مافيا الحب

وإذا بي وأنا أخطو خطوة إلى الأمام تذكرت هاتفي وبعض الدريهمات التي وضعتها في جيب سروال الجينز، لم أجد شيئاً يا إلهي، أيعقل أن يحدث لي كل هذا؟! تركت حضني للجميع، بادلت الكل بالحب، لم أحصل على شيء من كل هذا:

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/15 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/15 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

غريب أمر هذا العالم، تقابلهم بالحب فيقومون بنشل جيوبك بما فيها من دراهم وأوراق تهمك، حدث هذا العمل يوم السبت صباحاً، كعادتي أتجه نحو السوق الأسبوعية البعيدة عن مدينة الرباط ببضع كيلومترات، طبعاً كان هذا اليوم ينذر بالتشاؤم منذ ركوبي لحافلة النقل الحضري، انتظرت الحافلة لمدة ساعة ونصف، مللت الانتظار، لكن بغتة أتت محملة بالناس من كل فج في هذه المدينة، ركبت كباقي الناس في جو مزدحم مليء بالأنفاس البشرية، كأنه يوم البعث، لا أدري ما الذي يقع علينا نحن المغاربة من بلاء من سبنا وتمنى لنا هذا الازدحام الشديد؛ ازدحام في الشوارع، في المدارس، في الحافلات، اقتنعت للمرة الأخيرة بأننا شعب نعشق رائحة بعضنا البعض، وان علاقتنا برائحة العرق أشبه بعلاقة المحامي بالمحكمة هي علاقة حميمية وفضاء مشترك!

بعد مدة طويلة وصلنا إلى المراد، وصلت وأنا غارق بروائح ركاب هذه الحافلة البئيسة، وصلت وروائح البشر تخرج من يدي، من بين فخذي، من يدي اليسرى ورجلي اليمنى، وصلت باب السوق تقيأت الروائح كلها، تركت فقط رائحتي الخاصة المكونة من بعض من ماء الورد الذي جلبته من مدينة الورود قلعة مكونة، الأهم من ذلك وأنا أمر بين بائعي الملابس القديمة وأطباء زماننا الذين يملأون طرقات وأبواب السوق؛ ليبيعوا لك المرض وليس الدواء، أدوية النحس.

بغتة صادفت صديقاً لي اسمه عبد العزيز، طبعاً عزيز على القلب، وقريب له، صديق منذ الطفولة، تحدثنا قليلاً ومشينا كثيراً، لم نترك شبراً لم تطأه أرجلنا، في الأخير انتهى لقاؤنا بكأس من الشاي الحار، أعده صاحب مقهى معروف في هذه المنطقة، أحببت كأسه الحارة واللذيذة مع شعيرات من الزعفران الذي أضفى عليه مذاقاً ولونا جميلاً.

غادر عبد العزيز وتركني مع الباعة والجزارين، غادر عبد العزيز وتركني وحيداً كعسكري متخلى عنه في حرب طاحنة.

كنت أقرأ شعر محمود درويش، أنا أيضاً ﻻ شيء يعجبني يا صديقي، مررت قرب بائع الدراجات الهوائية، وخطاي تردد سأقطع هذا الطريق الطويل، الطويل، ووجنتي تردد أيضاً هذا البحر لي، في لحظة ازدحام شديد أمام بائع، دفعني أحدهم لم أكثرت، تفاديته، لم أنظر لأرى من قام بذلك، ظننت أن الأمر عادي، فالكل يأخذ طريقه ولا يلتفت أحد ﻷحد آخر، الكل يفكر في المعيشة، الخبز وقوالب السكر التي ذوبت عظامنا، إنهم الحياة عند المغاربة.

تفاديته، نظرت لصدره فإذا به يحضنني، قلت له: "سمح ليا خويا" باللهجة المغربية، لم يتحدث فقط حضنني، أيعقل أن صديقاً غائباً هذا الذي يحضنني، لم أنظر لعينيه لأتبين ملامحه، كل هذا حدث بغتة وبالصدفة، أيمكن أن يكون هذا الشخص قد أخطأ في شخصي، قد تشابهت له مع شخص آخر، رددت بيتاً شعرياً لمحمود درويش يقول فيه: أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار.

حواسي كلها جامدة، لم أتمكن من معرفته ولا النظر فيه، لم أستطِع استنشاق رائحته، لم أتمكن أيضاً من النظر في بؤبؤ عينيه، فقط الأمر كله حدث بغتة وفي رمشة عين، بدلته الحضن قبلني على وجنتي وقبلته أيضاً، حضنته أمام الكل، لم أتفوه بكلمة تجاهه سوى لفظ "سمحي ليا خويا"، هو كذلك لم ينطق بشيء، بعد رمشة عين خفف مني وتركني، حاول أن يبعدني لكنني لم أتركه، خلته في تلك اللحظة أحد المرضى، أو غريباً، أو صديقاً لم أتذكره، خفت أن أضيع له هذه اللحظة، تمسكت به كخيط عنكبوت عالق في غرفة ضيقة، دفعني، التقطت تنهيدة جراء هذه الصدفة اللعينة، في لحظة انسل بين الناس وأمام بائعي البقدونس انصرف لاهثاً.

إلهي ما الذي قمت به ليتركني هكذا دون كلمة واحدة؟ ربما لم تعجبه رائحتي، أو أنه مل مني، انسل كصديقي عبد العزيز الذي التقيته صباحا، ترك لي وجوه بائعي الخضر وحداد يرتدي جلباباً صوفياً، لم أنتبه لكل هذا يا إلهي، وإذا بي وأنا أخطو خطوة إلى الأمام تذكرت هاتفي وبعض الدريهمات التي وضعتها في جيب سروال الجينز، لم أجد شيئاً يا إلهي، أيعقل أن يحدث لي كل هذا؟! تركت حضني للجميع، بادلت الكل بالحب، لم أحصل على شيء من كل هذا:

سأنظر دائما لأسفل
لكي لا أحضن أحداً
سأنظر دائماً لقدمي
لكي لا أقبل أحداً
خوفاً من مافيا الحب
في زمن قطاع طرق الحب

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد