نحن نحب الفرح إذا ما استطعنا إليه سبيلاً

قبل أن تحتفل بذكرى ميلاد طفلك الذي يعتبر من أهم الأحداث في حياتك، قبل أن تحتفل بمولد نبي، وقبل أن تهنئ أصدقاءك وعائلتك بمناسبة، وقبل أن تبارك عيداً لصديق أو قريب من ديانة أخرى، وقبل حتى أن تجعل من مناسبة ما فرصة لاجتماع العائلة والأصدقاء واقتناص بعض لحظات الفرح، قبل كل هذا عليك أن تبحث عن فتوى في الأمر، كأنك ستقترف كبيرة، وكأنك ستخرج من الملَّة أو ستتزعزع عقيدتك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/03 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/03 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش

قبل أن تحتفل بذكرى ميلاد طفلك الذي يعتبر من أهم الأحداث في حياتك، قبل أن تحتفل بمولد نبي، وقبل أن تهنئ أصدقاءك وعائلتك بمناسبة، وقبل أن تبارك عيداً لصديق أو قريب من ديانة أخرى، وقبل حتى أن تجعل من مناسبة ما فرصة لاجتماع العائلة والأصدقاء واقتناص بعض لحظات الفرح، قبل كل هذا عليك أن تبحث عن فتوى في الأمر، كأنك ستقترف كبيرة، وكأنك ستخرج من الملَّة أو ستتزعزع عقيدتك.

قد تجد فتوى تجيز الأمر وتحتفل، وقد تصادف أخرى تنهى وتحرم فتقف حائراً بين أن تحتفل وتهنئ وتسعد من حولك وتتعايش مع المختلفين معك، وستشعر في الوقت ذاته بتأنيب ضمير؛ لأن ما تفعله حرام، أو تتبع رأي شيخ وتمتنع عن تهنئة جارك الذي لا يتردد في مساعدتك كلما احتجت لذلك، وقد يشاركك أعيادك، قد تمتنع عن تهنئة قريب من ديانة أخرى يشاركك أفراحك وأعيادك، قد تكسر قلب حبيب أو صديق.. فتبث الضغينة في النفوس بدل التعايش والتسامح، وكأن دينك على كفَّة تفاصيل بسيطة، وسيسقط منك بتهنئة أو احتفال.

لا أعلم لماذا نضطر للعودة في كل التفاصيل إلى فتاوى شيخ؟ أليس الدين دين يُسر؟ أليس الأصل في الدين الإباحة؟ لا أعلم ما الذي يدفعنا إلى البحث عن فتوى أخرجها في وقت محدد وفي ظروف معينة؛ لنسقطها على أحداث حديثة بتفاصيل وظروف مختلفة.

يحرم البعض تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، ويبررون ذلك بأن التاريخ ليس صحيحاً؛ لأن عيسى -عليه السلام- وُلد في الصيف، والدليل أن الله قال في سورة مريم: "وهُزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً"، والرطب لا يكون إلا في الصيف، لكن كيف نؤمن بمعجزة مريم -عليها السلام- التي أنجبت مَن كلَّم الناس في المهد ودون أن يمسها بشر ولا نؤمن بمعجزة رطب في الشتاء؟ مع العلم أنه في بعض المناطق يوجد نوع من التمور لا ينضج إلا في فصل الشتاء، ولنعتبر أن التاريخ غير صحيح، فما المانع من تهنئتهم حتى لو لم يكن التاريخ صحيحاً؟ ألسنا أولى بعيسى أيضاً؟

ومن يعتبر تهنئتهم اعترافاً بأن عيسى ابن الله وبأن الله ثالث ثلاثة، فمنذ متى كان الخروج من الملة سهلاً بهذه الطريقة؟ إذا كان الأمر بهذه السهولة فيمكن اعتبار أن كل من عايَد مسلماً فقد أسلم، ومن هيَّأ له ظروف الاحتفال وسمح له بصلاة العيد وذبح الأضحية في دولة أجنبية فقد آمن.

الأمر لا يقتصر على مَن يختلف معنا في الدين، بل حتى من يحتفل بذكرى مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتبر عند الكثيرين مذنباً، وابتدع بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، بالرغم من أنه يمكننا اعتبارها سنة حسنة؛ لأنها مناسبة لإدخال الفرح والسرور.

لماذا يسعى البعض جاهداً إلى إفراغ الدين من كل مظاهر ومشاعر الفرح؟ لماذا يسعى البعض إلى ربط الدين بالنكد؟ لماذا يعمل الكثيرون على تقزيمه وربطه بتفاصيل هي في الأصل لا تغير شيئاً؟

الله قال: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"، وأحب الأعمال إليه هو إدخال السرور على القلوب، فدعوا الناس تفرح، رحمكم الله، دعوهم يفرحون كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وأبعدوهم عن النكد ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد