أعزب… كلمة أبت أن تخضع لوصف أو تنطوي على تصنيف، ما أصعبها أن تعيش حياة العُزاب، ما أقساها أن تكون يومياتك رتيبة كئيبة روتينية، بلا شريك، ولا ونيس.
كيف أبدأ وأنا إذ أمسكت بقلمي هذا وهممت أن أكتب بعض الحقيقية الغائبة عن الكثير .. كأن قلمي لم يعرف الكتابة من قبل وكأن المِداد فيه لا يعرف من الهجاء إلا كلمات إجلال الزواج والحياة الزوجية الصحيحة بل والصالحة.
وتهرب مني الكلمات، حتى لا أجد منها كلمة واحدة تقف على حدود معنى بسيط مما أريد أن أقوله وأوضحه، وأي ألفاظ تلك التي أرتبها فتصوّر لكم ما في صدري؟ أو أتخيل أنها تصور لكم ما في صدري؟
مررتُ بعِدة تجارب في مراحل مُختلفة من عُمري، وفي عقودٍ مختلفة أيضًا، لا استطيع أن أنكر أنّ كُل تجربة كانت تُعطيني درسًا وفائدة، لا سيما أنني كُنت ممن لا يُجيدون التعامل مع "الجنس الآخر" كما غيري من ذات جنسي وجيلي، نزلت بمحطات كثيرة لا أتذكر أنني كُنت استمر كثيرًا بها، كُنت مُترددًا مًتمردًا ولا أحبذ الإرتباط وربما ناقم على الفكرة بشكل جذري.. ظنًا مني أنّها سَتُكبلني، وإن شئت فقُل كان هُناك إحساس بالرهبة والخوف من الفكرة ذاتها؛ حياتي العملية التي كانت تتطلب أن أعيش "عزابيًا" منفردًا وحيدًا، أعمل على إنهاء حاجياتي اليومية "الحياتية" بشكل فردي، أحضر طعامي..أتسوق..أنظف مكان إقامتي… أصبح الأمر شاق وصعب، أردت البحث عن جديد للحيلولة دون ذلك بعيدًا عن فكرة الإرتباط التي باتت تُرهق تفكيري حيث المُستقبل المُبهم، والوضع الاقتصادي الذي كان يتردى يومًا تلو الآخر.
لم أكن آبه أن أخوض غِمار التجربة، خاصة وأنني كُنت قد فقدت الثقة بكثير من ثوابت لطالما رُسمت في مخيلتي بسبب التجارب، وزاد الهمّ همًا هذا العبء الذي أضحى مُصاحبًا للمُقبلين على خطوة "الخطوبة" من تكاليف والتزامات مادية أكثر من إنها معنوية ونفسية.
ظننت أنني حاكم لا شريك له على بيت أنيق، وحياة خاصة.. ليس لي ثانِ في دولتي الصغيرة الجميلة . أستطيع أن أصحى متى شئت .. و أنام متى شئت .. و أخلع ثيابي .. و أغني .. و أُطرقع مفاصلي .. و أشرب الماء أو العصائر كما يحلو لي …ليس على أكتافي شئ سوى رأسي … لا مسئوليات .. لا هموم .. لا مطالب .. لا واجبات .. فأنا أعزب .. كلمة جميلة حلوة .. هذه الكلمة .. أعزب .. لقد تذكرتها و أنا أحلق ذقني .. و أنظر إلى وجهي في المرآة.
فصفرت بفمي نشيد المارسيليز إحتفالا بالحرية المطلقة التي أعيش فيها .. و الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها .. و التي تتألف من ثلاث غرف و صالة و حمام أنيق بالقيشاني ..
سوف أنام الليلة ملء أجفاني .. تحلم بي كل عانس و يحسدني كل زوج .. و تجعل مني بنات السادسة عشرة محورًا لمغامراتهن .. و يحمل همي الخادم و البواب و الجيران .. و لا أحمل أنا سوى إبتسامة و اسعة ساخرة معها آخر نكتة من نكت الموسم ..
الحب هو رغبة بين إثنين لا تستنفذها الطبيعة .. رغبة شخصية لكل منهما في الآخر .. ليس لكونه ذكرًا .. و لا لكونها أنثى .. و لكن لكونه فلان .. و لكونها فلانة .. و لكونهما مشدودان بخيط من الفضول و الدهشة و الإعجاب .. كل منهما يحب أن يصغى إلى صوت الآخر .. حتى و لو لم يكن يتكلم .. يصغى إلى صوت وجوده ..
فكرت في هذه العبارات ثم ضحكت .. و تذكرت صديقي و هو يقول لي كل يوم : إلى متى تظل أعزب .. متى تفكر في الزواج، لا يدري أنني أعزب لأنني أفكر جديًا بالزواج و حياة الاستقرار والمشاركة التي أحبها، لا يعلم أن هناك ثرثرة تكاد أن تفتك بعظام جمجمتي من طفرة التفكير والتخطيط.
بالفعل جعلت لنفسي هدفًا أعيش من أجله وأسعى إلى تحقيقه ركزت كُل اهتماماتي بإنجاز هذا الأمر، محوت من ذاكرتي جميع المواقف السيئة والحزينة التي مرت عليّ في حياتي، وضعت معاييري الخاصة والتي تختلف من شخص لآخر بالطبع وتعتمد على (النسبية السائلة) شروطي التي لا أقبل أن تكون مُجرد طلب إن وجد فأهلا به وإن لم يكن فلا بأس، وقد مَنَّ الله عليّ بعد مشاورات وعِدة استخارات بمن فُتح إليها باب قلبي الموصد بأقفال الخيبات لتتربع على عرشه وتأخذ منه كل ما تمنت وتمنيت يومًا ما، والتي جعلها الله منار لحياتي، وتوقفت عندها طموحاتي.
نصيحتي للمُقبلين على الزواج أو "الخِطبة"، وربما أنا لم أتخطى بعد هذه المرحلة، لكن تيقن أن الإقبال على تلك الخطوة والنيّة الحسنّة التي تنتويها لتكوين أسرة و أول درجة على درج العفة والاستقرار الاجتماعي هي الزواج، وستفتح عليك أبواب البركة وبسطة الرزق، عليك أن تبادر إلى الزواج طاعة لربك، وامتثالاً لأمر نبيك صلى الله عليه وسلم، وتحصينا لنفسك، واستمتاعاً بما أحلّ الله لك، وطلبًا للعقب الصالح.
قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32].
وفي الصحيحين أن النبي صلَّ الله عليه وسلم قال: "من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
وفي المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة".
وأما عن طريق اختيار الزوجة، فأول خطوة منها هي: الاستخارة، ثم الاستعانة بالله تعالى وسؤاله سبحانه أن يوفقك ويهديك إلى ما فيه الخير والرشاد، ثم استشارة من تثق بدينه وورعه ونصحه وعقله وتجربته، فقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
ثم – بعد هذا – ابحث عمن تلائمك وتصلح لك، واجعل الدين والخلق في مقدمة المعايير التي ستختار على أساسها زوجتك، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
صدقًا لن تندموا، طالما أخترت على أسس وثوابت صحيحة، أنهي حديثي بنصيحة أخيرة "تزوجوا فإنَّ في الزواج بَركة".
محمد الأخرسي – صحفي مصري، ومنتج تليفزيوني