طقس قبطي

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/19 الساعة 01:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

"شعائرنا فيها طقس بيزنطي، وطقس كلداني، وطقس قبطي، وطقس ماروني، وكلها طقوس تعرف بلغات وحضارات سابقة للفتح العربي أو الغزو العربي أو سمّه ما تشاء، ولكن السؤال هنا: وأين الطقس الكنسي العربي؟
هذا لم يوجد تاريخياً قط.

وهذا سؤال طرحته منذ خمس عشرة سنة، واقترحت على الكنيسة تأسيس طقس عربي شامل لكل الطقوس الكنسية، فقذفت بالهرطقة وكادوا يشلحونني، لكن هذا سيحدث بالتأكيد يوماً ما.

الطقوس دائماً متحفظة، في الطقس اللاتيني تقاليد ترجع للقرن الرابع الميلادي، وتتخلله عبارات يونانية، خصوصاً في أسبوع الآلام، حيث لا يدق الجرس، ولكن يستعمل الخشب، وليس هذا حزناً لموت المسيح أو رفعه لو أردت، ولكن لحقيقة تاريخية، فالطقوس تحافظ حتى اليوم على اللغات اليونانية والسريانية؛ لأنها تقليدية ومحافظة جداً، وآمل أن نقضي على هذه الفجوة الموجودة يوماً ما.

قد تعرف أن لي محاولات عدة في هذا، ولكنها محاولات تفشل دائماً، حتى الآن على الأقل، أذكر على سبيل المثال أنني عندما درّست في كلية اللاهوت تناولت "صلاة الشكر" التي نكررها كل يوم ونصها: "فليشكر صانع الخيرات الرحوم الله" تعجبت للصياغة والتركيب، فقلت: "فلنشكر صانع الخيرات" في النص اللاتيني (صفة) وكذلك "الرحوم" (صفة) أيضاً أما "الله" فهو (الموصوف).

وسألت من حولي: هل ترد الصفة قبل الموصوف في أي لغة سامية؟ والإجابة بالطبع (لا).
ففي كل اللغات السامية الحاصل هو العكس، إذاً فصلاتنا هذه ترجمة حرفية سيئة قام بها مترجم سيئ عن الطقس اليوناني وهو ليس طقساً سامياً، والمفروض إذا ترجمناه بدقة أن نقول: "فلنشكر الله صانع الخيرات الرحوم".

فلما لم يعترضوا قلت لهم: ولكن ما معنى "الرحوم" هذه؟! افتح أي قاموس ستجد أن "الرحوم" هي الناقة التي تلد كثيراً! فكلمة "الرحوم"، وهي على وزن (فعول)، كلمة سريانية يقابلها في العربية كلمة "رحيم"، على وزن (فعيل)، ولكي تكون الصياغة العربية صحيحة يفترض أن نقول "فلنشكر الله صانع الخيرات الرحيم".

فلما لم يعترضوا؟ قلت لهم: وماذا تعني (صانع الخيرات) هنا؟ هل هو مثلاً صانع في مصنع لإنتاج الخيرات؟! إننا لو عدنا إلى الأصل اليوناني مرة أخرى سنجد أن كلمة (أبو رديسي) نقلت إلى القبطية حرفياً فقيل (بترجيزي)، وهذه الكلمة ترجمت في العصور الوسطى من القبطية إلى اللغة العربية بـ(المحسن)، فالمفروض أن نقول في صلاتنا "فلنشكر الله المحسن الرحيم".

وعندما وافقوا على كل هذا، قلت لهم: إذاً لماذا لا نريح أنفسنا ونقترب من واقع الشعب، ونقول "فلنشكر الله الرحمن الرحيم".
وكان هذا هو خطئي القاتل؛ لأنه هنا بالفعل قامت القيامة علي وقيل لي: هذه عبارة إسلامية، ورفضوا كل ما قلت وليتني توقفت عند مرحلة "فلنشكر الله المحسن الرحيم".

وأبسط من ذلك كله نحن نقول في الطقس أيضاً "السلام لي ولك"، ولكن اللغة العربية الفصحى تقبل "السلام علي" ولا تقبل "السلام لي"، ولا تقبل "السلام لك" وإنما "السلام عليك". ولذا اقترحت أن نقول في الطقس "السلام عليكم"، فقيل لي مرة أخرى: هذه عبارة إسلامية، فكأن الإسلام حشر بين العين والياء، فإذا سلمت على الناس في الشارع وقلت "السلام عليكم" قالوا لي "إيه يا أبونا انت أسلمت ولا إيه!".

المهم توجد رغبة في الكنيسة بالتميز عن المسلمين، وهي تدفع لذلك دفعاً حتى على مستوى اللغة اليومية، فهي تريد التميز ولو في حرف واحد فقط.
(مقطع روائي)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد