هل تسقط حلب? سؤال بات يردده كثيرون خاصة بعد المعارك العنيفة التي شهدتها المدينة مع انطلاق حملة قوات النظام بمساندة عسكرية متعددة الجنسيات من روسيا وإيران والميليشيات العراقية واللبنانية في 15 نوفمبر/تشرين ثاني 2016 .
وتهدف هذه الحملة لطرد المعارضة من الجزء الشرقي من المدينة بعد أن حررته من النظام منذ ما يزيد على الـ4 أعوام.
ولكن مصادر المعارضة السورية تقول إن الوضع في حلب الشهباء ليس بهذه البساطة وأنهم سيصمدون في المدينة رغم عنف الهجوم عليهم.
فمع التقدم السريع لقوات الأسد في الأيام الأولى وسيطرتها على مساحات واسعة من أحياء المدينة آخرها أنحاء حلب القديمة كافة، انسحبت مجموعات المعارضة لتشكل خطوط جبهات جديدة.
ونفذت المعارضة هجوما عكسيا صباح الإثنين 5 ديسمبر/كانون أول لاستعادة بعض ما خسرته من نقاط عسكرية خلاله من استرجاع حي الميسر وثكنة العيون وتثبيت خطوط جبهاتها في حيي كرم الطحان والجزماتي اللذين شهدا هجوماً واسعاً استخدمت فيه قوات النظام كافة أنواع الأسلحة الثقيلة.
وفِي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش السوري تمكن، الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول، من استعادة 5 أحياء جديدة بشرق حلب، ليرتفع العدد العام للأحياء المحررة من قبضة المسلحين هناك إلى 35.
كما أعلن الجيش السوري أنه بسط سيطرته على 65 % من أراضي شرق حلب التي خضعت للمسلحين، والتي يقطنها، حسب معطيات الأمم المتحدة، نحو 270 ألف مدني.
التمسك بكل شبر
وتشهد حلب حصاراً مختلفاً عمّا شهدته المدن والمناطق السورية الأخرى في السنوات الأخيرة، فعدد السكان الكبير الذي يفوق 350 ألف مدني شكّل بطبيعة الحال ضغطاً فاق ضغط المعارك العسكرية، خاصة مع آلاف القذائف والصواريخ التي سقطت على المدينة.
ودُمرت بدورها المشافي ومراكز الدفاع المدني وحتى أفران الخبز ومستودعات الإغاثة، حسبما يقول سيف أبو عمر مدير المكتب الإعلامي لـ"فيلق الشام" في تصريح لـ"عربي بوست".
أما على الصعيد العسكري، فيُرجع أبو عمر الانهيار السريع في الجبهات مع بداية حملة قوات النظام إلى أن جبهات حلب من الجهات الأربع شهدت اشتباكات عنيفة لمدة 4 أعوام، مما أدى إلى ضعف التحصينات والدشم المقامة وسهل تقدم قوات النظام إليها .
لكنه قال مع وصول المعارك إلى الأحياء السكنية وتحول الحرب إلى حرب شوارع، زاد الثوار من تمسكهم بالأرض وتفوقوا في الكثير من المعارك وكبّدوا القوات المهاجمة خسائر كبيرة، وهي نتيجة حتمية لدخول الجيوش النظامية في معارك من نوع حرب الشوارع.
وذكر سيف أن عدد المقاتلين في الأحياء المحاصرة وذخيرتهم كافييْن لصد هجمات النظام والقوات المساندة له.
وقال: "علينا الآن التمسك بكل شبر من الأرض، وأهم ما يجب فعله الآن في حلب هو توحد البنادق كافة تحت قيادة واحدة. بالفعل، تم تشكيل مجلس عسكري موحد، وكان (فيلق الشام) جزءاً منه، وعلينا تفعيل دوره بشكل أكبر ليدير الأمور العسكرية كافة".
والأمر لا يقف عند السلاح المتوافر؛ بل أيضاً ما تملكه هذه الأحياء من طعام، وبحسب تقديرات سيف فهي تكفي القاطنين هناك مدة لن تتجاوز الـ3 أشهر، وبعدها سوف تبدأ الكارثة إن استمر الحصار عليهم.
كميات الذخيرة المتوافرة
"على الأرض وحتى اللحظة، لا خيارات مطروحة أمامنا سوى الصمود لآخر طلقة"، هكذا يقول طارق محرم، القيادي ضمن حركة نور الدين زنكي المقاتلة في حلب، لـ"عربي بوست".
يضيف قائلاً: "بالتأكيد، هناك جهود دبلوماسية تُمارَس للضغط على روسيا والنظام لإيقاف الهجمة الوحشية، ونملك جهات تمثيل سياسي تفاوض المجتمع الدولي وتعمل على ذلك، لكننا كعسكريين نعمل وفق الوضع الراهن، ندافع عن أهلنا وأرضنا وسنستمر في القتال حتى موتنا أو فرض الهدنة".
وتابع: "كعسكريين، تجاوزنا الاختلافات كافة بين الفصائل المقاتلة وقمنا بتشكيل مجلس قيادة عسكرية موحّد يشرف بشكل مباشر على الأعمال القتالية كافة، وقرارنا الدفاع حتى آخر رجل جاء بالإجماع".
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام فصائل تعرضت لحصار دام أكثر من 3 أشهر: ما وضع الذخيرة التي تملكها؟ الأمر الذي أوضحه القيادي محرم بقوله إن المقاتلين يملكون ما يكفيهم من سلاح يسترجعون فيه ما خسروه من مناطق الفترة الماضية.
والمجلس العسكري في حلب يعمل، بحسب محرم، بالتنسيق مع المقاتلين الموجودين في ريف المدينة والذين يقومون بقصف المواقع التي يُطلق منها نيران قوات النظام ويعملون على التقدم بهدف فك الحصار.
معركة بقاء
أحمد سعدو قائد كتيبة رجال الله قال لـ"عربي بوست" إن "حرب المدن دائماً ما تخضع لآلية الكر والفر، قواتنا استطاعت استعادة زمام المبادرة ولو بشكل مرحلي، وتمكنّا اليوم من تثبيت جبهاتنا وإعادة السيطرة على مناطق كنا قد خسرناها قبل أيام".
أما عن انسحاب المعارضة السريع مع بداية الهجمة، فيرجعه سعدو إلى طبيعة الأحياء التي كانت تسيطر عليها المعارضة (والتي استعادتها قوات النظام).
فهي بالمجمل كانت أحياء قديمة تضم منازل عربية من طابق أو طابقين، مما يجعل من الصمود فيها ومحاولة التمترس مهمة مستحيلة، حسب قوله.
حول الحديث عن توقيع اتفاق مصالحة يقضي بانتقال المقاتلين بأسلحتهم الخفيفة نحو إدلب، أجاب سعدو: "معركتنا بالتأكيد هي معركة بقاء، مما يفرض علينا التمسك بالأرض حتى النفَس الأخير"، مشيراً إلى وجود الكثيرين ممن فضلوا البقاء على الخروج من المعابر الروسية نحو الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام.
إدلب تغيث حلب
سامر البيوش، المقاتل ضمن جيش إدلب الحر، قال لـ"عربي بوست"، إن "العمل في إدلب جارٍ على قدم وساق لتقديم المساندة للمحاصرين في حلب، الفشل المتكرر في فك الحصار دفعنا هذه المرة للعمل على مستوى أعلى والتحضير لمعركة أكبر سوف تنطلق من إدلب التي باتت تشكل الخزان الأكبر للمعارضة في سوريا".
وأقر بأنهم يتخوفون من مصير حلب، قائلاً: "بالتأكيد، إن لم ننجح في التحرك السريع أو أخفقنا في كسر الحصار وهزيمة قوات الأسد، فإننا سنلقى مصير حلب، وسيقوم النظام بمحاصرتنا، وهذا ما لا نريده".
وعن التحضيرات لفك الحصار، يقول البيوش إن التحضيرات تجري على مستوى التجمعات العسكرية الكبرى، كجيش الفتح القوة الأكبر في المدينة، إضافة إلى المجموعات المنضوية تحت راية جيش إدلب الحر.