بدأت بتصوير المقاطع الدعائية وتطورت إلى عمليات الاستطلاع.. كيف يستخدم “داعش” الطائرات بدون طيار؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/11 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/11 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش

ترتفع الطائرات الصغيرة بدون طيار في الهواء، ثم يتحقق المتحكم فيها من نقل الصورة الرأسية عن طريق الشاشة قبل إرسالها لتصدر أزيزها في جميع أرجاء المدينة.

قد يفعل ذلك أي شخص شغوف بهذه الأشياء على مستوى العالم، بينما تَخطت مبيعات الأسواق العالمية من الكاميرا الصغيرة التي تُثبت في هذه الآلة الطائرة عدة آلاف في سنة 2010 لتصل إلى عدة ملايين حالياً، لكن في مكان مثل العراق، صارت الطائرات الاستهلاكية بدون طيار سلاح حرب.

بداية الاستخدام

بدأ ما يُسمى بتنظيم داعش استخدام الطائرات الجاهزة بدون طيار عام 2014، فقد استخدموها في البداية في تصوير مقطع فيديو دعائي من الجو، ومن ثم استخدمت في الاستطلاع، بحسب تقرير نشره موقع بي بي سي.

نُشر مقطع الفيديو الجوي للقاعدة العسكرية السورية قبل وقت قصير من استهدافها بعدة تفجيرات انتحارية ركزت على نقاط ضعفها، وهو ما يشير إلى أن الطائرة بدون طيار أُرسلت في مهمة استطلاع.

استخدم تنظيم داعش الطائرات بدون طيار الأخرى في توجيه الشاحنات المصفحة المفخخة إلى أهدافها أثناء توجهها إلى تلك الأهداف، ووفقاً لمصادر في الجيش الأميركي، يستخدم تنظيم داعش الآن الطائرات بدون طيار في الموصل لمشاهدة مواقع سقوط قذائف الهاون، ومن ثم ضبط أهدافها.

ليس تنظيم داعش فقط من يستخدم الطائرات بدون طيار، بل إن مختلف الجماعات المسلحة الأخرى في سوريا والعراق يستخدمونها الآن، بمن فيهم حزب الله، حتى أن قوات الجيش العراقي قد نشرت تلك الطائرات الصغيرة بدون طيار خلال معركة الموصل، لكشف السيارات المفخخة، وتنفيذ مهمات استطلاعية تكتيكية.

غير أن هذه الطائرات لم تعد مجرد جواسيس في الوقت الحالي، فقد بدأ تنظيم داعش في تحويل تلك الطائرات الرخيصة إلى صواريخ موجهة من خلال تركيب عبوات ناسفة بها، التي تسببت حتى الآن في خسائر بشرية قليلة، إلا أن تلك الأسلحة التي تطير على علو منخفض بمثابة مشكلة متنامية، إذ تسعى الجيوش العالمية إلى تقويض هذه الطائرات للحفاظ على تقدمها في مواجهة تلك المعدات التجارية سهلة المنال، وستعمل الجيوش على تغيير أسلوب تجهيز نفسها لمثل هذه الطائرات.

وتتميز الطائرات الصغيرة بدون طيار بأنها أداة رخيصة تستخدم في مراقبة المرتفعات، أو الحصول على صور قريبة لمبنى بعيد دون تعريض نفسك لإطلاق النار.

فيما تمتلك الجيوش طائرات تكتيكية بدون طيار، إلا أنها نادرة وباهظة الثمن، إذ تبلغ تكلفة الطائرة بدون طيار المصغرة التي يطلق عليها "Black Hornet" لدى الجيش البريطاني حوالي 100 ألف دولار، أي ما يعادل 80 ألف جنيه إسترليني. بينما بعض الطائرات بدون طيار الاستهلاكية واسعة الانتشار مثل DJI Phantom – التي تستطيع الطيران لمدة نصف ساعة، وإرسال صور فيديو عالية الجودة من على بعد ميلين – يمكن شراؤها عبر الإنترنت بأقل من 1000 دولار أو 800 جنيه إسترليني.

في غضون ذلك، مثلت الطائرات التي يُتحكم فيها عن بُعد خطراً لعدة سنوات باعتبارها سلاحاً محتملاً، فمنذ فترة طويلة، وبالتحديد عام 1993، استخدمت طائفة دينية يابانية تُدعى أوم شينريكو حوامة تعمل عن طريق التحكم عن بُعد في رش غاز الأعصاب.

ولكن حتى وقت قريب، كان التحكم في هذه التقنيات صعباً للغاية، لأنه يستغرق وقتاً ومهارةً في التحكم بالطائرة عن بعد، ولا يخلو الأمر من عديد من الحوادث أثناء ذلك. غير أن الطائرات بدون طيار المتاحة حالياً تطير بنفسها.

مكمن المعضلة

تكمن المعضلة الآن في تسليح تلك الطائرات، فعلى الرغم من أن تركيب الأسلحة على متن هذه الطائرات الصغيرة بدون طيار لا يزال يتطلب بعض المهارة التقنية، صار من السهل إعدادها من خلال الإضافات الرخيصة المخصصة للهواة، مثل المعدات التي تمكّن أي طائرة صغيرة بدون طيار أن تلقي عبوة مليئة بالمسحوق المتفجر تزن مئات الغرامات.

ونشر حزب الله في أغسطس/آب مقطع فيديو يُظهر قنابل صغيرة أُسقطت من طائرة صغيرة بدون طيار.

ويوصي كتاب إرشادات الجيش الأميركي الجديد بأنه ينبغي أن يكون هناك جندي واحد على الأقل في الدورية العسكرية يتولى دائماً مهمة البحث عن الطائرات الصغيرة بدون طيار، محذراً من أنه من شأن سرب من الطائرات الصغيرة بدون طيار أن يربك الدفاعات.

ويزداد تطور الطائرات الاستهلاكية بدون طيار باستمرار، إذ يتميز الإصدار الأخير من الطائرات بدون طيار DJI Mavic بوجود أجهزة استشعار تمكّنها من تفادي العقبات مثل الأشجار والمباني تلقائياً، كما تتميز بخاصية الهبوط الدقيق من خلال الوصول إلى نقطة محددة وفقاً لصور الفيديو. وقد تساعد نفس التكنولوجيا المستخدمة مستقبلاً في التحكم الذاتي للطائرات بدون طيار، فلا يكون ثمة حاجة لمتحكم عن بعد، أو لإشارات قمر صناعي، ما يجعلها عصية على التشويش الإلكتروني.

فضلاً عن ذلك، يصعب إسقاط هذه الطائرات، وجارٍ الآن تطوير أسلحة للتصدي لها، فقد نشر الجيش الأميركي مؤخراً فيديو لجندي يستخدم أداة تشبه البندقية مرفق بها هوائي تلفزيوني تستخدم ضد الطائرات بدون طيار ضمن تدريبات عسكرية.

وتُطلق هذه الأداة، المسماة "Battelle Drone Defender" أو "باتيل المضاد للطائرات بدون طيار"، شعاعاً من موجات الراديو للتشويش على كل من الاتصال اللاسلكي بين الطائرة والمتحكم بها، ونظام تحديد المواقع العالمي.

فيما أظهر الفيديو الطائرة بدون طيار وهي تائهة بعد أن فُصل عنها التحكم، ومن ثم هبطت تلقائياً. وفي الوقت ذاته تُختبر خيارات أخرى للتصدي للطائرات بدون طيار، منها النسور المدربة والشباك والكرات المطاطية.

حاول صنّاع الطائرات بدون طيار منع إساءة استخدام منتجاتهم من خلال تصميم برامج تمنع تحليق طائراتهم في مناطق محظورة مثل المطارات، وتعرف تلك التقنية باسم geofencing، إلا أن هذه التقنية قد تُفلح في منع مستخدمي الطائرات بدون طيار عديمي الخبرة، بينما يمتلك المستخدمون المحترفون إمكانية إبطال هذه التقنية بسهولة نسبية.

ويعدّ التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار الاستهلاكية محدوداً، بسبب صغر حجم ما يمكن حمله على متنها. لذا، تسعى الجماعات المسلحة إلى امتلاك شيء أكبر.

اكتشف المحققون الميدانيون من مركز بحوث تسليح الصراعات في فبراير/شباط الماضي ورشة سيطر عليها تنظيم داعش في مدينة "الرمادي"، حيث تُصنع الطائرات بدون طيار من الصفر. كما عثر المحققون على هياكل طائرات غير مكتملة التصنيع، وأجنحة مصنوعة من الخشب والفلين، إلى جانب أجهزة إلكترونية متعلقة بالطائرات تتضمن متحكمات بالكاميرات وأجهزة تحديد الاتجاهات. وكان الموردون لهذه المكونات الإلكترونية من كوريا واليابان.

عُثر أيضاً على صواريخ ستريلا أرض جو روسية الصنع مفككة في نفس الورشة، وهو ما يشير إلى أن تنظيم داعش كان يخطط لتركيب رؤوس الصواريخ في الطائرات بدون طيار.

ثمّة مخاوف من تخطيط حزب الله للهجوم بالطائرات بدون طيار على الطائرات المروحية، إذ لا يمكن لأجهزة الاستشعار التحذيرية الصاروخية التعرف على الطائرات بدون طيار، كما أنها لا تتأثر بالمشاعل الحرارية. ربما يسهل تفاديها إذا استطاعت الطائرات المروحية رؤيتها، إلا أن استهداف هذه الطائرات بدون طيار من المروحيات قد يكون مستحيلاً.

مفاجأة كبيرة

تسبب انتشار الطائرات بدون طيار في مفاجأة كبيرة للقوات العسكرية. ومثلما فعلت الهواتف المحمولة المستخدمة في تنسيق الهجمات وتفجير القنابل في العراق، سيتطلب مواجهة تهديد الطائرات الصغيرة بدون طيار تكتيكات وتقنيات جديدة والمزيد من الأجهزة التي تضطلع بمهمة الكشف والتشويش.

بيد أن الدرس الأكبر يكمن في أن وفرة إنتاج هذه الطائرات التي أدت إلى انخفاض تكلفة الطائرات الاستهلاكية بدون طيار عن نظيراتها العسكرية، إذ يُنتج القطاع التجاري أجيالاً من الطائرات الصغيرة بدون طيار أكثر قدرة كل عام. وفي المقابل قد يستغرق القطاع العسكري سنوات عديدة للحاق بها.

ربما يكون ذلك هو السبب في مطالبة روبرت نيلر، الجنرال في مشاة البحرية الأميركية، بإعطاء كل فرقة مشاة طائرة صغيرة بدون طيار في عام 2017، فقد قال نيلر خلال مؤتمر صحفي في سبتمبر/أيلول "إنها مجرد 1000 دولار".

كما أوصى مجلس علوم الدفاع الأميركي مؤخراً أيضاً بتغيير طريقة تطوير أدواتهم، فبدلاً من استخدام مكونات معينة قد تستخدم القوات العسكرية قريباً معدات جاهزة ذات مكونات تجارية وبرمجيات مفتوحة المصدر بما يمكّن التجميع السريع والرخيص للطائرات بدون طيار بطريقة تشبه إلى حد كبير الطريقة التي اتبعها تنظيم داعش داخل ورشته في الرمادي.

قد يشكّل ذلك صدمة كبيرة في الصناعة العسكرية، والتي اعتاد العالم على إخفاء عملياتها خلال فترات زمنية طويلة. غير أن ما نريده تحديداً لمواكبة صراع الطائرات بدون طيار حالياً، هو التغيير.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع bbc. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد