قبل 6 سنوات بدأ بيبيه غريللو يتصدر عناوين الأخبار الساخرة من قيادته لأكبر أحزاب إيطاليا المعارضة. كيف لا وغريللو ممثل كوميدي قبل أن يتحول لسياسي؟!..
نعم.. تعالت الأصوات المتهكمة التي وصفته بـ"المهرج"، ولكن بحلول العام 2013 هدأت عاصفة السخرية قليلاً وبدأت مجلات كالألمانية دير شبيغل تطلق عليه لقب "أخطر رجل في أوروبا".
والآن بعد 3 أعوام من ذاك العنوان بدأ نقاد غريللو يتحدثون عن أن العناوين قد تصدق وأن الرجل قد يغدو بالفعل الأخطر في القارة الأوروبية، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
رياح الاقتراع
ويبدو أن رياح الأوضاع السياسية ما لبثت أن بدأت بدورها تأتي بما تشتهي سفن غريللو، حيث أعلن الإيطاليون عبر الاستفتاء الذي جرى أمس الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول 2016 رفضهم للإصلاحات التشريعية التي طرحها رئيس الوزراء ماتيو رينزي، الأمر الذي أجبره على وقف الاستفتاء وإعلان تقديمه لاستقالته صباح اليوم الإثنين.
وكان رينزي في وقت سابق من هذا العام قد فشل في إحراز نسبة الثلثين البرلمانية التي تلزمه لإقرار قانون مثير للجدل يهدف لتنظيم العملية التشريعية في البلاد، حيث زعم منتقدو هذا القانون أنه لو اعتُمِد فسيطلق يد رئيس الوزراء بشكل أكبر ويوسع صلاحياته.
وباستقالة رينزي قد صارت الظروف مواتية أكثر لمحاولة غريللو وحزبه اليساري المعارض "حركة النجوم الخمس" الصعود إلى مصاف القوة والسلطة، الأمر الذي قد يزج بأوروبا في معمعة اقتصادية وربما سياسية أيضاً.
فغريللو يطالب منذ سنوات بعقد استفتاء على عضوية إيطاليا في منطقة اليورو، وفي حال تحقق ذلك فلن ينعم اقتصاد إيطاليا الهش بالاستقرار، خصوصاً بنوك البلاد، حيث هبطت قيمة اليورو أمام الدولار فور إعلان النتائج الأولية لاستفتاء أمس.
قرين ترامب
ورغم أن البعض يعتبر غريللو النسخة الإيطالية من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، إلا أن هناك
فروقات واضحة بين الرجلين، فالأول ممثل كوميدي تحول إلى ناشط سياسي، وأما الثاني فتاجر عقارات تحول إلى سياسي مبتدئ ثم غدا رئيساً منتخباً.
إلا أنه ثمة تشابهاً ونقاط التقاء تجمع الاثنين تجعلهما موضع مقارنات كثيرة في أوروبا، ولا ينأى الإيطالي بنفسه عنها بل أشار شخصياً إليها في مقابلة تلت انتصار ترامب إذ قال "ثمة تشابهات بينه وبين حركتنا، فنحن أصبحنا أول حركة سياسية في إيطاليا دون أن تلحظ وسائل الإعلام ذلك وتدركه."
وعلى غرار رسالة ترامب السياسية "تجفيف المستنقع" يتخذ غريللو هو الآخر موقفاً شديد المعارضة لسياسات السلطة والفساد، ويتهم رئيس الوزراء رينزي بعرقلة الإصلاحات الاقتصادية وتلك المضادة للفساد.
وترمز "حركة النجوم الخمس" التي ينتمي إليها غريللو إلى "المياه العامة والنقل المستدام والتطوير المستمر وحق استخدام الإنترنت وحماية البيئة."
ولكن فوق كل ما سبق يتخذ الحزب (الذي يعد نفسه حركة، لا حزباً) أشرس مواقفه المعارضة للقادة الذين أداروا أوروبا وحكموها خلال الأعوام القلائل الأخيرة التي عانت فيها القارة من تقشف اقتصادي خانق ضرب إيطاليا بالذات في مقتل فارتفعت معدلات بطالة الشباب فيها إلى 27%.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية العام الماضي قال غريللو في إشارة إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر: "لدى هؤلاء مرض اسمه فقد العواطف يتسبب بصعوبة الإحساس بمشاعر الآخرين كالألم والمتعة والفرح.. هم لا يأبهون إن أجبروا عشرات الملايين من الناس على الجوع لمجرد تسوية حساب ما، فيروح ضحية ذلك الأبرياء. لقد ائتمنّا على حياتنا أناساً لا يفقهون شيئاً في الحياة."
غريللو وموسوليني
ولعل لهجة خطاب غريللو الشعبوية أقلقت شمالي أوروبا أكثر من غيرها فكتب الصحفي الألماني المحافظ يان فلايشهاور مقالة عام 2013 أثارت ضجة كبرى من الجدل والنقاش جاء فيها "إن غريللو يفتخر بأسلوبه الساخر التهكمي من النظام البرلماني، ورغم أن خطابه المعارض للسلطة يروق البعض إلا أن حقيقته هي أنه معاد للديمقراطية، وليس إيطاليٌ شهير سيئ الصيت من ذلك ببعيد"، في إشارة إلى الدكتاتور الإيطالي السابق بينيتو موسوليني قائد الحزب الوطني الفاشي.
وكان غريلو قد تحدث إلى أنثوني فايولا مراسل واشنطن بوست عام 2012 رافضاً بشدة المقارنات بينه وبين القادة المستبدين الفاشيين إذ قال "يسمونني شعوبياً هتلرياً ويقولون إننا نازيون، لكنهم لا يفهمون. إن ما يحدث هو أن حركتنا تملأ فراغاً شبيهاً بذاك الذي ملأه النازيون في ألمانيا أو المرشحة الوطنية مارين لوبان في فرنسا، مع ذلك نحن لسنا مثلهم بتاتاً، فنحن معتدلون وأناس طيبون، ونحن الشيء الوحيد الذي مازال يقف حائلاً بين إيطاليا وبين المتطرفين الحقيقيين."
أما عن ترامب فأخيراً وجد غريلو لنفسه قائداً مناسباً يرضاه للمقارنة، فكلاهما اشتهر على التلفزيون وكلاهما يشعر بإهمال الإعلام والسلطة السياسية لهما، كما أنهما كلاهما يعدان خطراً وشيكاً في كل من بروكسل وبرلين وباريس.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.