"كانت وبكل ما تحمله الكلمة من معنى معركة وجود، إما الاستقلال أو الموت، لا خيارات أخرى متاحة لنا، كنا نقاتل تحت ذات العلم الأخضر بنجومه الثلاث".
ليس هذا وصفاً لمعركة حلب بل لمعركة لا تقل أهمية عنها وهي معركة استقلال سوريا.
يقول صاحب هذا الوصف طه زيدان أحد مجاهدي الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي لـ"عربي بوست" كان " إعلان الاستقلال عن فرنسا عام 1946 هو ثمن دماء وتضحيات آلاف السوريين في الغوطة، وادي بردى، حلب، حمص وحوران وعلى امتداد كل شبر من أرض سوريا".
ما يحز بنفس الرجل التسعيني اليوم بملامحه المتعبة والتجاعيد التي تملأ وجهه أنه لم يمت قبل أن " يرزح بلده مجدداً تحت استعمار جديد" بهذه العبارة لخص المجاهد السوري حلب "المحتلة من قبل الروس" على حدّ وصفه ووصف حلبيين كثيرين قابلتهم "عربي بوست" سراً داخل المدينة.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد وقع في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وبعد زيارة سرية إلى العاصمة الروسية موسكو اتفاقية تسمح لروسيا بنشر وحدات من قواتها الجوية البحرية والبرية بدون تحديد مدة زمنية لوجودها وعلى امتداد الأراضي السورية وفق ما تقتضيه مصالح روسيا والنظام ودون أن تمتلك الحكومة السورية الحق في تفتيش أو محاكمة أو التدخل في آلية عمل القوات الروسية الموجودة على أراضيها.
الاتفاقية أخذت شكلها الرسمي بعد توقيعها في دمشق من قبل سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي وفهد جاسم الفريج وزير الدفاع السوري بتاريخ 26 أغسطس/آب 2015، معيدة إلى أذهان السوريين اتفاقية الانتداب الفرنسي التي فرضتها عصبة الأمم المتحدة على سوريا عام 1922.
هل هم أفضل من المليشيات
هذا "الطابع الاحتلالي" كما يصفه سكان حلب بدأ يترسخ مع انتشار وحدات من الجيش الروسي مؤخراً تحت اسم "قوات الشرطة العسكرية الروسية" في شوارع مدينة حلب شمال سوريا بحجة الحفاظ على الأمن.
وذلك بعد أن قامت ذات القوات بالإشراف على تهجير أكثر من 80 ألف حلبي عن مدينتهم مقابل وقف القصف وإنهاء الحصار الذي عاشوه لشهور طويلة.
حاول الجنود الروس منذ لحظات انتشارهم الأولى أن يقدموا أنفسهم باعتبارهم أفضل من الميليشيات وسعوا لكسب ود السكان المحليين. تقول هاجر 25 عاماً والمقيمة في مدينة حلب.
تتابع لـ"عربي بوست" لقد "قاموا بتوزيع سلات غذائية على بعض السكان كما حاولوا كسب ود الأطفال إما بتوزيع الحلويات والسكاكر عليهم، أو من خلال محاولات تعليمهم أغانٍ شعبية روسية".
بالنسبة لهاجر هم بالتأكيد قوات عسكرية أجنبية لا يجب لهم التواجد في بلادنا، لكنهم أفضل بكثير من الميليشيات العراقية واللبنانية التي انتشرت في شوارع حلب خلال فترة القتال ضد قسم الشرقي من المدينة.
هاجر هي واحدة من كثيرين كانت تعاني من مقاتلي الميليشيات الذين يتعمّدون إزعاجهم في كل المناسبات.
توضح "التفتيش المبالغ فيه حتى للنساء، الشعارات والأغاني الطائفية التي كانوا يرددوها كلما مررنا من حواجزهم، وكلامهم حول ضرورة الانتقام من كل السوريين تلبية لثأر حملوه معهم منذ مئات السنين، كل ذلك اختفى اليوم بعد انتشار الجنود الروس".
وعن ما كانت تتعرض له خلال مرورها على حواجز الميليشيات.. تقول هاجر: كنا نتعرض لكل أنواع المضايقات التي يمكن تخيلها، طبيعة عملي تفرض علي التنقل الدائم بين أحياء المدينة، مما يعني مروري بأربعة حواجز يومياً على أقل تقدير".
المضايقات كانت في كثير من الأحيان تتعدى كونها لفظيه لتكون جسدية أيضاً، إضافة لكم الإهانات الكبير الذي نسمعه فقط لأننا سوريون لم يكن يحتمل. على حد قول هاجر
تضيف "اضطررت منذ شهرين تقريباً إلى تغيير طريقي الاعتيادي نحو المنزل بسبب أحد العناصر الذي يهددني بمصير أسود ما لم أوافق على الزواج به لفترة محددة"، حسب قولها.
استعمار جديد
"إنه الاستعمار ذاته مجدداً غصّة، حرقة، أو شعور تام بالهزيمة ربما، أنا لا أملك القدرة على وصف ما أصابني عندما شاهدت الجنود الروس ينتشرون في شوارع مدينتي"، هكذا يقول أبو سالم 35 عاماً المقيم في حلب لـ"هافينغتون بوست عرب.
أبو سالم الذي فسر لـ"عربي بوست" بقاءه على الحياد طوال سنوات الحرب التي عاشتها بلاده بأنه لم يتجرأ يوماً على الوقوف ضد أي من أبناء وطنه.
قال: كان الصراع طوال تلك السنوات صراعاً بين أبناء البيت الواحد، بين أخوة فرقتهم الظروف والسياسة، لكن اليوم ومع احتلال جنود غرباء يتكلمون لغة غريبة ويحملون أعلاماً روسية لشوارعنا تحولت القضية إلى استعمار، إلى قوة أجنبية محتلة تفرض ما تريد بقوة السلاح.
وأضاف "لا يهمني إن كانت موجودة بالاتفاق مع أحد الأطراف أم لا، ولا فرق عندي بين دبابة أميركية لطالما تحدّث النظام عن نية المعارضة دخول البلاد على ظهرها وبين دبابة روسية جاءت لتهجّر من تحمّل سنوات الحرب والقصف والجوع عن بيوتهم انتصاراً لطرف سوري على آخر.
علاء الحلبي الذي كان من ضمن القوافل التي خرجت من حلب مؤخراً قسرياً يرى أن مصير الروس أنهم سيخرجون أيضاً.
لن يكون يوم الخميس 29 ديسمبر/كانون الأول 2016 (يوم دخول القوات الروسية حلب) يوماً عادياً في تاريخ السوريين" يقول الحلبي 26 عاماً لـ"عربي بوست".
وأردف قائلاً "بل سيذكره السوريون طويلاً كتاريخ لبدء الانتداب الروسي على البلاد، الجنود الروس قوات احتلال تشبه كل العناصر الأجنبية التي تحتل أرضنا وعلينا الكفاح ضدها في سبيل الاستقلال
وأضاف "سوريا التي قدمت مئات الآلاف من أبنائها على مذبح الحرية لن تكون اليوم عاجزة عن تقديم خالد علوان جديد (فدائي من الحرب القومي السوري الاجتماعي استهل العمليات الفدائية ضد إسرائيل في بيروت)، يجبر الروس على الانسحاب من حلب كما أجبر خالد الإسرائيليين على الانسحاب من بيروت يوماً.
بحسرة الواقف على أطلال مدينته ختم علاء حديثه "سيقولون عبر مكبرات الصوت المركبة على عرباتهم "يا أهالي حلب نحن خارجون لا تطلقوا النار!".