تعني الضربات الجوية الروسية المدمرة وتكتيكات الحصار والتجويع التي دبرتها إيران، أن المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة بشرق حلب ستسقط قريباً في أيدي قوات بشار الأسد. بعد ما يقرب من 6 سنوات من الحرب، قد يؤدي هذا إلى إنهاء نضال الأغلبية السُّنية لإسقاط نظام الأسد. ولكن، لا استقرار ولا سلام سيخرجان من حطامها.
بل إن انهيار معقل قوات المعارضة في هذه البوابة الشمالية التاريخية لسوريا وبلاد الشام قد يكون نقطة تحول في هذه المنطقة المنكوبة، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، الأربعاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد في أوائل عام 2011 -على خلفية الصحوة السياسية للثورات العربية- وقد فشلت الجهات الخارجية في سوريا في تأمين سلامة البلاد أو التخفيف من معاناة الناس الذين شهدوا مقتل ما يقرب من 500 ألف شخص وتشريد نصف السكان.
أهون الشرَّين
لكن حتى لو كانت هذه القوى -بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية وقطر- تعتقد أن الوقت قد حان لتنحية خلافاتهم جانباً ومساندة ما يرونه أهون الشرين، أي حكم الأسد، ضد خطر سيطرة الجهاديين، فإن سجلهم من الفشل في سوريا والمنطقة المحيطة لن يتحسن فجأة.
بادئ ذي بدء، فإن نظام الأسد لطالما سعى إلى وضع الغرب والمنطقة أمام خيارين أحلاهما مرٌّ: إما نحن وإما التطرف الجهادي السُّني. منذ البداية، سعى إلى القضاء على أي تيار بديل من أجل جعل هذا الاختيار أمراً حتمياً.
قبل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بفترة طويلة، ادعت الديكتاتورية السورية أنها حصن علماني في منطقة معرّضة للتعصب الطائفي والديني. صحيح أن نظام الأقلية الذي يتمحور حول مجتمع الأسد العلوي شبه الشيعي يجمع حوله الأقليات الأخرى وجماعات المصالح، وبالتالي يحمي مصالحها. ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة الكاملة.
على مدى 3 عقود في أثناء الحرب الأهلية في لبنان وبعدها، أثار الاحتلال السوري الطائفية للانتفاع بسياسة "فرّق تسد". سربت دمشق المتطرفين السنة إلى العراق بعد أن حطم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ميزان القوى في المنطقة بين السنة والشيعة، باستخدام نفس الطرق التي استخدمتها "داعش" للانتقال ذهاباً وإياباً في منطقةٍ، خلافتها المزعومة عابرة الحدود.
صحيح، في حين كانت العديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط تلعب دور الساحر المبتدئ مع الإسلام الراديكالي، كان نظام الأسد يميل إلى الحفاظ على المنطقة من مجموعة من الأيديولوجيات، من القوميين العرب إلى الانفصاليين العِرقيين، أو الماركسيين أو أنصار بن لادن، كي يستعد لكل الاحتمالات. في الحالة الراهنة من التهديد الوجودي من الأغلبية السنية في سوريا، فرغوا سجونهم من مئات الجهاديين المحنّكين في بداية الانتفاضة.
لا يمكن للنظام أن يدعي أنه صاحب الفضل الوحيد في الدفع بالجهاديين إلى طليعة الثورة. مع غرق الولايات المتحدة في الفوضى ومستنقع العراق، دعت هي وحلفاؤها الغربيون إلى رحيل الأسد، لكنها لم تُتِح للثوار الوسائل لتنفيذ هذا؛ بل استعانت بمصادر خارجية لدعم تركيا والخليج، مما ساعد على خلق فراغ لصالح الجهاديين.
أوشكت قوات المعارضة على إسقاط النظام في 2012 و2013 و2015، ولكن الاستنزاف دفع بالانتفاضة من التيار العام إلى التيار الراديكالي.
ربما كان مصيرها مرتبطاً بوصول القوات الجوية الروسية إلى سوريا واعتداء "داعش" المدمر في باريس في نوفمبر من العام الماضي. رغم عدم إجماع الغرب على الأسد، فإنهم يعتبرونه أهون الشرَّين. ولكن مأساة سوريا، والتهديد الجهادي الذي ساعد نظامها في خلقه، سوف يصاحباننا فترة طويلة.
إن بقاء نظام الأسد في موقعه، حتى تحت وصاية من روسيا وإيران، سوف يكون حافزاً لقوات المعارضة السنية، ليصبحوا أكثر شراسة في مقاومتها، حتى لو لم يكونوا مرتبطين بـ"داعش" أو بتنظيم القاعدة، وفقاً للصحيفة البريطانية.
قد يعتقد النظام أنه سيكون في محيط آمن، وأن الديموغرافيا السورية تغيرت بعد تشريد نصف السكان. ولكن الدمار والموت قد تسببا في أن العديد من السوريين لم يعد لديهم شيء يعودون إليه، ومعظم اللاجئين على امتداد الحدود في لبنان وتركيا والأردن، ليس لديهم ما يخسرونه.
-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.