مع اقتراب "خلافة" تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من سقوطها في العراق، تستعد أجهزة الأمن في البلاد لمعركة مختلفة أمام الميليشيات، وتحوّل اهتمامها من الهجوم العسكري على الأرض إلى الأعمال الاستخباراتية، والهجمات الجوية الدقيقة ومستوى أعلى من التعاون مع الغرب.
صُممت الاستراتيجية الجديدة لصدّ التحركات المتوقعة لتنظيم داعش، الذي سيبتعد عن الاستيلاء على الأرض ويتجه إلى دور أكثر كلاسيكية كتنظيم إرهابي منتشر في الأزقة الخلفية للعراق بعد خسارته الموصل، آخر مراكزه المدنية الكبرى في العراق.
وقال مسؤولو المخابرات ومكافحة الإرهاب إن الميليشيات بدأت بالفعل وضع أساسيات استراتيجية تقضي بالاختباء في مناطق نائية، وتنفيذ هجمات في العراق وخارج البلاد واللجوء للجريمة الممنهجة لتمويل العمليات، بحسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس الأميركية.
الحدّ من عدد عناصر الميليشيات الهاربة
وقال المسؤولون العراقيون إن الأولوية المباشرة هي الحدّ من عدد عناصر الميليشيات الهاربة من الموصل إلى المخابئ. بينما على المدى البعيد، لن تنجح المعركة ضد داعش بعد الموصل سوى بتأمين الحدود العراقية مع سوريا وبمواجهة الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية للشكاوي القديمة الأقلية العربية السنية في العراق والتي حشدت دعمهم للميليشيات.
وشرح 6 مسؤولين -4 من أجهزة المخابرات واثنان من جهاز مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية- المخططات في مقابلات مع وكالة أنباء أسوشيتيد برس. وتكلمّوا بشرط إبقاء هويتهم مجهولة لمناقشة استعدادات أجهزة الأمن.
وتوقع هشام الهشيمي، محلل أمني عراقي: "ستواجه أجهزة والمخابرات أياماً عصيبة عندما تحارب وجهاً جديداً لداعش".
وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في نهاية الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة والقوى الدولية ستحتاج الإبقاء على وجودها في العراق حتى بعد سقوط تنظيم داعش: "للتأكد حين هزيمة التنظيم في العراق والشام، أنه سيبقى منهزماً".
وقال، مستخدماً الاسم البديل لتنظيم داعش: "يجب علينا الاستمرار بالتصدي لمحاولات المقاتلين الأجانب للهروب ومحاولات تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام ISIL الانتقال لموقع آخر أو الظهور بوجه جديد".
وقد تستغرق القوات العراقية عدة أسابيع لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل الشمالية. لكن في حال سقوط المدينة، ستتقلص رقعة سيطرة داعش، التي امتدت يوماً عبر ثلث البلاد إلى مناطق متفرّقة في شمال وغرب العراق، سيتمكن الجيش في الغالب من السيطرة عليها بسرعة نسبياً. لكن سيظل في أيدي التنظيم مساحة مترابطة، وإن كانت متآكلة، في سوريا المجاورة.
وقال المسؤولون إن الحكومة العراقية تتفاوض مع عدة شركات غربية لشراء معدّات مراقبة للإشراف على الحدود الصحراوية الممتدة مع سوريا.
وقالوا إن المعدّات المنتظرة سترفع من مستوى المراقبة باستخدام طائرات بلا طيار عراقية. وقالوا إنه توجد خطط لتوزيع قوات ميليشيات مؤيدة من قبل الحكومة ذات الأغلبية الشيعية لمساعدة قوات الجيش في القيام بدوريات على الحدود.
العراق يريد التدخل في سوريا
وقال مسؤول رفيع بجهاز مكافحة الإرهاب إن العراق يريد أيضاً التدخل ضد تنظيم داعش في سوريا لضمان سقوط العاصمة الفعلية لدولتهم، الرقة. وشنّت القوات السورية بقيادة الأكراد، وبدعم من هجمات جوية أميركية، هجوماً بهدف تطويق الرقة منذ شهر، لكنها لم تحرز أي تقدّم فعليّ.
وقال مسؤول مكافحة الإرهاب إن دمشق أعطت العراق إذناً سرياً بتنفيذ هجمات جوية على الرقة باستخدام طائرات بلا طيار أو طائرات حربية. لكن لم توجد طريقة للحصول على تأكيد لهذه الخطة من المسؤولين السوريين. تُعد كلتا الحكومتين العراقية والسورية حليفتين لإيران، وتقاتل عناصر الميليشيات العراقية الشيعية في سوريا بجانب قوات الرئيس بشار الأسد.
وفي سبيل بتر تأثير تنظيم داعش في الغرب بعد فقدانه لمركزيته، يقول مسؤولون إن العراق رفع مستوى التعاون وتبادل المعلومات الحالي مع السلطات في غرب أوروبا، والولايات المتحدة، وأستراليا. بهدف منع هجوم الخلايا النائمة والحيلولة دون عودة عناصر الميليشيات الغربية لبلادهم.
وقال المسؤولون إن جهاز مكافحة الإرهاب أراد تأجيل الهجوم على الموصل لتحجيم أثر تنظيم داعش أولاً قبل أن يدفعهم الهجوم الشامل إلى الهرب والانتشار.
وأضاف المسؤول الرفيع: "أردنا أن يبقوا داخل الموصل، وأن يحتشدوا جميعاً هناك بينما نهاجمهم يوماً بعد يوم بقصف جويّ موجّه وعمليات استخباراتية".
لكن بدلاً من ذلك، غادرت معظم عناصر تنظيم داعش من المستويات العليا والمتوسطة مدينة الموصل بعد بداية الهجوم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى سوريا، وتركيا، والمناطق الكردية من العراق، بحسب تقرير المسؤولين. وقالوا القائد الأعلى للتنظيم أبو بكر البغدادي كان بين الفارّين، وإنه يُحتمل الآن أن يكون في شمال-غرب العراق قرب الحدود أو في سوريا.
وقدّر المسؤولون عدد مقاتلي التنظيم في الموصل بين 4500 و6000 شخص، بينهم عناصر يشغلون مناصب إدارية أو يعملون في "الحسبة" -وهي نوع من الشرطة الدينية- والذين أُمروا بالانضمام للقتال للدفاع عن المدينة.
وقال مسؤول إن العشرات من مقاتلي التنظيم العراقيين غادروا مع عائلاتهم وسط المدنيين الفارّين من القتال، ويُحتمل حصولهم على إذن من قادة الدولة الإسلامية المحليين. تكمن المخاوف الحالية أن الفارّين من الموصل سيُعاد توزيعهم في خلايا تنظيم الدولة الإسلامية للتخطيط لهجمات مقبلة.
وأكد مسؤول مكافحة الإرهاب: "إذا هرب 1000 من عناصر الميليشيات، وهذا محتمل جداً لأن منافذ الهرب لا زالت مفتوحة أمامهم، سيكونون كافيين لترويع العراق، بل المنطقة بأكملها".
ولفت المسؤولون إلى أن الأجهزة تجمع معلومات عن خطط داعش لما بعد الموصل عن طريق المخبرين واستجواب المقاتلين الأسرى.
التخلي عن التشكيلات العسكرية واستبدالها بخلايا
وبعد الموصل، قال المسؤولون إن تنظيم داعش يخطط للتخلي عن التشكيلات العسكرية واستبدالها بخلايا بعدد أقصى من 50 مقاتلاً. وستخطط هذه الخلايا لتنفيذ عمليات ذات أهداف مدنية، أو مبانٍ حكومية، أو منشآت عسكرية، أو سجون لتهريب عناصر التنظيم المعتقلين.
وأكد مسؤول مكافحة الإرهاب أن "إن خطة ما سيحدث بعد الموصل مفصّلة، ومزوّدة بقائمة للمخابئ وكيفية الحصول على إمدادات الطعام، والماء، والوقود". وذكر ودياناً جبلية وصحراوية نائية في غرب وشمال غرب العراق قريباً من الحدود السورية والسعودية قد تكون ملاجئ محتملة.
أتت لمحة مما قد نواجهه مستقبلاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما هاجم مقاتلو الدولة الإسلامية ومفجّرون انتحاريون، يُرجّح أنهم عناصر خلايا نائمة، مدينة كركوك النفطية، ما أسفر عن مقتل 80 شخصاً. وفي الشهر الماضي، انفجرت سيارة مفخخة وسط حجاج شيعة عائدين من إحدى الشعائر الدينية الكبرى، وقُتِل 92 شخصاً.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مقابلة مع وكالة أنباء أسوشيتيد برس في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني: "ستكون بقايا التنظيم مدمرة، وشديدة الخطورة. المؤسف أننا يجب أن ننجح في التصدي لهم كل مرة. بينما يجب عليهم النجاح مرة واحدة فقط لنشر الخراب في مكانٍ ما من العالم".
لكن إعادة الهيكلة ما بعد الموصل لن تكون خالية من المتاعب بالنسبة لتنظيم داعش، بحسب تقرير المسؤولين. شهد التنظيم بالفعل هبوطاً ملحوظاً في أعداد المتطوعين الجدد. سيفقد التنظيم توغُّله في المنطقة الذي منحه سكاناً يجنّد المقاتلين منهم ومساحة شاسعة لتنفيذ العمليات، سواء كانت صناعة المتفجرات للهجمات الانتحارية أو إعداد أسلحة كيميائية.
وسيخسر تنظيم داعش أيضاً مصادر مالية مهمة، منها الضرائب التي كان يجمعها من العراقيين الخاضعين تحت سيطرته. ويقول المسؤولون إن ذلك سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على وسائل أخرى مثل الاختطاف بهدف الحصول على فدية وابتزاز المال مقابل الحماية.
وبالإضافة إلى ذلك، أثَّر السجل الحافل لوحشية التنظيم سلباً في التعاطف الذي كان التنظيم يحظى به سابقاً من جانب بعض العراقيين السنة. وقال المسؤولون إن استمرار ذلك التعاطف يعتمد على اتخاذ الحكومة ذات القيادة الشيعية خطوات واقعية لتخطي الانقسام السني-الشيعي.
لقد أثبت تنظيم داعش أنه متماسك وواسع الحيلة.
ونجا تنظيم "القاعدة في العراق"، الذي يُعَد سَلَفاً لتنظيم داعش، من شفير الهلاك على يد موجة من القوات الأميركية في عامي 2007 و2008، حيث لجأت الميليشيات لمناطق نائية لاستعادة قواها. وفي ذلك الوقت، أثارت أفعال الحكومة استياء السنة من السيطرة الشيعية، وعاد المتطرفون في جسد جديد إلى المشهد في عامي 2013 و2014، واستولوا على مساحاتٍ واسعة من سوريا والعراق.
وقال مايكل و. حنا، وهو خبير بشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة القرن بنيويورك ومراقبٍ لقضايا العراق، إن الدولة الإسلامية الآن تُصقل تكتيكات البقاء التي يمكنها تبنّيها.
وأضاف حنا، مستخدماً أحد الأسماء العديدة للتنظيم: "تنظيم داعش قديم ومستعد للعودة إلى الصحراء مجدداً، ولأن يكون حركة عصيان أو جماعة إرهابية مرة أخرى".
– هذا الموضوع مترجم عن وكالة أنباء Associated Press الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.