بينما كانت حافلات الاستسلام الخضراء تتدفق خارجة من مدينة حلب يوم الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول، جاء رد فعل أكبر حليفين لرئيس النظام السوري بشار الأسد مختلفاً تماماً.
ففيما حثت روسيا، التي أبرمت اتفاقاً مع تركيا للسماح للاجئين بمغادرة المدينة، على الدفع بمواكب الحافلات نحو المناطق الريفية، حيث سيلقى بالأعداد الأخيرة من لاجئي المدينة هناك، كانت إيران تسعى إلى إيقاف هذا الاتفاق، وفقاً لما جاء بصحيفة الغارديان البريطانية. أمس السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2016.
بالنسبة لموسكو، فإنَّ وقف إطلاق النار يجسد ذروة تدخلها العسكري في حلب، ففي هذه اللحظة يمكنها لعب دور جديد كصانع للسلام بعدما قصفت قوات المعارضة السورية على مدار 15 شهراً لإجبارهم على الاستسلام. لكن بالنسبة لإيران، فإن السماح للمدنيين ومسلحي المعارضة بمغادرة حلب يشكل خسارة محتملة لموقفها التفاوضي بسوريا، في وقت بدأ فيه النفوذ الإيراني تجاوز نظيره الروسي في ساحة المعركة.
ويشكل هذا الاختلاف نقطة فاصلة في مستقبل الحرب السورية؛ فبعد أن وحَّدت البلدين مصلحتُهما المشتركة في تأمين الأسد، تحوَّل هذا التحالف فجأة إلى خلاف حول من سيتولى زمام الأمور وهم على أعتاب الانتصار في الحرب. لم تعد القوة الجوية الروسية ذات أهمية كبيرة الآن في الحرب، بينما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه الحرس الثوري الإيراني.
ورقة السكان
استُخدم السكان المحاصرون في حلب كورقة رابحة في المفاوضات طوال سنوات الصراع الست، ولعبت إيران دوراً مباشراً في تحويل مصير جماعات المعارضة المحاصرة إلى انتصار سياسي يؤمن وُجود الأسد في السلطة، ويُعزز قبضة طهران في المنطقة.
لم يكن السماح للمحاصرين في آخر معاقل المعارضة في حلب بمغادرة المدينة ضمن المخططات الإيرانية. وبعد ساعات من إبرام الاتفاق بين روسيا وتركيا، بدأت إيران في إفساده عبر المطالبة بفك الحصار عن قريتين شيعيتين في شمالي حلب وهما "فوعة وكفريا"، اللتان تُحصارهما قوات جبهة فتح الشام التي تستلهم أفكارها من تنظيم القاعدة. كما طالبت بمبادلة السجناء وجثامين الجنود العراقيين وجنود حزب الله المقتولين خلال المواجهات مع المعارضة، مشترطة أن يتم ذلك تحت رعايتها.
المشروع الإيراني
ويُجسد النصر في حلب أهمية كبيرة للطرفين الروسي والإيراني. لكن بعدما يستقر غبار المعركة على الأرض أخيراً، ستصبح حلب ذات قيمة أكبر لإيران. فإن تأمين سيطرتها على ثاني أكبر المدن السورية ومركزها الصناعي لا يهدف إلى إعادة فرض سيادة النظام السوري على البلاد مرة أخرى بالقدر الذي يهدف إلى تعزيز نفوذها وتنفيذ أجندة مصالحها في قلب المنطقة.
وتشكل حلب نقطة محورية في مشروع إيران لتأمين ممر لها صوب الساحل الشرقي للبحر المتوسط. ومن المرجح أن تكون أيضا مركزاً جديداً لاستعراض النفوذ الجغرافي السياسي لطهران، الذي كان بادياً بشكل واضح خلال الصراع السوري.
تفاوض المسؤولون الإيرانيون بشكل مباشر مع إحدى مجموعات المعارضة المسلحة؛ هي "أحرار الشام" بشأن مستقبل مدينة الزبداني المحطمة بفعل القصف، التي تُسيطر عليها المعارضة، والواقعة غربي العاصمة دمشق.
اقترحت إيران إرسال السكان السنّة بالمدينة إلى محافظة إدلب ومبادلتهم بسكان قريتي فوعة وكفريا، الذين سينقلون إلى مدينة الزبداني تباعاً.
وقال مسؤول لبناني رفيع المستوى أمس: "لا يريد الإيرانيون أي وجود للسنّة بين دمشق والحدود اللبنانية. هناك خطة واضحة لتغيير التركيبة الطائفية للسكان على طول الحدود".
وفي ضاحية داريا بدمشق، حيث استسلمت قوات المعارضة في أغسطس/آب 2016 ووافقت على ترحيلها إلى مدينة إدلب، جاءت 300 عائلة شيعية من العراق للعيش في المدينة. وفي أقصى الغرب بجوار ضريح السيدة زينب، اشترت إيران عدداً ضخماً من العقارات، ورَعَتْ توافد العائلات الشيعية إلى المنطقة، التي تؤمنها جيداً باعتبارها مركز قوة للتوغل أكثر صوب الزبداني.
وتُدشن خطة إيران، لتأمين ممرات نفوذ تسيطر عليها مجتمعات شيعية، لأكثر اللحظات الإيرانية حسماً منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. فبعد هذه الثورة، بدأ وكلاء طهران في بسط نفوذها عبر حزب الله وعبر الغزو الأميركي للعراق، الذي حوّل ميزان القوى السياسية من السنة إلى الشيعة، وحالياً يمتد نفوذها عبر الفوضى السورية.
موطئ قدم
إن الأهداف الروسية في المنطقة لم تكن ذات طابع أيديولوجي بالقدر الذي كانت تتمحور فيه حول أهداف سياسية واقعية. بات لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موطئ قدم في المنطقة على حساب الولايات المتحدة الأميركية، والتي يعتقد بأنها تخلت عن الدور الذي كانت تمارسه تحت إدارة الرئيس باراك أوباما طوال العقد الماضي، وبأنَّ دونالد ترامب لا يهتم كثيراً باستعادة هذا الدور.
ويمكننا القول إنَّ النفوذ الروسي قد عاد إلى الشرق الأوسط، لكن مثلما فهمت الولايات المتحدة سيكون النفوذ الروسي دائماً محل اختبار، بواسطة قوة إقليمية صاعدة هي إيران.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.