لماذا لا يقاتل الأسد “داعش”؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/15 الساعة 05:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/15 الساعة 05:06 بتوقيت غرينتش

في اللحظات الأخيرة التي يستعد فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد للإعلان عن النصر النهائي في حلب، سمحت قواته لمقاتلي داعش بالسيطرة مجدداً على مدينة تدمر التاريخية، التي حرَّروها قبل تسعة أشهر.

فهل ما يقوم به النظام السوري، استراتيجية مدروسة ومتعمَّدة؟

هذا السؤال حاول الصحفي روي غوتمان مناقشته عبر سلسلة تقارير بصحيفة الدايلي بيست الأميركية، ليخلص إلى أن النظام السوري يتلاعب بتنظيم داعش لتحقيق مصالحه.

ففي الجزء الأول من تقاريره، أشار غوتمان إلى حقيقة أن النظام السوري سمح خلال الفترة الفاصلة بين 2003 و2010 بمرور المتطرفين من العراق إلى الحدود السورية.

أما في الجزء الثاني، فقال إن العديد من الهجمات التي نُسبت إلى تنظيم القاعدة خطَّط لها النظام السوري مسبقاً، من خلال تسهيل عبور منتسبي التنظيم إلى العراق عبر الأراضي السورية.

وفي الجزء الأخير، تحدث غوتمان عن سماح النظام السوري بتوسع تنظيم داعش في الحدود السورية، وذلك من خلال إطلاق سراح الإرهابيين الأكثر خطورة من السجن، ثم تجنب مواجهتهم عسكرياً.

واستند الصحفي في تقاريره إلى جملة من الشهادات الحية، التي تمت بلورتها بكل حذر، ما يجعلها تستحق أن تُؤخذ بعين الاعتبار وتُناقش.

منذ العام 2003، اتجه العديد من المتطرفين الأجانب إلى العراق لمواجهة الجيش الأميركي، وانضموا في المقام الأول إلى تنظيم القاعدة في العراق. ووفقاً للوثائق التي تم العثور عليها في مدينة سنجار العراقية، وللرسائل التي كانت بين دبلوماسيين، التي كشف عنها موقع ويكيليكس وأدرجها روي غوتمان في تقاريره، فقد تبيَّن أن أغلب هؤلاء المقاتلين قد مروا بسوريا بموافقة من الحكومة.

وعلاوة على ذلك، فإنه حسب بعض الجنود الفارين، فإن المخابرات السورية استغلت بعض الدعاة لتحريض السوريين على القتال في العراق. كما أنه في سنة 2007، دعمت الحكومة السورية جماعة فتح الإسلام في التمرد ضد الحكومة اللبنانية.

كما كان الأسد يرغب في أن تفشل استراتيجية جورج بوش في العراق، ليلغي أي تدخل محتمل في سوريا.

وبما أنه بالنسبة للأسد، فإن الغاية تبرر الوسيلة، فقد قام بسجن المتطرفين العائدين من العراق ليتم استغلالهم في وقت لاحق.

"العفو السياسي" في سنة 2011 وعواقبه الوخيمة


في شباط/فبراير سنة 2011، كان لقرار إطلاق سراح السجناء السياسيين نتائج وخيمة، حيث إن النظام استجاب إلى مطالب إطلاق سراح السجناء السياسيين إثر الاحتجاجات الأولى، على طريقته، ووظفها فقط لمصلحته.

وتجدر الإشارة إلى أنه في صيف سنة 2011، أصدر النظام مرسوماً بالعفو السياسي، الذي يقضي بإطلاق سراح المئات من المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري، الذي يضم العديد من الوجوه المتطرفة، حيث أصبح العديد منهم في وقت لاحق، شخصيات بارزة بين صفوف تنظيم الدولة "داعش"، وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات الأخرى.

ومن بين هذه الأسماء القيادي في "داعش" عمرو العبسي "أبو أثير"، وعبد الحميد أبا عود، ونجم العشراوي؛ منفذو هجمات أوروبا. وكذلك أبو خالد السوري، المقرب من بن لادن، الذي شارك في تأسيس جماعة أحرار الشام، فضلاً عن زهران علوش، العضو المؤسس في جماعة جيش الإسلام.

وقد اعتمد الأسد استراتيجية إطلاق سراح المتطرفين، من أجل نشر التشدد والتطرف في صفوف المعارضة وتشويه سمعتها أمام المجتمع الدولي وتبرير القمع ضدها.

وفضلاً عن ذلك، اعتاد النظام السوري على استغلال المتطرفين من أجل تقويض استقرار خصومه، وهي استراتيجية استعملها في العراق ولبنان، وهذا ما يؤكده أيضاً سجناء سابقون فارون من النظام.

وقد دافع بعض محللي الصراعات، مثل سيدريك ماس وهارون زيلين، عن هذه النظرية. في المقابل، اعتبر كل من آرون لوند وأيمن التميمي أن العفو السياسي قد عزَّز صفوف، ليس فقط المعارضة، بل أيضاً جبهة النصرة.

وبالنسبة لكل من لوند والتميمي، فإن صعود التطرف والجماعات المتطرفة في سوريا ليس إلا نتيجة للسياسة السورية في العراق.

لماذا لا يضع النظام السوري استراتيجية محاربة تنظيم الدولة ضمن أولوياته؟


في بداية الثورة السورية اقتصرت المناوشات بين النظام وجبهة النصرة على الفترة الأولى فقط، كما أن المواجهات بينه وبين تنظيم الدولة بدأت في وقت متأخر في صيف 2014. وقد دارت هذه المواجهات أساساً في حمص، ودير الزور، وتدمر، التي انتهت بانتصار القوات الموالية للنظام السوري في آذار/مارس سنة 2016.

ومن جهة أخرى، فإن النظام السوري يستفيد من الاشتباكات بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة والمعارضة السورية، فهو يترك أعداءه يتناحرون فيما بينهم.

في بعض الحالات، يتخلى النظام عن مواقعه لصالح تنظيم داعش، ويتجنب مواجهته، مثل ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي في تدمر.

وإن دلت هذه الخطوة على أمر ما، فهي تدل على أن النظام قد ترك -طوعاـ تنظيم داعش يتوسع في أراضيه. وفي واقع الأمر، يمكن الحديث في هذه الحالة عن نقص في الموارد وفي الاستراتيجية العسكرية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه خلال محاولات النظام الأولى لاسترجاع تدمر، في آذار/مارس 2015، كانت قواته متمركزة في إدلب، وهو ما دفعه إلى تفضيل الانسحاب. كما أنه لولا دعم روسيا لما تمكن النظام من استعادتها بعد سنة تقريباً.

وخلال الهجوم الأخير على تدمر، الذي أدّى إلى سيطرة تنظيم داعش عليها، كانت قوات النظام متمركزة في حلب، كما لم تكن القوات الموالية للأسد الموجودة في تدمر كافية، مما أجبر قوات النظام على التراجع مرة أخرى.

"إما الأسد أو الجهاديون".. من الخيال إلى الحقيقة


يمكن اعتبار أن الخيارات السياسية والعسكرية للأسد، متوافقتان تماماً.

فعلى الرغم من إعلان الأسد أنه يواجه في حربه الجماعات المتطرفة -نصفها من المعارضة- فإنه على أرض الواقع لا يركز النظام وحلفاؤه جهودهم على تنظيم داعش؛ بل يستهدفون بقصفهم المناطق المكتظة بالسكان والأسواق، والمستشفيات، والمدارس التابعة للمعارضة السورية.

أولوية الأسد تتمثل في محاربة المعارضة، وليس محاربة داعش، مما أدى إلى تعزيز موقع الجماعات المتشددة في المعارضة، مثل جبهة فتح الشام، الأمر الذي سهَّل انضمام العديد من السكان اليائسين إلى صفوف هذه الجماعات.

وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أنه بهذه الطريقة، لم يبقَ أمام الأسد سوى الإرهابيين من جهة، والمعارضة التي يهيمن على عناصرها متشددون من جهة أخرى. وفي هذه الحالة تصبح ادعاءات الأسد المتعلقة بحربه ضد الإرهاب والتطرف "حقيقة" لا "خيالاً".

"هذا الموضوع مترجم عن النسخة الفرنسية من صحيفة Slate الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد