التجربة المغربية في إفريقيا.. نموذج حقيقي للشراكة

إن الدبلوماسية المغربية، في تعاطيها مع الشأن الإفريقي، تنطلق من الركائز الأساسية للعلاقات الدولية، واحترامها للمبادئ القيمية للتعامل مع مختلف الشركاء وذلك من خلال المستويات التالية:

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/24 الساعة 01:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/24 الساعة 01:09 بتوقيت غرينتش

يعد المغرب إحدى الدول الإفريقية التي أصبحت لها مكانة وازنة على المستويين الإقليمي والقاري، وذلك من خلال سياسته الخارجية التي تعد تراكماً كَميّاً وكيفيّاً في طبيعة التعاطي مع مختلف القضايا المطروحة على الساحة، حيث انتقلت من مرحلة العلاقات الدبلوماسية الكلاسيكية إلى صياغة وبلورة نموذج مغربي متميز للشراكة، بدأت نتائجه تتضح بشكل جلي للمتتبعين للشؤون الإفريقية خلال العقدين الماضيين.

إن الدبلوماسية المغربية، في تعاطيها مع الشأن الإفريقي، تنطلق من الركائز الأساسية للعلاقات الدولية، واحترامها للمبادئ القيمية للتعامل مع مختلف الشركاء وذلك من خلال المستويات التالية:

أولاً: المستوى السياسي
تنطلق الممارسة الدبلوماسية المغربية من أسس ومبادئ القانون الدولي كما سطرته مختلف الهيئات الدولية والقارية والإقليمية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، حيث سارت هذه الممارسة منذ عقود من الزمن على خطى المبادئ الأساسية التي تنبني عليها العلاقات بين الدول كمبدأ الاحترام المتبادل، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، إضافة إلى التشبث بحل جميع الأزمات بشكل سلمي ووفق ما تنص عليه المواثيق الدولية.

حيث أثبتت التجربة الملموسة للدبلوماسية المغربية في سعيها لحل جميع النزاعات التي عرفتها بعض دول القارة الإفريقية من خلال تشبّثها بالحلول السلمية والحفاظ على وحدة هذه الدول بمعية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل استتباب السلم والأمن، سواء من خلال المبادرات التي يطلقها أو من خلال احتضانه للمفاوضات التي تعمل على تسوية نزاع داخل دولة معينة كالنموذج الليبي مثلاً، أو من خلال المساهمة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي تعد التجريدات المغربية فيها من القوات الفاعلة على أرض الواقع.

ثانياً: على المستوى الاقتصادي
اعتمدت السياسة الخارجية للمغرب تجاه العمق الإفريقي على تقوية الشراكة الاقتصادية (جنوب – جنوب) وتكريسها على أرض الواقع في شكل صيغ للتعاون على أساس رابح – رابح، متجاوزةً في ذلك المنطق الاقتصادي الذي ظلت تعتمده بعض الدول، بما فيها الدول الكبرى المتقدمة من خلال استغلال الثروات الطبيعية مقابل تصدير الصناعات والنفايات الملوثة.

إن المتتبع للوجود الاقتصادي المغربي في العمق الإفريقي، خاصة في العقدين الماضيين، سيتضح له بشكل جلي الاستراتيجية التشاركية التي يعتمدها المغرب والتي تأخذ الإنسان والتنمية البشرية في صلب اهتماماتها ومسعىً لتحقيقه بعد أن عانت هذه الدول لعقود من الزمن كوارث طبيعية وإنسانية كالمجاعات والحروب الأهلية.

كما أن المغرب يعمل كذلك على تقاسم جميع تجاربه الناجحة التي اعتمدها في عملية الإقلاع الاقتصادي والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والبشرية والتي تعد مطلباً ملحّاً لبعض الدول داخل القارة السمراء من خلال نموذج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وفي المجال الفلاحي من خلال برنامج مخطط المغرب الأخضر، إضافة إلى تدبير موارده المائية التي اعتمدتها المملكة من خلال سياسة السدود، علاوة على مجال الطاقة المتجددة التي يعد المغرب رائداً على المستوى العالمي في استثماره بالطاقات النظيفة، والتي حظيت بإشادة عالمية كان آخرها خلال قمة مؤتمر المناخ (كوب 22) بمراكش.

ثالثاً: على المستوى الثقافي
إضافة إلى العامليْن السياسي والاقتصادي، فقد عملت الدبلوماسية المغربية في ممارساتها، من خلال المستوى الثقافي مع الدول الإفريقية، على الاستثمار في "المشترك" الذي يربط المغرب مع بعض الدول الإفريقية، خاصة الغربية منها، المتمثل في مجال "الأمن الروحي" الذي ظل يجمعه بها منذ قرون من الزمن والذي ما زالت ارتباطاته تتوثق به بشكل جلي، وذلك من خلال:

أولاً: التفاعل الإيجابي الذي أبداه المغرب في ترسيخ قيم الدين الإسلامي المعتدل مع الدول الإفريقية الغربية، من خلال تقاسمه تجربته في مجال تدبير الحقل الديني بقيادة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس (نصره الله وأيده)، ومحاربته كل أشكال التطرف الديني والنماذج المنحرفة منه التي تحاول بعض الدول، المتخصصة في زرع بذور الطائفية بالمشرق، أن تجد لها مدخلاً وموطأً قدم داخل القارة الإفريقية.

ثانياً: جعْل المغرب بلداً منفتحاً على عمقه الإفريقي في مجال التبادل الثقافي والعلمي، حيث عرف العقدان الماضيان توافد بعثات طلابية من مختلف الدول الإفريقية وفي تخصصات متعددة؛ أبرزها في مجال العلوم الدينية والشرعية، وذلك بالنظر لما تحتله المؤسسات التعليمية الدينية المغربية من سمعة عريقة على المستوى الإفريقي كجامعة القرويين وباقي المؤسسات التابعة لها.

وبناء على ما سبق، يمكن اعتبار التجربة المغربية في إفريقيا نموذجاً حقيقياً للشراكة التي تتأسس على مبادئ وقيم نابعة من تراكمات تاريخية كَميّة وكيفيّة في مجال العلاقات الدولية التي يعد المغرب فيها فاعلاً وعضواً نشيطاً، محترِماً بذلك القوانين والأعراف الدولية كافة في تعاطيه مع مختلف القضايا المطروحة على الساحة، كما يعمل بإيمان عميق منه في مختلف المحافل الدولية في الدفاع عن القضايا العادلة للقارة الإفريقية، داعياً المنتظَم الدولي لإعادة الاعتبار لهذه القارة والتعاطي معها على أساس تشاركي لا مصلحي، كما لا يدّخر جهداً، بالمقابل، في الدفاع عن قضاياه العادلة، وفي مقدمتها النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد