في الوقت الذي يترقب كثيرون مصير المدنيين المحاصرين في مساحة لا تتجاوز 5 كم في حلب وتحديداً المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة لخصت الشابة الحلبية الواقع وكأنه "صالة سينما عملاقة تعرض فيلم رعب والجميع يترقب المشهد الأخير للنهاية المأساوية".
زين التي لم تتجاوز الـ 26 من عمرها واحدة من قرابة 80 ألف محاصر بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومصابون أيضاً، وتصف وضعهم بقولها لـ"عربي بوست" أنهم "متوحدون في صمتنا ننصت لصوت شحذ السكاكين المعدّة مسبقاً لذبحنا كخلفية موسيقية تصبغ أحداث حياتنا الأخيرة، لكننا سنموت ونحن على يقين بأننا لم نخذل يوماً من خذلنا".
لم يكن التواصل مع زين بالأمر السهل وإن لم تكن المشكلة في تأمين وسيلة التواصل في مناطق اعتمدت على الاتصالات الفضائية مع العالم الخارجي، ولكن الخوف الذي يعيشونه هو ما يمنعهم من الحديث والاكتفاء ببضعة كلمات اطمئنان لذويهم "إننا ما زلنا على قيد الحياة" تقول زين.
مصادر متقاطعة من داخل الأحياء المحاصرة في مدينة حلب شمال سوريا لـ"عربي بوست" قيام قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة له بإعدام 79 مدنياً كانوا يحاولون الفرار باتجاه الأحياء الغربية من المدينة مساء الإثنين 12 كانون الأول /ديسمبر 2016.
50 شخصاً داخل 100 متر
المساحة الصغيرة التي حوصر فيها من بقي من مدنيين قرروا اقتسامها فيما بينهم، وزين هي أيضاً إلى جانب 50 شخصاً في شقة لا تتجاوز مساحتها 100 متر مربع.
والأقسى بحسب كلام زين هو وجود أطفال تائهين من دون أهالي ولا يعرفون مصيرهم، تقول زين "الشوارع غصت بجثث القتلى".
أغلب أحياء المدينة تحولت إلى مقبرة كبرى بحسب وصف صحيفة الغارديان البريطانية والتي وصفت ما يجري بأنه عار على هذا الجيل.
منظمة الدفاع المدني السوري "القبعات البيضاء" كانت قد صرحت في وقت سابق عن توقف فرقها العاملة في حلب عن العمل نتيجة القصف المستمر والنقص الحاد في المعدات والأدوية الماء والمواد الغذائية فيما أكد متطوعو المنظمة على وجود أكثر من 90 جثة ما تزال تحت الأنقاض حتى هذه اللحظة.
فيما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن حياة آلاف المدنيين الذين لا يملكون أي ملجأ أصبحت في خطر حقيقي.
اللجنة أكدت وعبر بيان صادر عنها على قدرة العالم على تجنب كارثة إنسانية عميقة إذا ما استطاع إلزام القوات المهاجمة بتطبيق القواعد الأساسية للإنسانية والحرب.
البيان دعا المقاتلين المتواجدين ضمن الأحياء المحاصرة لبذل قصارى جهدهم في الدفاع عن المدنيين المحاصرين في فرصة قد تكون الأخيرة لحماية أرواحهم.
البضائع مجانية
في الوقت الذي اعتاد البائعون في كلّ حصار رفع أسعار بضائعهم، اختار البائعون هنا توزيعها بأسعار رمزية حتى منهم من اختار توزيعها مجاناً.
الأمر الذي أكده محمود الخطيب 31 عاماً الناشط المقيم في حي المشهد ضمن أحياء حلب المحاصرة، لأنه وكما يوضح أن المشكلة ليست بالطعام بل بإيجاد مأوى للعائلات النازحة ومحاولة إنقاذ من يستغيث بين الأنقاض.
"لا نملك أرقاماً لأعداد القتلى والعالقين تحت الأنقاض" يقول الخطيب لـ"عربي بوست " مضيفاً "هناك عائلات هرعت مسرعة من القصف وأضاعت بعضها بعضاً".
وما زاد جنون العائلات العالقة هنا بحسب وصف الخطيب "الأخبار المتواترة عن الإعدامات الميدانية التي تقوم بها قوات النظام في الأحياء المسيطر عليها زادت جنون من تاهوا عن عائلاتهم".
إنه الشعور التام بالعجز يتابع محمود، بالأمس وصلت إحدى العائلات الهاربة من حي بستان القصر، كانوا يحملون أشلاء طفلهم الذي لم يتجاوز العاشرة، هربوا بها من حيهم ليتمكنوا من دفن ما تبقى منه لحظة وصولهم إلى منفاهم الأخير، تحدثت لدقائق مع الأب، كان يعلم أنها النهاية لكنه فضّل أن تبقى العائلة سوياً ولو على شكل أشلاء.
في انتظار النهاية
"هم بالآلاف" تقول الناشطة ريما 27 عاماً عند سؤال عربي بوست عن أعداد الأطفال النازحين.
فهناك الكثير منهم تاهوا عن عائلاتهم أو فقدوها بشكل نهائي، وتوضح ريما "نحن كناشطين نحاول إيجاد عائلات تؤويهم ومنازل تحميهم من القصف والشظايا لا أكثر، لم نعد نملك حتى القدرة على إجابتهم في حال سألونا عن مصير أهلهم".
وتختتم بقولها "لم نعد نملك شيئاً إلا الانتظار، انتظار النهاية ربّما".