لم يتردد الناشطون في أحزاب اليسار التونسي في وصف المهندس، محمد الزواري، بالشهيد. في المقابل، لماذا يصمت اليساريون عن جرائم نظام بشار الأسد التي يرتكبها بحق الشعب السوري؟.
في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اُغتيل مواطن تونسي رمياً بالرصاص أمام منزله في مدينة صفاقس. ووفقا لمصادر صحفية إسرائيلية، فإن بصمة الموساد كانت واضحة في هذه العملية.
ويعتبر محمد الزواري، رائداً في مجال صنع الطائرات من دون طيار، وقد نُفي سابقاً من تونس بسبب انتمائه لحركة النهضة، قبل أن يعود إلى البلاد سنة 2011، إثر اندلاع الثورة التونسية، وذلك بعد أن قضى عدة سنوات متنقلاً بين دول الشرق الأوسط، أهمها سوريا، بحسب صحيفة ليبيراسيون الفرنسية.
وبعد اغتياله، أكدت كتائب عز الدين القسام، الذراع المسلح لحركة حماس، أن هذا العالِم كان الشخص الذي يقوم بتطوير سلاحه الجوي.
وبحسب الصحيفة الفرنسية تجدر الإشارة إلى أن إدانة هذا الاغتيال هو أمر ضروري، خاصة إذا تأكد فعلاً وبالدليل القاطع أن الموساد الإسرائيلي يقف وراء هذا الاغتيال، الأمر الذي من شأنه أن يؤكّد أن إسرائيل مازالت تواصل سياسة ضرب القوانين الأممية الدولية عرض الحائط، فهي تقتل بدم بارد كل من تضعه على قائمة أعدائها، ولا تتوانى عن مطاردته في كل أنحاء العالم.
من جانب آخر، أدان أغلب وجوه المجتمع المدني في تونس هذا الاغتيال. كما نعتت جميع الأحزاب السياسية، خصوصاً اليسارية منها، والمنظمات التي تعنى بالمهاجرين التونسيين في فرنسا، محمد الزواري بشهيد القضية الفلسطينية. لكن ما يثير الدهشة، هو ليس تحرك السياسيين لاستنكار اغتيال الزواري، وإنما صمتهم الرهيب إزاء مجزرة حلب التي تزامنت مع حادثة الاغتيال فضلاً عن استنكار أقلية من النخب التونسية للمجازر التي تُرتكب في حقّ الشعب السوري.
ومنذ أشهر طويلة، يتعرض السوريون لعمليات قصف مكثفة وبلا هوادة من قبل النظام السوري المدعوم بالطيران الروسي والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية المدربة في إيران فضلاً عن ذراعها العسكري في لبنان، حزب الله. لكن، فضّل اليسار التونسي الصمت، كما هو الحال بالنسبة لعدة دول مغاربية، أمام بشاعة هذه المجازر.
بل أسوأ من ذلك، فقد ذهب بعض قادة الأحزاب اليسارية التونسية لمباركة ما يقوم به النظام في سوريا وحليفه الروسي بعلة مناصرتهم للحرب ضد الإرهاب والتطرف. لكن، ألا يستحق ضحايا مجزرة حلب من هؤلاء وصفهم بالشهداء كما حصل مع الزواري؟.
وبحسب الصحيفة الفرنسية في الواقع، يمكن اشتمام رائحة "فضيحة" تحرج اليساريين في تونس، فهم من جهة يدافعون عن النظام المجرم في دمشق بتعلة أنه يطارد ويقاتل المتطرفين، لكن في نفس الوقت، تراهم ينعتون المهندس محمد الزواري بالشهيد، مع العلم أنه وضع كل إمكانياته في خدمة حركة إسلامية تحكم مدينة غزة الفلسطينية.
من جهة أخرى، يقدم هؤلاء اليساريون أنفسهم "كحماة العلمانية" في تونس، لكنهم يدعمون في نفس الوقت نظاماً مسيراً من "الجمهورية الإسلامية" الإيرانية ومدعوماً من حزب ديني شيعي متعصب لمذهبه، يدعى حزب الله.
كما ينتقد أحزاب اليسار التونسي بشدة ممارسات الكيان الصهيوني. في المقابل، يطبقون سياسة "صمت القبور"، إذا ما تعلق الأمر بالحديث عن حمامات الدم التي يعاني منها العالم العربي خاصة وأن جميع أبناء المغرب العربي يتبعون نفس هذه السياسة، كما ترى الصحيفة الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب العربي ارتكب العديد من الأخطاء تجاه هذه القضايا العربية؛ أولها، خطأ أخلاقي، يتمثل في الصمت الرهيب تجاه ما يعانيه السوريون، أو تبرير ما يقوم به النظام المجرم. أما الخطأ الثاني، فهو سياسي بحت، فهم يتضامنون مع القضية الفلسطينية من جانب الانتماء إلى نفس الهوية، وليس من جانب أنهم شعب مظلوم يبحث عن استرداد حقوقه وحرياته الدولية. لكنهم للأسف، لم يفهموا بعد أن تغيّراً في الآراء يعزز محاربتهم للإنسانية التي ظنوا أنهم يدافعون عنها.
"هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Libération الفرنسية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا".