للمرأة أحمل القلم اليوم لأكتب.. لامرأة احتفلوا بإنجازاتها يوماً وبإنجازات الرجل عليها يوماً آخر.. لنساء قدمن الحياة على طبق من ذهب واكتفين بفتات رغيف يابس.. لنسوة أبدعن في خلق المتعة وعانين بين أنفسهن من الاكتئاب.. لأمهات شربن من كأس المهانة كل صباح وأكلن الذل طبقاً ساخناً كل يوم.. لمن تحملن على وجوههن ذكريات الأسى.. لأيدٍ باطشة لم تجد غير الضرب تعبيراً عن نقص في الرجولة والأدب.. لرجال لم يعودوا رجالاً ولنساء أدمنَّ الإهانة.. لضعيفات القلب والروح لتلك الزوجة التي ما زالت تؤمن أن الوحش سيصبح إنساناً.. لتلك الضائعة التي لا تقرأ وتؤمن أن الضرب حماية.. بالله عليكم حماية مَن؟ وحماية ممن؟
وحتى تلك التي استباحت أن تمثل المرأة على شاشة التلفاز وتعرض بكل وقاحة وانعدام أخلاق: كيف تستعملين المكياج كي تخفي آثار ضرب الرجل لك في يوم العنف ضد المرأة.. لطالما أدهشني الغباء البشري لكن لم أظن أن الأمر يصل إلى أن نجعل من العنف قضية يجب التأقلم معها وإخفاؤها عن الناس؛ كي يظل ذلك الذكر مبجلاً أمام الناس.. اختلطت العبارات في داخلي وليس لي أن أنصح من تعتبر نفسها مذيعة أن تقرأ كتاب: كيف تستعملين المادة الرمادية لديك؟ أو كتاب كيف تكون إنساناً بقيم إنسانية؟ لعلها آنذاك تعي أن القضية أكبر من التغطية.. هي جروح غائرة تقتل المرأة من الداخل، تجعلها جسداً بلا روح.. فقط طيف لما كانت يوماً امرأة واليوم هي فقط مجموع ذكريات نزفت لحد الموت، ماتت المشاعر والأحلام والآمال.
لن أتحدث عن حقوق المرأة؛ لأن حتى هذا الموضوع لم تحسم فيه النساء بين تلك الثورية التي ترى الرجل خطراً يجب محاربته بكل الأسلحة، وبين تلك الخاضعة التي تؤمن أنها ضعيفة لا تستطيع أن تكون بمأمن إلا تحت جناح نسر كاسر يجيد اصطياد الطرائد، بين من تؤمن أنها كاملة لا تحتاج إلا من يكملها.. بين من أكبر أحلامها رجل يسألها أن لا تخرج فيعجب بها الرجال.. بين صاحبة حجابي عفتي وسيجارتي حريتي.. بين تلك التي تهاجم المحجبات؛ لأنهن بالنسبة لها رضخن للأعراف، ونسيت أنها بهذا هي أول من يخرق حرية الآخر.. بين من تنتقد خيانة الرجال وهي لم تنَم يوماً على فراش واحد.. وبين من تركن كل هذا؛ لأنهن لم يكنَّ بحاجة لأي إثبات.
لنساء لم تقدم لهن الحياة الرفاهية ضمن الاحتمالات، ولم يجدن غير الكد والجد لأجل البقاء على هذه الأرض؛ لعلهن يجدن فيها ما يستحق الحياة.. لنساء حملن وأجهضن أحلامهن في الشهر الثاني.. لأطياف آمن برجال يحترفون العهر فمات الأمل فيهن ولم يظل منهن غير شبح الماضي يذكرهن أنهن يوماً قامرن بكل شيء على رهان رجل خاسر.. للجميلات صاحبات المبادئ والأحلام.. للطويلات اللواتي ينافسن النخيل شموخاً والقصيرات صاحبات النخوة والروح المرحة.. للنحيلات والبدينات اللواتي لم يقنعهن الإعلام بالقالب الموحد للجمال واكتشفن معنى الجمال الحقيقي بأنفسهن.. للوفيات للحياة والموت.. لعاشقات السهر ومناجاة السماء حين يرقد الجميع ولا يبقى في الكون سواهن ينرن بابتساماتهن ظلام الليل وعتمته.. للطيبات المتسامحات وحتى للحاقدات على الغدر والزمان.
للأرملات اللواتي لبسن السواد وعشنه.. لعصاميات أبين إلا أن يكنَّ رمز العزة والشرف.
لأمي جميلة الجميلات، صاحبة العيون العسلية التي منحتني الحياة ولم تبخل يوماً علي بالإغداق حتى أكتفي.. أول يد منحتني الأمان وأخبرتني أن الحياة أكبر من جدران هذا البيت.. لأمهات رائعات أتبثن أن التضحية امرأة، وأن الجفاء رجل كبر في حضنها؛ ليخبرها أنها ضلع أعوج.. لأخريات كتب عليهن العيش بلا أولاد وحملن من الأمومة ما يكفي لجيل كامل من الأبناء.. للمقاومات في ساحات الحياة من أجل الانتصار على الحاجة والمهانة ومد الأيادي.. لكل نساء الأرض المناضلات الصامدات الحاملات لشعلة الأمل والحياة، إليكن أكتب وتنضب في حقكن الكلمات.. فأنتم ببساطة مختصر الحياة، وأنتنَّ الوطن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.