وداعاً 2016

تعلمت أني محظوظة بحب أجمل الناس، أولئك الذين كانوا هنا يوم طأطأ البعض الرؤوس وانصرفوا، تعلمت أن الصديق الصدوق أثمن من المال وأوفى من الأحباب، أن السعادة لقاء وجه لا يصادفك بقناع، بل بوجه حقيقي يحمل جراح الحياة وكدمات الصدمات، وجه لا يضع مكياجاً ولا ابتسامة صفراء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/31 الساعة 01:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/31 الساعة 01:33 بتوقيت غرينتش

وها هي سنة الوداع تغادرنا بدورها؛ كي تكون وفية لسمته الكبرى "سنة الرحيل".

ودعت الكثير والكثير لكني استقبلت أيضاً الكثير.. وداعاً أنا القديمة التي ما عدت أألفها، وهي تحادثني في آخر الليل على حافة شارع الذكرى، تحكي لي عن أيام خلقتني وخلقتها.. لروايات الماضي الذي رحل كما يرحل كل شيء..
كانت سنة الدروس والنهايات.. نهاية خمس سنوات من الجهاد في دراسة أنستني أحياناً من أكون وإلى أين أمضي لكنها أيضاً نهاية الضياع، فاليوم أزلت ستار المسرحية التي كنت أشاهدها من بعيد لأعلن نهاية المهزلة إعلاناً ببداية قصة وحدي كاتبتها وبطلتها.. وداع لجراح الخذلان والتهاون والانكسار.

تعلمت أن الجرح الذي لا تتعلم منه تستحق أن تعيش ألمه كل يوم، أن الحياة لا تقف على البعض، ذلك البعض الذي بدأت معه السنة، وظننت أن الحياة لا تستقيم من دونهم، وأثبتت لي الأقدار أنها لا تحلو إلا من دونهم، لأصدقاء أظهروا الوجه الحقيقي وأشهروا في وجهي سيف الغدر بلا قناع، لأحباب هم اليوم أغراب لا يجمعنا غير وهم الحب الذي أضحى ذكرى بعيدة لم نعُد أوفياء لها يوم صاحبنا النسيان، وتلحفنا الغفران فكم جميل أن تغادرهم بقلب على الرغم من كل الجراح لم يتعلم الحقد والغدر مثلهم، تعلمت أن من بعد الخذلان الكبير قد تصادف خدلاناً أكبر، أن الطريق إلى النفس وعر تشوبه الكثير من العقبات التي تكسرها وتقتل في كل خطوة شيئاً فينا وأشياء أخرى ضاعت ونحن نبحث عن أنفسنا في الآخرين.

سنة أخرى تمضي ويمضي معها العمر كي أسأل نفسي ماذا تبقى؟ ماذا لو أن اليوم آخر يوم؟ ماذا لو أنها سنة العوض عن كل فقد، عن كل تلك الأحلام التي ضاعت ونحن نجري وراء الأوهام.

لقد تعلمت أن الحياة على الرغم من كل قسوتها فقد جبرت بخاطري يوم رأتني أحتضر للحظة سعادة حقيقية ما زلت أشعر بغمرة الفرح كلما مر نسيمها كي يخبرني: في هذه الأرض ما يستحق الحياة، على الرغم من أنها سنة الفقد والخذلان لكنها سنة العزيمة، عزمت أن لا أكون نفس المتخاذلة التي أجلت أحلام البارحة إلى الغد، لن أصنع المستحيل لكني سأصنعني من جديد، سأعيد ترتيب نفسي المكتظة بالكراكيب، لأشخاص رحلوا منذ أزل وما زالت أشياؤهم بداخلي تعيق تقدمي، لفتات حب دفنته منذ أمد وما زالت رائحته تفوح كلما قرأت رواية حب بائسة تشبه تجربة كنت فيها الأكثر عطاء، ظناً مني أنه كلما أعطينا أكثر كان المقابل أكثر، لكن بعض الرجال صحراء قاحلة مهما رويتها لن تزرع ولا حتى أشواكاً، هم هكذا جاحدون بالفطرة يحبون سياسة التجويع التي يسلكها الحكام العرب، والتي تتبناها الثقافة المغاربية: جوع كلبك يتبعك.. لطالما آمنت أن بعض أمثالنا تمثلنا لحد الوجع.

تعلمت أن الموت احتمال وارد وضيف قد يزورك في أي وقت كي يعلن نهاية القصة، قصة إنسان آمن للزمن والبشر ومات فقيد الثقة والآمال الوردية، تعلمت أن لا أعلق أحلاماً إلا عليَّ كي لا أسقط معها، أن الناس يتغيرون وأن وعد البقاء إلى الأبد وهم لنستمر معاً خوفاً من أن نشيخ وحدنا، أن العهد يجب أن يكون: سنظل باقين ما دمنا باقين على أنفسنا وأحلامنا الحالية، دوام الحال من المحال، هذا درس أخد مني سنين، ووحدها هذه السنة رسخت الدرس، وكم هو غالٍ ثمن دروس الحياة.

تعلمت أني محظوظة بحب أجمل الناس، أولئك الذين كانوا هنا يوم طأطأ البعض الرؤوس وانصرفوا، تعلمت أن الصديق الصدوق أثمن من المال وأوفى من الأحباب، أن السعادة لقاء وجه لا يصادفك بقناع، بل بوجه حقيقي يحمل جراح الحياة وكدمات الصدمات، وجه لا يضع مكياجاً ولا ابتسامة صفراء.

سنة أخرى تمضي بأجمل الذكريات، لأشخاص ولّوا لكن ذكراهم تشهد لهم بالحب والوفاء، لبراءة بسمة اقتسمناها في درب من دروب الحياة، لليالٍ سهرناها نلعن العالم ثملين من جرعات الألم لكننا استيقظنا على الأمل، لأنا ما عادت أنا لكنني وعدتها أنه يوماً ما سأكون ما أريد.

لن أشكر ولن أتأسف ونحن على مشارف عام جديد، لكن مني لكم كل الحب وأجمل أمنيات السلام، لعلكم يوماً تسيرون على درب الحياة وتحققون كل الأحلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد