عندما تحطَّمت معايير التفاضل بين الناس.. حلَّت الفوضى

يمكنني أن أستمر إلى ما شاء الله في ذكر الأمثلة حول معايير مفاضلتنا بين الأشخاص، ومن نعطيهم قيمة في هذه الحياة، لكن الأمر لا يتعلق هاهنا إلا بالتفكير في إيجاد حل لهذا التيار الجارف الذي يدفعنا نحو الهاوية، حتى أصبح ما نقضيه أمام الـ"سناب شات" بحثاً عن إعجابات "الوهميين" يفوق ما نقضيه في سعادة حقيقية مع أصدقائنا وأهلنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/02 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/02 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش

غالباً ما نحتاج إلى الاختيار في هذه الحياة، أقصد المفاضلة بين الأمور، حتى ولو لم تعرض علينا في مرة واحدة فإننا قد نرفض أو نقبل الأشياء والأشخاص طبقاً لمقاييس مفاضلة معينة نضعها كمعيار في هذه الحياة.

الأمر أسهل هنا عندما يتعلق بالأشياء كالأجهزة الإلكترونية أو السيارات، فالخسارة في كل الحالات لن تكون كبيرة بقدر إساءة اختيار الأشخاص.

نحن وبشكل مستمر نضطر إلى اختيار الأصدقاء والزملاء، شركاء الحياة وحتى رؤساء البلدان.. نفاضل بين المشاهير، ونضفي قيمة للناس أو ننزعها عنهم، والمزعج في الأمر أن اختياراً خاطئاً واحداً لشخص من الأشخاص قد يقودك لحرب عالمية كما حدث مع هتلر، قد يضيع اقتصاد بلد، ويفرض عليك عيش تجربة إنسانية مريرة، وحياة زوجية تعيسة، لكن الأكثر إزعاجاً من كل ذلك هو أن يتعطل معيار ومقياس المفاضلة بين الأشخاص.

ذلك أن انتشار مقاييس تفاضل خاطئة بين الناس سيدفعنا نحو الهاوية، سيجعل جميع خياراتنا خاطئة، وسيجعلنا عبيداً لأسوأ الأشخاص الذين أضفنا لهم قيمة بفضل مقاييس التفاضل المحطمة التي بدلت معيار اختيار الأشخاص.

لعلنا لا ندرك الأمر، لكن عندما تحطمت مقاييس التفاضل بين الناس قد حلَّت الفوضى ولكم أن تتأملوا معي فيمن حرم ذلك الشاب أن يختار تخصص دراسته الذي يحب فقط لأن معيار تقديرنا للأشخاص لا يعترف إلا بـ"م" (مهندس) و"د" (طبيب)، فاختار الشاب ما أراد أهله؛ ليصبح محل تقدير مجتمع لا يدرك أهمية التخصصات الأخرى، وليعيش الشاب تعاسته فيما لا يحب؛ لأن حياته من الأساس ليست ملكاً له، فهي ملك للناس جميعاً إلا هو.

كم قابلتم من رجل أو امرأة عجوز لم يعش حياة زوجية؟! أما أنا فقد رأيت الكثير منهم وفي كل مرة أرى تلك التجاعيد التي يمكنك أن ترى فيها تواريخ الأيام التي عاشها هؤلاء، فإنني ألعن المعيار الذي حرم هؤلاء من حقهم كبشر في أن يتزوجوا ويختاروا شريك الحياة الذي يرتضونه، لكن قسوة المجتمع ومعايير المفاضلة بين الناس لم تنصفهم؛ لأن المعيار كان مالاً ونسباً وجاهاً ولم يكن ديناً فوق كل شيء.

هل عملتم فيما سبق في العمل الخيري؟ إذا لم تفعلوا فاسألوا العاملين في الجمعيات الخيرية كم قابلوا من مطلقة تعيش حياة تعيسة تبحث فيها عن حياة كريمة لأطفالها وقد تزوجت بقرار.. قرار لم يكن لها فيه رأي فقد اختار الأب والأخ والعم شريك حياتها، وعندما رُميت وجدت أبواب هؤلاء مقفلة.

من أزال البساط من تحت فقير عفيف وأعطاه لسارق المال العام؟ ذاك الذي تذهبون إلى بيته في عزيمة كل عام!
ذاك الذي أنساكم قيمة الأمانة والصدق وأعجبتم بمنزله وسيارته وهاتفه، فاتفق الجميع على أن يبدلوا في معايير التفاضل؛ لأنها لا تنتج مالاً ولا جاهاً فأصبحت سرقة المال العام سُنة بين الناس.

يمكنني أن أستمر إلى ما شاء الله في ذكر الأمثلة حول معايير مفاضلتنا بين الأشخاص، ومن نعطيهم قيمة في هذه الحياة، لكن الأمر لا يتعلق هاهنا إلا بالتفكير في إيجاد حل لهذا التيار الجارف الذي يدفعنا نحو الهاوية، حتى أصبح ما نقضيه أمام الـ"سناب شات" بحثاً عن إعجابات "الوهميين" يفوق ما نقضيه في سعادة حقيقية مع أصدقائنا وأهلنا.

عندما تحطمت معايير تقييم حياتنا واختياراتنا للأشياء والأشخاص حلَّت الفوضى، ولعلنا لن نجد مخرجاً للكثير من مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بعد أن نُعيد معيار التفاضل بين الناس إلى "لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، عندها فقط سيتبوأ كل ذي مقام مقامه الذي يليق به، بعد أن أصبحت حياتنا تحت رحمة المعتوهين.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد