الاكتئاب ليس له وقت.. قد يأتيكِ فجأةً وهذه حكايتي

كان كل شيء عادياً وكان يوماً جميلاً مشمساً، كعادتي استيقظت على أنغام موسيقى صباحية هادئة، إلى أن وصلت تلك اللحظة التي كانت كفيلة بتغيير مسار حياتي.. مات كل شيء بداخلي، تغيَّر كل شيء، لم أعُد أنا حينها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/26 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/26 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش

كنت من أكثر الناس تبسماً وقهقهة لا يهمني شيء أكثر من أن أرقص على أغرب النوتات الموسيقية، وغالباً الإسبانية والهندية والإيطالية منها التي لا أفقه في كلماتها شيئاً، سوى أن تلك الإيقاعات الغريبة التي تروقني جداً، في كل يوم أستيقظ مفعمة بالحياة والشغف الجميل المتجدد في نفسي.

من عادتي ألا أضع برامج ليومي، فأنا لا أحب الانضباط كثيراً، ولا يهمني متى ينتهي يومي، لا قواعد في قاموسي..كنت سعيدة بمجمل حياتي بالرغم من وجود مشاكل عابرة، فإيماني بأن كل شيء متجدد في الحياة كان ينبع من داخلي، ولم تخِفني تحديات الحياة يوماً، كنت أواجه أيامي بقوة وعزم لا مثيل لهما.. لكن سرعان ما رحلت بي دواليب الحياة إلى بقعة تنعدم فيها الحياة.

كان كل شيء عادياً وكان يوماً جميلاً مشمساً، كعادتي استيقظت على أنغام موسيقى صباحية هادئة، إلى أن وصلت تلك اللحظة التي كانت كفيلة بتغيير مسار حياتي.. مات كل شيء بداخلي، تغيَّر كل شيء، لم أعُد أنا حينها.

لأول مرة لا أعلم ما الذي أصابني.. استيقظت لأبدأ يومي لكن لم يعُد شيء كما كان، ومع كل يوم جديد يزداد خوفي وتضيق نفسي.. مر شهر، شهران أو ثلاثة لست أدري؟ الزمن توقف بي هناك وتركني أصارع على نفس الحال، أصبح كل شيء تافهاً وباهتاً في حياتي، منظري يوحي كأني عدت لتوي من عالم لا حياة فيه، عيناي باهتتان يملأهما السواد، ووجهي شاحب كعجوز أتعبتها الحياة وخصلات شعري تتهاوى بين الفينة والأخرى، وجسمي صار هزيلاً.. وثيابي لم تعد تناسب مقاساتي.. وقلبي المدمى لم أعد أسمع له رنيناً، عقلي الشيء الوحيد الذي يعمل دون توقف، والذي كان يرهقني ويبعثرني بضجيج أفكاره السوداوية.. صرت عاجزة بالكامل، ضعيفة منهكة، متعبة كمغترب يتخبط بين اليأس والأمل، يصارع الحياة لأجل الحياة، لقد بت أغرق في العدم، في معنى اللاوجود، وأنا أحاول جاهدة أن أنتصر على كل مخاوفي.

لسوء حظي لقد كان كل شيء متزامناً، لم يمنحني القدر فرصة لأستوعب أي لعنة حلت بي، كل شيء تبدد في جزء من الثانية، لا شيء غير الوحدة القابعة بداخلي، ونفسي الجاثية التي تأبى الوقوف، وتلك الروح الحزينة بداخلي، تقتات على ما لذَّ وطاب لها من جسمي الهزيل، تحس في لحظة من الزمن وكأن العالم يسحبك من قدمك ليلقي بك في بئر الاكتئاب وحيداً.

بعد أيام وشهور، وأنا أحاول أن أستجمع قواي، وأن أجد الحل سريعاً، وكلما بحثت بشغف عن ذاك الحل، ازداد الأمر سوءاً.وأنا أقاوم نفسي وأجرب تفاهتها، أسايرها لعلي أجد نفسي القديمة، لكن لا شيء ينفع حيال ذلك.. لقد كنت أكذب من شدة الصدق، كنت أخبر الجميع أني بخير وبداخلي كل شيء ميت بداخلي، ما عدا دمعي لقد كان الشيء الصادق الوحيد الذي يريحني قليلاً بالرغم من أنني لا أستطيع أن أعرف ما السبب وراء دمعي، كنت دائماً أشتهي أن يمر يومي بسرعة البرق ليحل المساء.

وككل ليلة أختفي في إحدى زوايا غرف هذا العالم البئيس، أرتمي بذلك السرير البارد كمشاعري والقاتم كأحزاني؛ لأجد بجانب تلك الذكرى التي تركت بقلبي ثقوباً لا تشفى، ليتني لم أشاهد ذلك الحادث، ليتني لم أتذكر ذلك الجسم ذلك الغريب ممدداً على الرصيف، أي ذكرى وأي قدر قاسٍ هذا؟.. ليبدأ ذلك الحوار الازدواجي المتعب، ترهقني الأسئلة، وأنا أحاول أن أبحث عن إجابة تفاؤلية حول مدى قسوة الحياة، حقاً إنه شيء كئيب جداً لدرجة أنك تفكر في كيفية الهروب من واقع كهذا، دون جدوى، كل ما أعرفه أني عاجزة تماماً لم يعد عندي فرق بين الفرح والحزن، أو الموت والحياة، الصمت والصراخ، مستغنية عن كل المشاعر.

في عتمة الليل أحاور ربي، يا إلهي ما معنى هذه الحياة الآن؟ ماذا يحدث لي؟ لأتذكر قوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، تستوقفني هذه الآية كثيراً، وتوحي لي بأن إيماني بالقضاء خيره وشره قد يكون السبيل الوحيد لأخرج من قوقعة الاكتئاب الخانقة؛ لتحل السكينة قلبي بإذن ربي، بعد أن رحلت عن ذاك المكان الممتلئ والملوث بلعنة الموت.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد