ليست مدينة حلب في سوريا، التي يُقتَل أكثر من 50 من سكانها يومياً بكل شيء، بدءاً من الضربات الجوية إلى البراميل المتفجرة وانتهاءً بالغازات الكيماوية، ليست مدينة يطمح في زيارتها معظم الناس الذين ينعمون بأمان مدن غرب أوروبا في الوقت الحاضر.
ومع ذلك، فهذا عينه ما تخطط لفعله جماعة من النشطاء، مقرُّها برلين، عمل مسيرة على الأقدام من القارة الأوروبية وصولاً إلى الحدود التركية السورية، ومن هناك إلى المركز المحاصر في أكثر صراعات القرن الـ21 دموية، بحسب تقرير نشره موقع The Daily Beast الأميركي.
ولادة الفكرة
وُلدت فكرة المسيرة المدنية من أجل حلب من إحباط امرأة شهدت المذبحة التي يتعرض لها مدنيو حلب من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين وحلفائه الآخرين، بما يبدو أنه حصانة كاملة ولا مبالاة من قبل المجتمع الدولي.
وقالت أنا ألبوث، صحافية بولندية وناشطة حقوق إنسان تعيش في برلين، في رسالة بريد إلكتروني أرسلتها إلى موقع "ذا دايلي بيست" الأميركي: "عندما بدأ قصف كل المستشفيات، وعندما كان أصدقائي السوريون يخبرونني المزيد والمزيد من القصص، عندما كنت أشاهد كل مقاطع الفيديو الصغيرة تلك (التي يمر عليها معظمنا مرور الكرام) سئمت من كل ذلك. تخيلت نفسي في ذلك الموقف وكنت أرتجف. ثم قلت بصوت عالٍ: ماذا لو فعلنا جميعاً ذلك من أمام شاشات حواسيبنا؟ وفي غضون 24 ساعة كان عندي فريق مدهش مستعد للعمل".
التفاصيل الدقيقة قيد الإنهاء
لا زالت التفاصيل الدقيقة للخطة قيد الإنهاء، لكن خطوطها العريضة أن ألبوث والمصاحبين لها سينطلقون من ميدان تيمبلهوفر فيلد في برلين في العاشرة من صباح يوم 26 ديسمبر/كانون الأول منطلقين إلى جمهورية التشيك، ثم النمسا، ثم سلوفينيا، وكرواتيا وصربيا ومقدونيا واليونان وتركيا. قد يستغرق الطريق الذي يمتد لأكثر من 2000 ميل حوالي 6 شهور لإنهائه، وتتصادف المرحلة الأولى له مع أشد فترات الشتاء قسوة.
وقالت ألبوث إنها وفريقها من المتطوعين يعملون لإيجاد الفنادق ومواقع التخييم والمدارس والكنائس وأي مرافق أخرى للإقامة، لكنها حذرت المتظاهرين على موقع الحملة من أنهم قد يضطرون أحياناً إلى النوم في العراء.
وبالنظر إلى الظروف والجدول الزمني للخطة، فإن ألبوث لا تتوقع من كل المشاركين الانضمام إليها طول الطريق، لكنها تشجع الناس على الظهور قدر المستطاع لأية فترة ممكنة.
وقالت ألبوث: "لو انضم الناس من كل البلاد على الطريق إلينا لساعة واحدة أو 4 ساعات أو حتى يومين، فسيكون عددنا كبيراً".
أحد المخاوف الواضحة متعلق بالأمن، ليس فقط داخل سوريا نفسها، وإنما في تركيا أيضاً، حيث هناك سلسلة من العمليات الانتحارية وإطلاق الرصاص (فضلاً عن محاولة الانقلاب العسكري) نتج عنها قتل عشرات المدنيين العام الجاري.
كان الناشط الإيطالي، بيبا باكا، قد قتل عام 2008 في مدينة جيبزي التركية بينما كان في مسيرة من أجل السلام من أوروبا إلى الشرق الأوسط. تأمل ألبوث أن توفر السلطات التركية دعماً أمنياً لهم، وأضافت أن الحملة "على تواصل" مع ناس داخل البلاد.
أما عن الوصول إلى حلب، وهو الأمر الذي سيتطلب العبور عبر أقاليم واقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، و/أو الميليشيات الكردية، بالإضافة إلى القوات الموالية للنظام، ومجاهدي الدولة الإسلامية الذين ليسوا بعيدين عن كل ذلك، فإن ألبوث تعترف بأن الأمر ربما لا يكون ممكناً في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فإن أملها منصبٌّ على أن تنجح في الوصول إلى غاية الحدود السورية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع حالة من الوعي بمعاناة المدينة من أجل إجبار العالم على التخفيف من هذه المعاناة.
وقالت ألبوث لـ"ذا دايلي بيست": "إن هدف المسيرة أن يحصل المدنيون السوريون على المساعدات الإنسانية. هل سيكون من الضروري أن نذهب حقاً إلى مدينة حلب نفسها؟ فلنر. إن لدينا هدفاً واحداً فحسب، ونريد في مسيرتنا خطوة خطوة من برلين، أن نضغط على أصحاب القرار لإيجاد حلول".
مثالية يائسة؟ محض جنون؟ سمِّها ما شئت، لكن بعضاً من سكان الأحياء المحاصرة في حلب أخبروا "ذا دايلي بيست" بأنهم يعتبرون المسيرة مبادرة مرحب بها.
وقالت لينا شامي في رسالة صوتية على فيسبوك: "إنه لأمر مدهش حقاً وعظيم، ما يفعلونه. لقد أثبتوا أن الإنسانية لا زالت بخير في هذا العالم. مثل تلك الأفعال تؤثر على الرأي العام العالمي، وتجذب الانتباه لقضيتنا العادلة. لذا، فإن ما يفعله أولئك الأحرار الشجعان شيء مذهل حقاً".
وبينما قال بهاء الحلبي، من غرب حلب، لموقع "ذا دايلي بيست"، إنه يخشى أن إنهاء المسيرة سيكون "مستحيلاً" إلا أنه وافق على أن المحاولة ذاتها مجدية.
"أوقفوا هذا الجحيم"
وقال بهاء: "نحن نأمل أن يظهر الناس كلهم التضامن مع حلب وشعبها، وأن يوقفوا هذا الجحيم. عندما يظهر العرب والغربيون التضامن، فإن ذلك سيضغط على حكوماتهم للوقوف مع شعب حلب والضغط على روسيا. إن أي تضامن من أي شعب سيضغط على الحكومات، ولو تحركت تلك الحكومات فإن ذلك قد يوقف الجرائم الروسية".
ومع ذلك، الوقت ليس في صالحهم، فقد استعاد نظام الأسد وحلفاؤه ما لا يقل عن نصف الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة داخل مدينة حلب في الأسبوعين الأخيرين، ما حدا بقوى المعارضة، يوم الأربعاء الموافق 7 ديسمبر/تشرين الثاني، لاقتراح وقف لإطلاق النار مدته 5 أيام يتبعه "مفاوضات حول مستقبل المدينة".
وكانت روسيا والصين قد اعترضتا في مجلس الأمن، يوم الاثنين، باستخدام حق النقض (الفيتو) على مشروع قرار يدعوا إلى وقف لإطلاق النار لمدة 7 أيام، ما أدى إلى زيادة المخاوف من نية الائتلاف المؤيد للأسد إبادة معارضة مدينة حلب بالكلية. في غضون ذلك، تسوء الحياة يوماً بعد يوم بالنسبة لسكان الأحياء المحاصرة في حلب والذين يزيد عددهم على 100 ألف.
وقالت لينا لـ"ذا دايلي بيست": "هذا حصار، لذا فكل يوم أسوأ من اليوم الذي قبله. كل يوم جديد يعني طعاماً أقل، ودواء أقل". وقد أضاف الخسران السريع للأراضي، وما يعقبه من تدفق الجيران المهجرين داخلياً إلى تفاقم الأوضاع المعيشية التي وصفها رئيس بعثة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الشهر الماضي، بأنها "بالكاد تكفي للبقاء على قيد الحياة".
وأضافت أن العديد من الأحياء المفقودة حديثاً كانت تحتوي على قطع من الأرض قام السكان بزراعة طعامهم فيها للبقاء على قيد الحياة أثناء الحصار. وتعني زيادة الكثافة السكانية، إلى جانب وجود المزيد من الأفواه الجائعة مع طعام أقل، إن "كل قذيفة تطلق الآن، كل ضربة" تسبب عدداً أكبر من القتلى والجرحى. وبسبب عدم وجود مستشفيات، فإن الناجين من الهجمات يعالجون من قبل أطباء ميدانيين، يضطرون لإجراء العمليات دون تخدير أو أوكسجين.
وبعبارة أخرى، فإن 6 أشهر وقت طويل على سكان حلب لانتظار وصول المساعدة، وهي حقيقة تعترف بها ألبوث تماماً.
قالت ألبوث: "تلقيت رسالة من حلب بالأمس تقول: (أنّا، ليس عندي أدنى فكرة إلى متى سنظل على قيد الحياة) نعم نحن نعلم أننا متأخرون، وأنه كان ينبغي علينا البدء الشهر الجاري أو السنة الماضية. لكننا بدأنا الآن، وسنفعل ما نستطيع فعله لتحسين حياة المدنيين".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.