بجسدها الهزيل وقدمها الدامية المصابة بشظية نتيجة القصف الذي استهدفها وعائلتها خلال محاولتهم النزوح، تبكي هيا -الطفلة التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها- بحرقة.
لم يكن بكاؤها بسبب الألم الذي يسببه النزيف؛ بل لأنها اكتشفت أن لعبتها حنان بقيت في المنزل الذي تركوه!
"جلّهم رسم خطوط وعيه الأولى على أصوات الرصاص ووقع القصف والانفجارات"، يقول أحمد (27 عاماً) الناشط والمتطوع ضمن فريق الدعم النفسي لأطفال حلب في منطقة كرم الجزماتي التي تعتبر خط جبهة، حيث ينتقل أطفال حلب المحاصرة بين البيوت والملاجئ والشوارع في الوقت الذي تتقدم فيه قوات النظام وتفرض سيطرتها على أحياء حلب الشرقية.
الأولوية لحليب الرضّع
نحن لا نملك ملاجئ -يقول أحمد لـ"عربي بوست"- موجات نزوح كبيرة شهدتها أحياء حلب المحاصرة، الأعداد فاقت عشرات الآلاف ونحن نحاول استيعاب الأعداد وإسكان العائلات الواصلة ونعمل على تقديم الدعم النفسي للأطفال بحسب ما يتاح لنا من وقت ووسائل مساعدة.
أحمد ومن يعمل معه استقبلوا خلال الساعات القليلة الماضية أكثر من 70 عائلة جاءت من حي الشيخ سعيد الذي يشهد اشتباكات عنيفة منذ ساعات الصباح الأولى، معظم العائلات القادمة تضم أطفالاً بأعمار مختلفة.
الأولوية، بحسب أحمد، تأمين حليب الرضّع وأماكن السكن، فيما يتولى فريق من المتطوعات مساعدة الأطفال على تجاوز ما رأوه في الأيام الأخيرة من مشاهد مروعة.
الجثث في كل مكان
راما (25 عاماً) ناشطة مقيمة بأحد أحياء حلب الشرقية، وصفت لـ"عربي بوست" الأيام الأخيرة التي عاشتها أحياء حلب بالمروعة.
تتابع راما بقولها: "اشتداد المعارك وانتشار جثث القتلى في الشوارع سيتركان أثراً لن ينسى في ذاكرة أطفال حلب".
تحاول الشابة الحلبية قدر الإمكان الحديث مع الأطفال والتخفيف عنهم، تطلب منهم أن يحدثوها عن ذكرياتهم القديمة، ألعابهم المفضلة وأصدقائهم المقربين.
نحاول أن نهرب بهم نحو اللحظات السعيدة التي عاشوها ولو كانت قليلة نوعاً ما"، تقول راما: "سنوات الحرب الطويلة وأعداد الشهداء الكبيرة دائماً ما تمنعنا من العودة معهم في الذاكرة".
تختتم بقولها: "اليوم، نستطيع القول بأن الأطفال هنا لا يملكون قصة من حياتهم دون أن يكون فيها شهيد أو جريح أو مهاجر أو غائب".
وعما يواجهونه من صعوبات، تتابع راما: "نحن لم نعد نمتلك ما يساعدنا على التخفيف عنهم، قبل الحصار كنا نستقبل مع المساعدات بعض الألعاب والملابس وكنا نوزعها كمكافآت وجوائز للألعاب الجماعية خلال جلسات كنا نقيمها. اليوم، لم نعد نملك سوى حكاياتنا وأحاديثنا معهم".
لم يكن يوم راما سهلاً، تقول: "استقبلنا اليوم طفلة جريحة تبلغ الرابعة من العمر، كانت تعاني إصابة في القدم نتيجة شظية ولا تتوقف عن البكاء، عند محاولتي الحديث معها اكتشفت أن لعبتها حنان التي تركتها خلفها عندما نزحوا من منزلهم هي سبب البكاء لا الإصابة".
رسائل إلى العالم
"اسمي عمران وأبلغ من العمر 12 عاماً وأريد أن أبقى في بيتي"، بهذه الكلمات بدأ عمران الطفل المقيم في حلب رسالته إلى العالم بعد أن طلبت منه راما التعبير بالكتابة ضمن أحد الأنشطة التي تقوم بها لمساعدة الأطفال.
وبخطه الطفولي، طالب عمران العالم بمساعدته؛ لأنه لا يرغب في مغادرة منزله والابتعاد عن أصدقائه دون أن ينسى تذكير العالم بحبه لهم.
"مرحباً، أنا اسمي عمران وعمري 12 عاماً ونصف، أريد البقاء في منزلي ولا أريد الابتعاد عن أصدقائي، ساعدوني فأنا أحبكم جميعاً".
أما حلا البالغة من العمر 9 سنوات، فقد أفردت رسالتها لتخبرنا بشوقها إلى والدها وأصدقائها.. الوالد، وبحسب حلا، ذهب (استُشهد) منذ عامين.
"أنا حلا وعمري 9 سنوات، ذهب أبي منذ سنتين ولم يعد حتى الآن، وعندما أسأل أمي عنه تجيبني بأننا ربّما نحن سنذهب إليه، اشتقت لأبي ولمدرستي ولأصدقائي، أحب العالم كله".
تولين (11 عاماً) كتبت لنا لعبتها وأغراضها، وأطفال مدرستها:
"هربنا من بيتنا وكل أغراضي بقوا فيه، لم أجلب معي إلا لعبتي (الدبدوب)، اشتقت لمدرستي وأصدقائي فكلهم رحلوا".
فيما يعرض أحمد (10 سنوات) كل ألعابه وممتلكاته بمقابل قطعتي شوكولا:
"أطلب من العالم شوكولا، وأنا سوف أعطيه كل أشيائي وألعابي مقابل قطعتين".
* تتحفظ "عربي بوست" على الأسماء الأخيرة وصور الأطفال وأماكن تواجدهم حفاظاً على سلامتهم نتيجة الأوضاع المأساوية التي تشهدها مدينة حلب.