تبدو ميعاد الجبوري بالطاقية العسكرية المموّهة التي تضعها فوق وشاح رأسها غريبة بين مئات الرجال الذين يقاتلون لاستعادة قرية من تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق.
فميعاد – وهي أم لخمسة أطفال – هي المرأة الوحيدة في صفوف قوة مشتركة من الجيش العراقي والفصائل العشائرية التي هاجمت قرية كنعوص، أمس الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2016، التي تمثل واحدة من جبهات عديدة في الحملة الرامية لطرد المتشددين من معاقلهم الباقية في العراق.
ما الدافع؟
وقالت ميعاد – شأنها شأن الرجال من حولها – إن ما دفعها لحمل السلاح هو كراهيتها للتنظيم الذي اجتاح مساحات كبيرة من البلاد قبل أكثر من عامين واستخدم أساليب وحشية في معاقبة خصومه، وقتل كثيرين من بينهم عدد من أبناء عمومتها.
لكن مجرد وجودها في ساحة المعركة يخالف كل الأعراف في مجتمع يقتصر فيه دور المرأة في كثير من الأحيان على البيت، ونادراً ما تشاهد قرب الخطوط الأمامية إلا إذا كانت مع الفارين من القتال.
وقالت ميعاد وسط تعبيرات الاستحسان من الرجال الواقفين حولها: "هؤلاء الجنود كلهم إخوتي. وأنا فخورة أني معهم. هؤلاء (مقاتلو الدولة الإسلامية) جاءوا لتدمير العراق لكننا.. سنحرق هؤلاء الكلاب".
ورغم كل ما قالته ميعاد عن القتال فهي لم تنضم إلى فصيل "أسود دجلة" العشائري إلا قبل 10 أيام ولم يكن لها أي خبرة سابقة بالقتال.
وهذا الفصيل واحد من عشرات الفصائل التي ظهرت لدعم القوات العراقية الزاحفة على الموصل آخر مدينة كبيرة من معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد في حملة تدعمها الولايات المتحدة بدأت في أكتوبر/تشرين الأول، وتعتبر حاسمة في القضاء على دولة الخلافة التي أعلنها المتشددون في مساحات كبيرة من العراق وسوريا عام 2014.
ويتعامل الرجال مع ميعاد وكأنها تميمة حظ أكثر منها رفيقة سلاح.
ورغم أن بندقية كلاشنيكوف تتدلى على جسدها الضئيل فهي لم تطلق منها ولا طلقة واحدة خلال المعركة التي دارت أمس وظلت على مسافة قصيرة خلف خط النار الأمامي.
قالت ميعاد دون أن يبدو عليها أي اضطراب من دويّ قذائف المورتر التي يطلقها المقاتلون على قرية كنعوص حيث كانت تعيش: "لا يسمحون لي بالذهاب إلى الجبهة الحقيقية. يخافون عليّ لكني أريد الذهاب إلى هناك".
وعلى سطح بيت في موقع متقدم أخذ نحو 10 من الجنود ورجال الفصائل موقعهم وراحوا يطلقون القذائف واحدة تلو الأخرى بشكل عشوائي نحو القرية ولم يواجهوا سوى مقاومة خفيفة.
مثل الذئب
وقالت ميعاد إنها قامت خلال العامين اللذين عاشت فيهما تحت حكم التنظيم بإبلاغ قوات الأمن العراقية سراً بتحركات المتشددين، ولم تكن تلتزم بأوامرهم التي كانت تقضي بأن تغطي النساء وجوههن.
رحلت ميعاد وأسرتها عن كنعوص خلال الصيف وانضمت إلى آلاف العراقيين النازحين في مخيم بالإقليم الكردي حيث ألقت أجهزة الأمن القبض على زوجها وسجنته.
ولا تعرف ميعاد سبباً لسجن زوجها، وقالت إن اسم زوجها ربما كان متشابهاً مع اسم أحد المشبوهين أو أن أحداً يحمل ضغينة منه اتهمه بأنه على صلة بالمتشددين.
وأضافت ميعاد التي كانت تلفّ العلم العراقي حول عنقها: "على حد علمي لم يرتكب أي خطأ".
وبعد اعتقال زوجها سافرت ميعاد جنوباً إلى تكريت وتركت أطفالها الذين تتراوح أعمارهم بين السنة والتسع سنوات في رعاية إحدى قريباتها حتى تتفرغ للمشاركة في الحرب على الدولة الإسلامية.
وقالت: "أطفالي بكوا وقالوا (خايفين لتموتي). وقلت لهم لن أموت".
وتوفي والداها ولم تبلغ ميعاد أعمامها الذين قد يعترضون على الخطوة التي اتخذتها بحمل السلاح. ومع ذلك فقد شجعتها حماتها للثأر لمقتل أحد أبنائها على أيدي المسلحين عام 2012.
ولا يعلم زوج ميعاد المسجون شيئاً عن دور زوجته مع الفصيل المسلح. وقالت: "لن يرضى.. لكنه يعرف أنني ذئب وأنني مقاتلة وأنني مثل رجل".
وفصيل "أسود دجلة" الذي يحظى بدعم الحكومة العراقية مكون من مجموعة من الشباب المحليين كثيرون منهم كانوا في الجيش وفقدوا أصدقاء وأحبة على أيدي المتشددين.
وطلب الرجال أن تلتقط لهم صورة بجوار ميعاد وقالوا إنها ستحصل على بيت أحد مقاتلي الدولة الاسلامية في كنعوص بعد تحريرها.
وقال المقاتل عامر كاظم (27 عاماً): "الروح المعنوية للجنود ترتفع لرؤية امرأة بجانبهم تقاتل لمحاربة الإرهاب وداعش"، مستخدماً اسماً شائعاً للتنظيم.
وتحدث أحد القادة عن جعل ميعاد قائداً لكتيبة من النساء لكن المقاتلين كانوا أقل حماساً إزاء احتمال حمل زوجاتهم وشقيقاتهم السلاح إلى جانبهم.
وسئل كاظم عما إذا كان سيسمح لقريباته بالمشاركة في المعركة فتحاشى الإجابة عن السؤال وقال: "عندنا عادات وتقاليد".