أوصيكِ يا حلب ألا ترحمي
يوماً ما ستتجمع أرواحهم في شكل طيف ملائكي باسط جناحيه الاثنين حاجباً ضوئي الشمس والقمر عن الأرض، واقفاً بجانب ربه منتصب القامة شامخ الأنفِ، لا يعاني من أي ذكريات أليمة، ذا ثوب أبيض فضفاضاً، مكتمل الهيئة، كامل الأعضاء دون طرف مبتور أو قطرة دم أو كدمة أو رأس مشقوق أو زخات رصاص، ممسكاً بخطاطيف وكلاليب تنتزع من أمِرت به فيقع في النار.
يوماً ما ستكون دماء حلب سداً منيعاً يحول عن دخول أي من وقف مكتوفي الأيدي تحت جناحي رحمة الله، أو أن يسقيه نبيناً من يديه الكريمتين.
يوماً ما ستتبدل الأدوار بين حلب وعزرائيل، بأمر ربك منه للانتقام، ستأتي أرواح حرائرهم سابحاً في سماء الله، نازعين شرف أي من رمى المحصنات، يومهاً سيتقن أطفال سوريا الرضع حمل السيوف والدروع، سيبرعون فنون القتال ونزع الأحشاء، سيتفننون في القتل، استعداداً للانتقام.
يوماً ما ستكون أرض الشام هي المحشر، سنكون معاً عرايا، يوم ينفخ في السور فيفزع من في السماوات والأرضِ، ستقف فيه جميع الخلائق من بشار إلى انتهاء السلسال الديكتاتوري على ظاهر هذه الأرض، سواء منهم من مات على فراشه أو مات غرقاً في البحر، أو ابتلعته أفعى أو نهشته حية أو أحرق بالنار وذُري رماداً في الهواء يعيدهم الذي أوجدهم من العدم.
يومها سيشهد الأولون والآخرون جميع الملوك محشورين حفاةً عراةً، لن ينفعهم يومئذ مالهم أو جندهم، وما تم تخزينه من زخات الرصاص، ذلك اليوم يُذهب العقول ويفزّع القلوب، والأرض تُزلزل، والجبال تنشق، والقمر ينخسف، والشمس تنطفئ، والكواكب تنتثر، والبحار تُسجّر وتشتعل ناراً.
يومها سيكون الصراط أحدّ من السيف وأدق من الشعر، لن يعبر من عليه أحد، إلا من ستقع عليه شفاعة حلب، يومها يفكر كل ديكتاتوري فيما سيحل به من الفزع بعد رؤية الصراط، من ثم يكلف بالمشي على الصّراط، مع ضعف حاله واضطراب قلبه، وتزلزل قدميه، وثقل ظهره بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، من ثم سيقع بصره على سواد جهنّم من تحته، ثمّ قرع سمعه شهيق النّار وتغيظها، فضلاً عن حدة الصراط، فيضطر إلى رفع القدم الثانية والظالمون أمام أعينه يتساقطون وتنتزعهم الخطاطيف والكلاليب، وهو ينظر إليهم كيف ينكسون إلى جهة النار رؤوسهم وتعلو أرجلهم.
يومها سيكون مكنون نار حلب، من رفات شهدائها، وأطراف المصابين المبتورة، وكل نقطة دم سالت أنهاراً، وكل امرأة قتلت واغتصبت، وكل طفل رضيع قتل وكل رجل ذُبح، سيكونون هؤلاء هم نار حلب التي تنتظر أن يُرمى فيها الظالمون لتنتقم، لتنهش ما تبقى وما بقي وما سيبقى منهم، ستكون حلب أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علمٌ لأحد والشمس من الخلائق كمقدار ميل، يومئذ الحساب أسرع من لمح البصر، ستركعون مناجين حلب المغفرة، يومئذ سينزع الله الرحمة من قلب حلب لئلا ترحم أحداً.
أوصيكِ يا حلب ألا ترحمي، ولا أوصيكِ خيراً بنا فكلنا مذنبون.
استحضرني أثناء الكتابة اقتباس للراحلة رضوى عاشور في رائعتها ثلاثية غرناطة عن حكامنا العرب قائلة:-
"يعاقب الله الملوك الظالمين بموت أبنائهم وفساد عقولهم، ولكنهم يحكموننا فنجني ثمار جنونهم، يصعب أن يفهم الإنسان حكمة الله، لغزها عميق عسير".
"المشكلة يا ولدي أن قادتنا كانوا أصغر منا, كنا أكبر وأعفى وأقدر ولكنهم كانوا القادة.. انكسروا فانكسرنا".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.