"حتى نستطيع استيعاب حجم الضرر والتهديد والدمار للمأساة الحاصلة في سوريا بشكل دقيق، علينا أن نتخيل حدوث زلزال بدرجة 7.6 ريختر 50 مرة في اليوم الواحد". بهذه الكلمات يحاول عمار السلمو، مدير الدفاع المدني في مدينة حلب، نقل حجم المعاناة التي تعيشها المدينة للعالم عبر رسالة تصدّرت الموقع الإلكتروني لمنظمة الدفاع المدني السوري، أو مجموعة القبعات البيضاء كما يحب مُرتدوها أن يُعرفوا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي قامت فيه روسيا بتصنيف الدفاع المدني، المعروف بالقبعات البيضاء، منظمة إرهابية ولن يتم التعامل معها كمدنيين خلال عملية الإخلاء إن تمت!
مصطفى، وهو أحد المتطوعين في المنظمة، يقول لـ"عربي بوست"، إن "القتل دائماً هو الشيء الأسهل، أما إنقاذ الحياة فهو مهمة أصعب بكثير"، واصفاً للعالم طبيعة عمله هو ورفاقه في أخطر مناطق العالم.
والدفاع المدني السوري هو منظمة إنسانية تطوعية تأسست في عام 2013 للعمل على إنقاذ المتضررين والمصابين نتيجة الأعمال العسكرية الواقعة في سوريا، وتؤكد المنظمة حياديتها وعدم انحيازها أو ولائها إلى أي حزب أو جماعة سياسية.
بداية الحكاية
تشكلت فرق الدفاع المدني في كل من مدينة حلب وريفها مع نهاية عام 2012 عبر ناشطين تطوعوا لمهمات الإنقاذ والإطفاء والإسعاف باستخدام معدات يدوية بدائية، تلقوا أولى دوراتهم التدريبية في شهر مارس/آذار 2013 بمدينة غازي عنتاب التركية.
وشملت 20 متطوعاً تحولوا إلى مدربين وبدأوا بإنشاء مجموعات موزَّعة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتي كانت تفتقر إلى الخدمات كافة التي تساعد على إنقاذ المدنيين.
ثم ظهروا للعالم كمنظمة واحدة وحدّت كل الفرق تحت رسالة مشتركة، تعتمد القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان معياراً لها بعد اللقاء التأسيسي الذي جمع متطوعين من أنحاء سوريا كافة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014.
ومنذ انطلاقتهم، تمكن الدفاع المدني السوري من إنقاذ أكثر من 62 ألف مدني، فيما فقدوا أكثر من 100 متطوع وعشرات الآليات، وعدداً من المراكز كان آخرها مركز إنقاذ هنانو في حي الصاخور بحلب يوم الأحد 20 نوفمبر/ تشرين ثاني 2016 نتيجة استهدافه من قبل مروحيات النظام بالبراميل المتفجرة.
يضم الدفاع المدني السوري، اليوم، أكثر من 3000 متطوع موزعين على 8 محافظات سورية؛ هي: حلب وريفها، وإدلب ودمشق وريف دمشق وحمص ودرعا وحماة واللاذقية.
نوبل البديلة وعشرات الجوائز
قام عدد كبير من الناشطين حول العالم، مدعومين بسياسيين ووسائل إعلام عربية وأجنبية، بترشيح منظمة الدفاع المدني السوري لجائزة نوبل للسلام بعد حصولها على عشرات الجوائز، كان أهمها جائزة نوبل البديلة التي تمنحها منظمة "Right Livelihood" السويدية.
هذا بالإضافة إلى جائزة الحرية التي يقدمها المجلس الأطلنطي، وجائزة "ديزموند توتو" الخاصة بالسلام، لكن الفوز ذهب لمصلحة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس بعد توقيعه اتفاقية سلام أنهت الحرب الأهلية الدائرة في بلاده منذ أكثر من 50 عاماً.
فيما قامت منصة نيتفليكس "Netflix" العالمية بإنتاج فيلمها الوثائقي (القبعات البيضاء The White Helmets) الذي تحدث عن قصة أبطال من أرض الواقع -كما وصفت الشركة المنتجة- يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ السوريين من القصف والقنابل التي تُمطر المدنيين كلّ يوم، الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة حاز أيضاً تقييم 7.9 على موقع IMDB المتخصص في تقييم الأفلام.
وكان منير مصطفى نائب مدير الدفاع المدني السوري، صرح عن نية الدفاع المدني إصدار بيان رسمي يطلب فيه من العالم التوقف عن منحه الجوائز ما دامت الهجمات ضد السوريين مستمرة.
تصريح مصطفى جاء خلال تسلّمه جائزة "ديزموند توتو" الخاصة بالسلام، حيث قال: "أخذنا هذه الجائزة عن فئة السلام، لكن السلام مفقود في حياة السوريين والمتطوعين في ظل الهجمات الشرسة التي يعترّضون لها".
اليوم.. نحن عاجزون عن الإنقاذ
نتيجة للحملة العسكرية غير المسبوقة التي شنتها قوات النظام السوري على مدينة حلب، أصدر الدفاع المدني السوري في 28 نوفمبر 2016 بياناً للعالم أعلن فيه حلب مدينةً منكوبة بعد أن وثق ما يقارب 2000 غارة جويّة وأكثر من 7000 قذيفة مدفعية، ومئات الصواريخ الباليستية القنابل العنقودية وأسطوانات غاز الكلور المحرمة دولياً، ما تسبب في خروج جميع المستشفيات بالأحياء الشرقية عن الخدمة وفقدان الدفاع المدني أكثر من نصف معداته وآلياته الرئيسية إثر تعمد قوات النظام استهداف فرقه.
مسؤولو الدفاع المدني أكدوا أنهم عاجزون حتى لحظة إطلاق البيان من انتشال أكثر من 35 مدنياً عالقين تحت الأنقاض نتيجة القصف، فيما أشاروا إلى نفاد المخزون الاحتياطي للوقود، ومن ثم توقف الآليات والمعدات المستخدمة في إنقاذ المدنيين، وناشدوا جميع المنظمات الإنسانية والإغاثيّة والطبيّة التدخل السريع لوقف الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون في حلب المحاصرة.
تُركوا لمصيرهم
أطلق عناصر الدفاع المدني في مدينة حلب، الإثنين 12 ديسمبر، نداء استغاثة عبر الشبكات الاجتماعية، واصفين وضعهم ووضع مدينتهم بالمأساوي؛ نظراً لما تتعرض له من قصف عنيف وتقدم سريع لقوات النظام السوري في الأحياء التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة وبعد أن قامت روسيا بتصنيفهم كمنظمة إرهابية، رافضةً إدراج أسماء عناصرها ضمن قوائم الخروج لأهالي أحياء حلب المحاصرة.