الجميع خاسرون إذا لم يتفهم كل طرف ألم الآخر.. هكذا تقرأ الكاتبة التركية المعروفة إليف شفق المشهد الدامي في بلادها التي هزتها 31 عملية انتحارية خلال الـ 15 عاماً الأخيرة، مودية بحياة المئات.
وفي مقالها بصحيفة الغارديان البريطانية أمس السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2016 تعتبر المحاضرة في جامعة أريزونا الأميركية، أن هدف تلك العمليات هو زرع الشقاق بين الأتراك والأكراد، الذين يشعر كل منهما بـ"الإهانة"، منتهية إلى نتيجة مفادها أن المتشددين من الطرفين فقط هم المستفيدون.
وفيما يلي نص المقال:
قال يشار كامل، المؤلف التركي العظيم ذو الأصول الكردية: "ظللت أقول لنفسي: أنت كاتب. ينبغي لك أن تجهر برأيك". لم يكن من السهل على يشار، الناشط والمؤيد لمجتمع تعددي، الترويج للتعايش في بلد صوت المواجهات فيه أعلى من صوت السلام. لكنَّ الأمور أصبحت أسوأ منذ وفاة يشار عام 2015. ضرب عمل إرهابي آخر تركيا نهاية الأسبوع الجاري، مستهدفاً زيادة الشقاق بين الأتراك والأكراد، وتحطيم آمالنا في مصالحة وطنية.
أصبحت الأمة التركية، التي هزتها 31 عملية انتحارية في الـ15 عاماً الأخيرة فحسب، في حالة من الجزع الدائم. تنخلع قلوبنا مع كل "خبر عاجل"، بينما نحاول فهم ما يحدث. يبدو كما لو أن الوقت يطير هنا، فنحن بالكاد نجد لحظة واحدة للتوقف والتفكير والتحليل، فضلاً عن الحزن معاً. وقعت المأساة الأخيرة في قيصري، وهي محافظة في وسط البلاد، عاصمتها هي المركز الصناعي للأناضول، إذ دمرت سيارة ملآى بالمتفجرات حافلة عامة تحمل مدنيين وجنوداً في إجازة، فأودت بحياة ما لا يقل عن 13 شخصاً وجرحت 55 آخرين.
التجنيد إلزامي في تركيا لكل المواطنين الذكور. كل عام يدرج حوالي 700 ألف شاب، يخرجون من بيوتهم وحياتهم إلى المقرات العسكرية على طول البلاد. أولئك هم الجنود الشباب الذين ذبحوا بلا رحمة في قيصري. وما ضاعف من صدمة الأمة التركية جراء تلك الفظاعة، حدوثها بعد أسبوع واحد من وقوع تفجيرين قرب ملعب كرة قدم في إسطنبول، نتج عنه قتل 44 شخصاً وجرح 155. وقيل إنَّ جماعة (صقور حرية كردستان)، وهي فصيل تابع لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، قد تبنت هذا التفجير.
بعد التفجير، سار حشد من الأتراك القوميين إلى الأحياء الموالية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، حيث أشعلوا النار في بعض قطع الأثاث. وامتلأت الشبكات الاجتماعية باتهامات الخيانة
وتعهدات بالانتقام، كما تكلم المسؤولون عن "الرد بالمثل". واتُهم أولئك الذين تكلموا عن السلام والوحدة بأنهم شديدو اللين أو شديدو الرومانسية. هذا تحديداً هو سر نجاح الإرهابيين: أمة مقسمة بين "نحن" و"هم" وسياسيون فاشلون في تعزيز الديمقراطية والتعايش.
يتكرر نفس النمط، بطريقة أو بأخرى، بعد كل حادث. يتبع الحادث إسكات وسائل الإعلام، وتقييد النشر، فيضطر المواطنون الأتراك إلى فحص المصادر الدولية للحصول على معلومات حول ما يحدث في بلدهم. تصبح شبكات التواصل أكثر تسييساً. ثم يأتي السياسيون ليكرروا العبارات ذاتها التي قالوها من قبل. "سوف نحارب أولئك الجبناء عن طريق التعبئة الوطنية"، كما قال فكري إشيك، وزير الدفاع التركي.
حزب الشعوب الديمقراطي ثالث أكبر أحزاب البرلمان. وقد زاد الحزب، بوضوح، من سلطته في الانتخابات التي عقدت في شهر يونيو/حزيران 2015، فحصل، لأول مرة، على دعم من الناخبين الأتراك والأكراد على حد سواء. فنجح الحزب، ببرنامجه الذي يسعى لتعزيز حقوق المرأة والأقليات، في تخطي حاجز الـ10% من الأصوات. في ذلك الوقت، كان ينظر إلى حزب الشعوب الديمقراطي باعتباره أملاً من قبل الكثير من الأتراك الليبراليين والديمقراطيين. أما اليوم، فإن المزاج مختلف تماماً، إذ أصبح هناك استياء ومرارة على كلا الجانبين.
يقبع زعيما حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دمرداش، وفيجن يوكسكاج، في السجن حالياً، كما ألقي القبض على عمداء بلدات ذات غالبية كردية. يشعر الأكراد بالإهانة، لكنَّ الأمر ذاته ينطبق على الأتراك، وليس عند أي شخص الوقت أو الرغبة في فهم ألم الآخر. لقد ارتكبت حكومة حزب العدالة والتنمية خطأً كبيراً بإلقاء القبض على أعضاء البرلمان الأكراد، كما ارتكب حزب الشعوب الديمقراطي خطأً آخر بعدم إثبات استقلاله عن حزب العمال الكردستاني وعنفه. إننا جميعاً نتمرغ في دوامة من الأخطاء.
ليس ثمة شك أنَّ عنف حزب العمال الكردستاني ينبغي إدانته بشكل كامل غير مشروط. لا شيء يبرر قتل الأبرياء. لا يمكن أن يكون هناك تبرير للإرهاب. لكن في الوقت ذاته، ينبغي لحكومة السلطات أن تتوقف عن استخدام اللغة الانتقامية الخلافية، وينبغي إعادة عملية السلام، التي انهارت عام 2015، قبل فوات الأوان. إنَّ حزب العمال الكردستاني يلعب لعبة شديدة الخطورة: يبدو أنهم يريدون أن يشعر الأكراد، بما فيهم الأكراد غير المسيسين، بعدم الراحة في المدن التركية الكبرى، وأن تتزايد الشقة بين الشعبين. سوف يستفيد المتطرفون من كلا الجانبين من هذا الاستقطاب. وفي الوقت ذاته، سوف يشعر الديمقراطيون الأتراك والأكراد بأنهم محصورون في هذا التطرف، غير قادرين على مواجهة جنون التعصب القومي، وغير قادرين على التنفس.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.