حلب مدينة عصور ما قبل التاريخ، مدينة الماضي والحاضر والمستقبل، حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في التاريخ الإنساني، عاصرت مدناً عريقة كبابل وروما وغيرهما، حلب حاضرة التاريخ والحضارة والمجد والإنسانية، حلب مُدمرة الطغاة، ومهلكة الجبابرة.
خربها الروم ودمرها المغول الوحوش، وأحرقها الفرس البرابرة، واحتلها الإرهاب الفرنسي، وكلهم خاب سعيهم في إذلالها، وبقيت حلب الشهباء ذهباً لا يصدأ، وحاضرة لا تموت، ورمزاً لا يباد، وكذلك ستبقى حلب الأبية صامدة.
ابتليت بالزلازل، وكتب الله تعالى لها الاستمرار والتميز، واستمر أهل حلب عبر التاريخ في صناعة الحياة وفن العيش فأبدعوا وتميزوا، فكانت بحق عاصمة الحضارات ولؤلؤة المدن والحواضر.
مات الطغاة، وهلك الجبابرة، ونفق الخونة، وبقيت حلب شامخة، وليست بربرية الروس الكفرة، وهمجية آل الأسد الفجرة، والميليشيات الشيعة الإرهابية، والصمت الدولي المنافق والخذلان العربي القاتل، إلا سهم غدر، كسرت حلب الشهباء أقوى وأشد منه فتكاً وقوة.
ستبقى حلب نوراً لا ينطفئ، كما قال الشاعر محمد النعيمي:
لستِ النهايةَ يا شهباءُ
فَلْيَخْسأْ كُلُّ العُداةِ
أَنُورُ اللهِ يَنطَفِئُ؟!
إنْ أَجْلَبُوا وَتهاوَتْ مِنكِ أَعْمِدَة
سَتَنْهَضِينَ.. ويَهْوي فيكِ مُجْتَرِئُ
"أُمْلِي لَهُمْ".. أَتُرى قدْ أفلحَتْ طُغَمٌ
على الأكاسِرِ والأوباشِ تَتَّكِئُ؟!
سَلُوا العَواصِفَ بالأحزاب ما فَعَلَتْ
وترقّبوا مَكْرَهُمْ في الحالِ يَنْكَفِئُ
حلب اليوم والبربرية الجديدة
حلب اليوم تعيش خيانة متفقاً عليها بين أطراف عدة، خيانة في زمن التشدق بالديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وقيم التسامح والحوار والتعايش، الكل خان حلب، وسلمها مكتوفة الأيدي للهمجية والسيادية والبربرية كي تُباد، ولن تُباد.
حلب هذا الزمان تقصف بحقد الروافض والمجوس وأنجاس الروس، يتفننون في إبادة الحلبيين والحلبيات ذبحاً بالسكاكين، ورمياً بالرصاص، وحرقاً بالنار، لم يستثنوا من ذلك أحداً.
وكل من سوَّلت له نفسه مساعدة المدنيين فمصيره الاعتقال أو الإعدام، فعشرات الجثث في الشوارع لم يستطِع أحياء حلب دفنهم، مئات الجرحى ينتظرون الموت الرحيم.
أما مناشدات واستغاثات مَن تحركت فيهم الإنسانية، فهي صرخات في وادٍ سحيق، فبربرية المغول الجدد قتلت الجرحى والممرضين داخل مركز طبي في حي الكلاسة، دمرت جميع سيارات الإسعاف، ونشرت رائحة الموت في كل زاوية من حلب الشرقية.
حلب اليوم بها إبادات جماعية بشتى أنواع الأسلحة، وأخرى بقصف المشافي ومخازن الأدوية والمواد الغذائية، إعدامات فورية لأهل المدينة وإخفاءات قسرية وتعذيب واغتصاب، لم يسلم من آلات القتل حتى المهرجين الذين ينشرون الفرح والسرور بين الأطفال، ويخرجونهم من حالة الرعب والهلع التي تحيط بهم من كل جهة.
خلاصة الحال، حسب بعض النشطاء من حلب الشرقية: كلمة "جحيم" لا تكفي لوصف الوضع الذي يعيش فيه آلاف المدنيين المكدسين في رقعة حجمها كيلومترين فيما بقي من ركام المباني".
حلب اليوم تواجه أبشع ما في الإنسان والإنسانية، تذوق حقد الصليبية والصهيونية والصفوية، ومن ورائهم منظمات دولية، صنعت للتغطية على الجرائم والمجازر والإبادات التي يتعرض لها المسلمون منذ إنشائها.
حال حلب اليوم مشابه تماماً لما عشته مدينة "سربرنيتشا" البوسنية في تسعينات القرن الماضي، الصواريخ والبراميل تتساقط على المدنيين العزَل والعالم يقف متفرجاً صامتاً، مجزرة "سربرنيتشا وسراييفو" تتكرر بالسيناريو نفسه مع حلب؛ لذا خرجت تظاهرات في عدة مدن بوسنية تحت شعار: "نداء إلى عواصم العالم من أجل حلب وسوريا"، تذكر العالم بمجازر الصرب بالبوسنة والهرسك، تتكرر اليوم في حلب من عدة أطراف.
فصدق مَن قال: "تقاعس المجتمع الدولي خيانة ليس فقط لأهل حلب وسوريا، ولكن للناجين والضحايا من كل عمليات الإبادة الجماعية التي مرت، وقيل وقتها إن العالم وعى الدرس منها، وإنها لن تتكرر".
سيعودون من أجل حلب وشهدائها
هذه الخيانة لن تضعف عزيمة الحلبيين والشعب السوري، صحيح أنهم ودّعوا مدينتهم الغالية، وهم يرون النار تأكل منازلهم وسياراتهم وممتلكاتهم وذكريات طفولتهم، وإرث آبائهم وأجدادهم، ناراً أشعلوها بأيديهم كانت فعلتهم هذه، أهون عليهم من أن يتركوا ما يملكون لحثالة البشر.
ترك الحلبيون والحلبيات مدينتهم الذهب، لكنهم من أجل القبور وشهدائها سيعودون، سيعودون لتحريرها من محور الشر العالمي الحقيقي، محور تحالفت فيه الإمبريالية الصليبية الشرقية والغربية مع المجوسية الصفوية المنافقة.
لا نشك أن حلب انتصرت وهزمت هؤلاء الجبناء بفضحهم وكشف شرهم وجبنهم ونفاقهم ولا إنسانيتهم.
فحلب الشهباء لا تعرف معنى الهزيمة والذل.. النصر والعز يأرِزان إليها كم يأرز الإيمان إلى المدينة النبوية الشريفة.
سيزول الطغاة والبرابرة.. وستبقى حلب الشهباء ذهباً لا يصدأ.
اللهم تقبَّل شهداء حلب والشام، واجعل جراح المستضعفين عليهم برداً وسلاماً يا ذَا الجلال والإكرام.. آمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.