هل تساءلت يوماً ما إذا كان رفيقك يرى الأصفر بنفس درجة الاصفرار التي تراها؟ أو هل ترى الدائرة دائرة بنفس الحجم الذي أراه؟ أو هل نراها -نحن- بنفس المحور الذي رُسمت به؟ أو هل ارتفاع ذاك المبنى مطابق لأبعاد ما تراه؟
هل خطر لك يوماً أن رؤيتك قد لا تتطابق مع واقعك؟
تنتابني تلك الدوامة من الأسئلة بين الفينة والأخرى، أو بالأحرى بين نقاش ونقاش.. لا أدري من الذي اخترع لغة الحوار، ولكنه مشكور على جهوده المهمشة -آسف- التي لا أراها على أرض الحوار.
علينا نحن كجيل يُفترض أن يكون واعياً واعداً يسعى إلى تحقيق أحلامه ونيل مطالبه من المعرفة التامة والدراسة المختصة لكيفية الحوار وفن تقبل آراء مختلفة عما يدور في مخيلة الفرد منا، يؤسفني أن أرى هجوماً أساسه كلمة، أو تعبير، أو هدف زُرع في مرمى ما.
كنت قد استسخفت عقول مَن خاضوا حرباً أربعين عاماً لأجل ناقة، وهل نحن الآن أفضل حالاً من جاهلية سكنت بوادينا وأُغرقت وديانها دماً، وعداوات أُنشئت واستقرت في عقول قبائل بسبب ناقة.
ربما حلمي تراه ناقة، وربما هدف في مرمى خصمك تراه ناقة، أو حزني وردّ فعلي تجاه تصرفك ناقة.
قد تكون تلك الناقة التي كانت سبباً لحرب البسوس لم تكن ناقة، فقد خبأت خلفها أحقاداً ومكائد اختزلوها في شكل ما، بكر وتغلب رسما أشكالاً مختلفة لتلك الناقة.. أشغلتهم أربعين سنة حتى بعد موتها وموت من أطعمها.
سئمت تلك الحوارات والنقاشات التي ترفع شأن فكر من أحبت، وتُدين طرفاً لا يُناسب مقاييس نظرها، وتلك التضحيات والمحاولات في سبيلِ تقريب صورة ما أراها غير ما تراها.
ما المانع من اختلافِ الصور؟
وما الهدف من تشابه وجهات النظر؟
يحدث أن أجلس يائسة بائسة في الكثير والكثير من النقاشات -المهمة والمصيرية أحياناً- التي تحثني على القبول بوجهة نظر معينة، أو التخلي عن حلم ما بحجة الانتصار.. والتشبع باللذة التي يفرضها محاورك عليك فور استسلامك لوجهة نظره ورؤيته.
أما آن الأوان لإتقان فن الحوار وتقبل الآراء التي من شأنها تغيير الكثير من المسارات الخاطئة؟ هل علينا خوض حرب كلامية ونفسية لكل مطلب يقترب من خندق الأحلام المكتومة، هل فجع الانتصار سيشبع يوماً؟
كثير ممن يدعون الثقافة ويعتقدون أنهم يتحلون بكم من المعلوماتِ التي تخولهم للخوض في نقاش ما، يفتقرون حقاً للثقافة ويتمتعون بدرجة من الغباء الثقافي الجاهلي الذي يدعوك أحياناً للضحك خيبة، وأحياناً أخرى للحزن والانسحاب الفوري ونيل الثواب وعدد من الحسنات على سعادة أكسبتها لمحاورك الذي انتشى وشبع بانتصار جهله.
لا ضير في أن أرى الشمس قُرصاً وتراها أنت كوكباً، ولا ضير في أن أرى المربع متساوياً بأضلاعه وتراه أنت بأربع زوايا قائمة.
الضير في أن أراك جاهلاً وتراني ناقة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.