مع خطواتي الأولى للصعود إلى المنصة، وكالعادة الوقوف أمام الجمهور أحد الأمور التي تدفعني للارتباك، وبعد أن نادى العريف باسمي كانت هناك لحظات من الصمت في جميع الأرجاء، ما عدا ذلك الهتاف الذي كان يحدث في رأسي.
كان هتافاً يصم الآذان، ولكن الغريب في الأمر أنني كنت الوحيد الذي أسمعه، وبعد لحظات سمعت أصواتاً تهمس في أذني وتقول "أنت لست وحدك، جميعنا معك اليوم"، تلفَّتُّ يميناً وشِمالاً ولم أرَ أحداً سوايَ يصعد تلك الدرجات، وفجأة اختفى الهتاف، ولكني لم أتوقع أن أرى عشرات الأشخاص الذين يقفون خلفي على المنصة، بالتأكيد لم يكونوا هناك لحمايتي، بالإضافة إلى أني أعرفهم، التقيت بهم في مكان و زمان ما! ولكن الذاكرة لم تسعفني في تذكرهم جميعاً، ولكن المهم أنهم جميعاً كانوا هناك لتشجيعي.
الغريب في الأمر أن أضواء المسرح انطفأت جميعها، عدا بقعة الضوء تلك التي سُلطت عليَّ، فطلبت منهم أن ينيروا أضواء المسرح قبل أن أبدأ، وسألتهم ألا ترون عشرات الأشخاص الواقفين خلفي؟!
فأجابوني باستغراب عن أي أشخاص تتحدث، أنت وحدك على المسرح!!
فأجبتهم: أنتم مخطئون، فقط دققوا النظر هناك مئات الأشخاص، ألا ترونهم؟!
ولكني استدركت وأخبرتهم أن كلَّ شخصٍ من هؤلاء الذين لا ترونهم صنع وأضاف شيئاً لي، ببساطةٍ يا أصدقاء "إنهم الجنود المجهولون في حياتنا".
انتهى العرض، ولكن الحكاية كانت قد بدأت للتو، جلست أفكر من هم الجنود الذين ضحَّوا بأعز ما يملكون لكي يَروْنَا في هذا المكان؟!
فأدركت أنه في المقام الأولى كانت عائلتي، فكم تحمَّلوا مشاكلي ومشاريعي التي لا تنتهي، ومزاجي المتقلب في كثيرٍ من الأحيان، فشكراً لكم من القلب على صبركم.
ولا أنسى أساتذتي الذين كانوا دائماً يحاولون نُصحي، وكم خضنا تلك النقاشات التي كانت تنتهي في أغلب الأحيان بعبارة "قد أتفق معك أني سيئ، ولكن ليس إلى هذا الحد"، ولكنِّي لن أنسى نصيحة أحدهم لي "نحن هنا نحاول أن نخبرك أنك ستصبح أجمل لو أزلت ذلك التراب الموجود عليك"، فأقول لهم: نحن نخطئ دائماً في حقكم، وأنتم أجدر بالمسامحة.
وأثناء كتابتي فجأة رأيت أصدقائي واقفين حولي هناك، من يحييني على أدائي، والآخر على سبيل المزاح يحاول تقليد ما قمت به، وتعالت الضحكات، وأخبرتهم: يا أصدقاء وجودكم معي يعني لي الكثير.
ومع خطواتي للخروج من القاعة تذكرت عائلتي الكبيرة في تلك الغربة، الذين دائماً ما أزعجهم وأحاول أن أقلد لهجاتهم، وفي كثير من الأحيان أجبرهم على أن يتعلموا لهجتي، عائلتي الكبيرة معكم الغربة أصبح لها طعم آخر.
إلى جميع الجنود المجهولين الذين أسهموا ولو بكلمة في أن نكون على ما نحن عليه، لا يسعنا إلا أن نقول لكم شكراً من أعماق القلب.
كل شخصٍ منَّا لديه ذلك الجيش من الجنود الذين أسهموا في صناعته ونجاحه، فإظهار الامتنان لما فعلوه هو أقل شيء في حقهم، فقد لا تجمعنا بهم الحياة مرة أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.