رفيق الروح

رفيق الروح.. هو ذاك المُتفرّد لديك بأبجديات المحبة كُلّها، عنده ما ليس موجوداً في سواه، ومعه ما لا يكون مع غيره، ذاك الذي تقلّدت روحه بحق كُرسي العرش في مملكة روحك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/13 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/13 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش

رفيق الروح، الوهم الذي ينبغي أن نُصَدِّقه، والحُلم الذي حبّذا لو نعيشه!

يتّهم البعض الحديث عن "رفيق الروح" بأنّه حديث وهمي وضرب من خيال، يُعمي الناس عن الحقيقة، ويُعلّقهم بصورة مثالية تُخالف الواقع المادي، وأتّفق معهم من وجه، وأختلف من وجهٍ آخر، أتّفق حيث إن الخيال وحده لا يُسمن ولا يُغني من جوعٍ، والاستغراق فيه دون وعي قد يُفقدنا الصلة بالحقيقة المُجردة، التي فيها ما فيها من تفاصيل لا تكون في الخيال، لكنّي أختلف معهم في نظرتهم الواقعية البحتة، فالواقع وحده يُفقد الأشياء روحها، ويسحقها تحت أقدام المادية البائِسة، فيُسرق من الأشياء كل معنى جميل خلقه الله فيها، وتالله إن روح الأشياء أهم ما فيها ويُكمّلها سلامة الجسد الذي يحملها.

رفيق الروح، صاحب الدرب، نصفك الآخر، الزوج الذي جعله ربّ العالمين مُعيناً لك على وعثاء الطريق، شفيقاً عليك من بلاءات الحياة، مُقيلاً لعثراتك، مُتجاوزاً عن تقصيرك وزلّاتك، مُقيماً لاعوجاجك، هو الحياة والسكَن، والموَدَّة والرحمة، مشروع عمرك لحياة طيبة وخلفٍ صالحٍ تتركهم من بعدك، فلا ينقطع بهم عملك من الدنيا وإن فارقتها.

وحتّى لا نُخالف قوانين الواقع ونشّذ عنها، فأوصاف الزوج أو الرفيق في الواقع تخضع لمواصفات الشرع وأعراف المُجتمع وموافقات النفس وميل القلب والتقاء الروح، فإن استوفيت شروط المادّية المُجرّدة فهُنا أسوق لك سُنن الروح التي تكاد تنقشع تماماً أمام المادية، والتي لم يجلب زوالها في الغالب إلّا مزيداً من تأخر للزواج وتعسرٍ لأسبابه وانحلال لأخلاق الشباب الذين لجأوا إلى العلاقات المحرمة بديلاً عمّا أحلّه الله ثُمّ عَقّده البشر، وصولاً لشيوع حالات الطلاق بشكل مخيف، ودونكم إحصاءات الطلاق في العالم العربي.

هُنا أسوق حديث الروح عن الروح، وأترك ميادين التوافق الأخرى لغيري، وهو حديث لا يُغني عن الآخر، والكل يكمل بعضه بعضاً، فقط هي دعوة لإعطاء الروح حقّها الذي كفله ربّ العالمين لها، فرُفقة الروح هي نعيم معجّل للإنسان في الدُنيا، إذن فالأمر يستحق السعي والصبر ورجاء الظفر!

رفيق الروح.. هو ذاك الذي برفقته تُرد أنفاس الروح للروح، فلا حياة لروح دون الأخرى، متلازمتان حدّ الحياة، حدّ الموت، حدّ الحياة بعد الموت.

لا يعرفون الفقد، ولا ذاقوا مرارته، ودّوا لو كان كُل الرفاق مثلهما، لقاء أول مُذ عرفوا حلاوته استيقنوا أنّهم إن افترقوا فعند الله اجتماعهم!

رفيق الروح، بجوارك كي تستند إليه الروح منك، روح أنت عُكّازها فتكون هي مُستراحك ومستودعك، بعد طول عشرة مع تخلّي البشر، يأتي لروحك رفيقها فيكون دثارها الذي يواري سوءة الأيام ويستر ما كشفه الخذلان منك!

رفيق الروح الذي سخَّره لك خالق الروح بعدما استعنت بالله واستغنيت به عن كلّ البشر، فجزاك ربّك عن الإحسان إحساناً، وعوّضك برفيق من لدنه حناناً!

ورُفقة الروح ليست بلقب يُؤتى لأي أحد وإنما هو شرف لا يُؤخذ إلّا بحقّه ولا يحفظه إلّا من فَقِه قدره وأدرك قيمته، ومن رُزِقه ثُمّ أضاعه فقد أضاع ما لا يُستَرد.

والبعض يخطو صَوب الروح بخُطى هائِمةً ذاهلة، مُرتبكة بِطعم اللهفة العابرة، إثر الإصرار على الوصول تجدها هوجاء هادرة.
وإنّ لمّا طَغَى الإعجاب على روحه ونفث فيه أن هيّا أقبِل، حَمَلَته على الإقدام وأغرته بالتسلُّل؛ إذ إن الروح عندما مالت فوقفت قبالة الرفيق.. ودقَّت..
ففتحت لها الروح الرفيقة.. ورقّت..
وألقت ما فيها من حرصٍ وتَخَلَّت…
ثمّ ما لبِثَت أن هامت.. فتعلَّقت، وتشقَّقت شوقاً حتّى اضمحلّت..
فتولّى الحُب الذي ليتك ما أقبلت به مُتسللاً، وليتها منه فرّت..
يا رفيق الروح حسبك! ما هكذا تورد الإبل..
دونك الأسباب فاطرق باب العمل..
ولا تكن في زمرة الخائنين مخذولا وَجِلا.
فإنّ رفقة الروح شرف لن تناله إلّا باجتناب هُوّة الزلل!!

رفيق الروح.. هو ذاك المُتفرّد لديك بأبجديات المحبة كُلّها، عنده ما ليس موجوداً في سواه، ومعه ما لا يكون مع غيره، ذاك الذي تقلّدت روحه بحق كُرسي العرش في مملكة روحك.

هو ذاك الذي جاءك على بساط المودة والرحمة فأهداك أُنساً به وأعلن بدء مراسم السعادة التي ظنّت روحك أنّها في غيابة جُبّ المُستحيل.
هو الرفيق الذي يخرق كُلّ الثوابت فتتساوى في حساباته الاثنان بالواحد.
حتّى في جنّة العُزلة وحده الذي يحظى بالصُحبة لروحك، وجهين في عملة الروح المحبة، واحد لواحد، إذ إن روحه سرت في روحك حتى استحالا بعد التباعد في كيان واحد.
يقول الرافعي رحمه الله: "إن الله قد خلق لكل روح من الأرواح روحاً أخرى تماثلها وتقابلها".
وأقول: هي روح توافقها وتَقْبَلها وتُكمّلها وترضى بها حدّ السكينة إليها وتُحبّها حدّ المودة الذي يفوق المحبة، وترفق بها حدّ الرحمة بها، فتكون لها نِعم الصُحبة ونِعم الرُفقة.

ويأتي رفيق الروح كمثل التوبة الخالصة تَجُبُّ ما قبلها من خيبات وتهيؤات، فكل ما كان قبله إنّما هو سراب بقيعة حسبته الروح الظمئة ماء وما هو بماء.
ولمّا هَبَّ نسيم الرفيق على الروح وسَطَعَت شَمسه في سمائها، وأطلَّ على بيت الروح يستأذن في الدخول من بابه، عَرفَته الروح بسيماء الرُفقة على جبينه وسمت الطهارة والصلاح على مُحيَّاه، وأيقَنت أنّه للروح العطشى رواء ولسابق الجراح دواء، وبشارة الفَرَج بعد سنواتٍ عِجَاف من الحِرمان والشَقَاء.

ومن أراد أن يرى معاني رفقة الروح متجسدة في قصة واقعية، فلينظر لحال نبي الله محمد صلى الله عليه وسلّم وزوجه خديجة رضي الله عنها وأرضاها، ولينظر كيف تكون رفقة الروح وكيف تدوم خمسة وعشرين عاماً في رفقة ثم تظل باقية، وإن سبقت أمنا بالرحيل عن الحبيب المصطفى.. بقي أثر المحبة في ذكره الدائم لها صلى الله عليه وسلّم، وفي الوفاء لسيرتها والإحسان لصاحباتها، فمن قال إنها رحلت عنه حين فارقت بالموت؟! والله ظلت حية حتى في حديثه وحياته مع حبيبته عائشة رضي الله عنها، التي رفق بغيرتها لكنّه قال عن رفيقته خديجة: والله ما أبدلني الله خيراً منها!
صلى الله وسلّم وبارك على محمد، ورضي الله عن أمنا خديجة وعائشة وسائر أهل بيت النبي وصحابته الكرام.

ولا حيرة في الأمر على تفاصيله وشدّته، فالروحان إذا ما التقيا عرفا، فكأنّها إذ أقبلت، فتلك أوبة روحها المخلوقة من ضلعه الأعوج لتكون أجمل.
وكأنّه إذ أقبل، فطفل تائِه تَعِبٌ قد رُدَّ رداً جميلاً لمهده الأول.

فتراهما من بعد ذلك أدبرا إدبار الوَجِل، وعلا السؤال مُحيّا الروح منهما:
هل هذا هو الرفيق الأكمَل؟!
وجواب السؤالِ مقال إجماله، هو من ترضاه بروحك.. بقلبك.. بعقلك، ويرضاه ربّك، وذاك هو الرضا الأمثل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد