عاماً وتعمل مدرسة لغة إنجليزية: "انتظرنا لوقتٍ طويلٍ في البرد دون طعام أو مياه نظيفة. اعتقدنا أنهم لن يأتوا مطلقاً. كنّا في غاية القلق والخوف. خفنا أن نموت هناك ونحن ننتظر".
وتابعت والدة بانا التي كانت تظهر مع طفلتها في فيديوهات خلال وجودهم في حلب: "وحين وصلت الحافلات أخيراً، اتخذت فاطمة القرار الصعب بإرسال ابنتها مع عائلةٍ أخرى لمنع اكتشاف هويتها".
وقالت فاطمة لصحيفة تلغراف: "لقد كنت حريصةً للغاية. وُضعت بانا في حافلة أخرى بمفردها بينما اختبأت مع أشخاصٍ آخرين. تواريت خلف حجابٍ غطيت به وجهي، وكنت أنظر للأسفل طوال الوقت. ومكثت في مجموعاتٍ كبيرةٍ من الأمهات الأخريات حتى أُبقي هويتي مجهولة. كنت قلقة للغاية على بانا وشعرت أن الخوف سيقتلني".
اختلطت الكثير من المشاعر ببعضها لدى العائلة أثناء الرحيل عن حلب، المدينة التي لم يعرفوا غيرها. ولقد دمرت خطة النظام "استسلم أو مت جوعاً" حلب الشرقية تماماً. كانوا يدركون أن تخليهم عن حلب يعني تخليهم عن الثورة، لكنهم كانوا يشعرون أيضاً بالامتنان لانتهاء معاناة أطفالهم.
"نحن في الجنة"
لفتت تغريدات بانا انتباه الحكومة التركية، والتي تعد داعماً رئيسياً للمعارضة ضد نظام الأسد. لذا، عندما وصلت عائلتها إلى شمال سوريا، أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ممثلاً خاصاً للقائهم وإجلائهم عن البلاد جواً.
I was pleased to host @AlabedBana and her family at the Presidential Complex today. Turkey will always stand with the people of Syria. pic.twitter.com/VuPtmFl7Lr
— Recep Tayyip Erdoğan (@RT_Erdogan) December 21, 2016
قالت فاطمة: "عندما وصلنا تركيا، صرخت بانا: "نحن في الجنة". فهي لا تدرك أن العالم خارج حلب لم يُقصف".
حظت العائلة بلقاءٍ خاصٍ مع أردوغان، الذي وقف أمام الكاميرات لالتقاط صورٍ له بينما تجلس بانا على حِجْره.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، بدأت فاطمة وزوجها غسان وأطفالها الثلاثة يتأقلمون مع حياتهم الجديدة في تركيا، في مكانٍ تتحفظ صحيفة تلغراف بحقِ عن الإفصاح عنه لضمانِ سلامتهم.
قالت فاطمة: "تُحب بانا محيطها الجديد لأن كل ما عرفته سابقاً كان دماراً. يستمتع أخواها بأكل الحلوى والبسكويت لأول مرة منذ أشهر. فهم لم يحصلوا على طعامٍ حقيقيٍ منذ وقتٍ طويلٍ. حتى أنا تشوَّقت لهذا الطعام".
لم تعد تراود بانا الكوابيس التي كانت تزعجها كل ليلةٍ، وتعتزم الآن قراءة السلسلة الكاملة لقصة هاري بوتر، والتي أرسلتها لها الكاتبة جوان راولينج، للتعبير عن دعمها للطفلة السورية.
لم يُسجل الأطفال بعد في المدرسة، لكنهم يأملون أن يتم هذا بمجرد الموافقة على طلب لجوئهم. ما زالت بانا تحلم أن تتابع مسيرة أمها في التدريس، وتأمل أن تعود يوماً ما إلى حلب.
قالت فاطمة بنبرةٍ حزينةٍ: "بالطبع نريد العودة. ستظل سوريا دائماً وطننا. لكنني لا أعرف متى سيحل السلام بها مرة أخرى".
وأضافت: "أتمنى فعلاً أن يصل الأسد والمعارضة إلى اتفاقٍ يوماً ما. لا يهمنا من سيعتلي السلطة، حتى وإن كان الأسد. نريد فقط السلام. ما يهم هو حياة الناس وليس السلطة".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Telegraph البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.