الإنترنت.. حفَّار قبر الصحافة المكتوبة أم “هدية السماء”؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/09 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/09 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش

قبل أشهر قرر طلال سلمان، مالك جريدة "السفير" اللبنانية، التوقف عن إصدار النسخة الورقية نهائياً والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية فقط.

هذا القرار المؤلم بإعدام واحدة من المنابر الإعلامية الرائدة في الوطن العربي منذ مطلع سبعينات القرن الماضي جاء بسبب الأزمة المالية الخانقة التي ظلت المجلة تعانيها في صمت منذ عقود.

"السفير"، التي ولدت كبيرة بخطها التحريري والأيقونات الإعلامية الكبيرة التي كانت تكتب فيها، والتي عرفت التوقف عن الصدور ثلاث مرات بقرارات حكومية وتعرض مقرها للقصف ومطابعها للنسف ورئيسها -طلال سلمان- لمحاولة اغتيال فاشلة في الثمانينات، لم تكن الأولى التي تحصل على شهادة الوفاة، ولن تكون قطعاً الأخيرة، لكن المكانة التي تحظى بها داخل وخارج الوطن العربي لفتت مرة أخرى الانتباه إلى الأزمة التي يعانيها الإعلام المكتوب منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، نتيجة تنامي وانتشار التلفزيون والراديو وتراجع مستويات القراءة واستغلال الإشهار كوسيلة لترويض المنابر الإعلامية، فقد أصبح حصول جريدة ما على مساحات مهمة من الإشهار -حتى الحكومي منه- لا يكون بسبب عدد السحب اليومي، ولكن بسبب الخط التحريري.

فقد لاحظ الصحفي الأميركي "Jeff Jacoby" في مقالة بعنوان "هل ستقوى الصحف على العيش؟" نُشرت على موقع " The Boston Globe" قبل 9 سنوات أن عدد الأميركيين الذين يقرأون جريدة في اليوم قد تراجع من 70 في المائة بداية السبعينات إلى 35 في المائة فقط سنة 2007، وإذا كان هذا هو الوضع في الولايات المتحدة، فيمكن تخيل الوضع في باقي الدول، وبخاصة منها الدول العربية، التي تصل فيها نسب القراءة بصفة عامة لمستويات قياسية من التدني.

أدى ظهور الإنترنت نهاية القرن الماضي وسهولة انتشاره، حيث يرجح أن يكون اليوم أكثر من 6 مليارات شخص يتوفرون على هذه الخدمة، إلى المساهمة بشكل كبير في إعادة بعث وإحياء الصحافة المكتوبة، خلافاً لما ذهب إليه البعض من كونه -الإنترنت- "هو حفار قبر الصحافة المكتوبة".

هذا الاستنتاج يزكيه اليوم التطور الكبير الذي لحق المقاولات الإعلامية التقليدية؛ حيث ظهرت نسخ إلكترونية لأقدم الصحف والمجلات العالمية لتصبح في متناول القراء أينما كانوا وفي نفس الوقت بكبسة زر واحدة، بالإضافة إلى بروز مقاولات أخرى جديدة استطاعت أن تحقق في وقت وجيز شهرة واسعة في صفوف القراء، ومنافسة أعتى الصحف والمجلات.

بالإضافة إلى سرعة الولوج لهذه المواقع، التي استطاعت إلى حد كبير أن تخلق توازناً بانفلاتها من الرقابة التي مسخت الإعلام الرسمي، فقد قلل الإنترنت من تكاليف النشر والتوزيع، مما وفر هامشاً ربحياً إضافياً لهذه المقاولات الإعلامية، ناهيك عن الاستفادة كثيراً من مداخيل الإشهار نتيجة توفير مساحات كافية والقدرة على تنويع المنتجات المشهَّرة، وهو ما لم يكن متاحاً في الإعلام الورقي، ونتيجة كذلك للوصول إلى جمهور واسع عبر العالم.

أما من الجانب التقني، فقد مكَّنت هذه التكنولوجيا من دمج المواد المكتوبة مع الوسائط السمعية البصرية في مادة صحفية واحدة، لتوفير خدمة متنوعة، فورية وبجودة عالية، خالقة بذلك ثورة جديدة في مجال الإعلام والاتصال.

ليس هذا فقط، بل هناك أيضاً إتاحة إمكانية التحرير بعد النشر، سواء من أجل التصويب أو التصحيح، وسهولة الأرشفة، وإمكانية الرجوع للمادة في وقت لاحق كلما دعت الضرورة ذلك، دونما الحاجة إلى توفير مساحة مكانية سواء داخل المقاولة أو البيت، ولعل من أبرز إيجابيات المواقع الصحفية الإلكترونية أيضاً أنها وفرت إمكانية التفاعل مع المادة الخبرية عن طريق تقنية التعليق والمشاركة والتفاعل، ناهيك عن كون الإنترنت أصبح شبه مجاني، إذ يكفي أن يتوفر الشخص على جهاز ذكي ليتمكن من الولوج إلى هذه الخدمة عن طريق خدمة "الواي فاي" ذائعة الانتشار، هذا دون ذكر إمكانية الولوج إلى عدة منابر إخبارية محلية ودولية بالمجان، وهو ما لم يكن متاحاً في السابق بسبب غلاء الصحف والمجلات.

إلى جانب كل ما سبق تعتبر المواقع الإلكترونية صديقة للبيئة مائة بالمائة، وهي ميزة إضافية مكنت المقاولات الصحفية من تفادي احتجاجات الجمعيات البيئية، بسبب استهلاكها لأطنان من الورق يومياً للنشر، وهو ما سينتج عنه حماية الغابات، وبالتالي المساهمة في الحد من التلوث، لا سيما مع تنامي الوعي بضرورة دمج التكنولوجيا العصرية في الصناعة، أياً كانت هذه الصناعة، لتجنب آثار التلوث على المناخ، وعلى حياة الإنسان.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد